احتفلت المملكة العربية السعودية بذكرى مرور 87 عاماً على قيام الدولة، إلا أن احتفال هذا العام يتم في ظروف تاريخية تشهد تأكيد التوجّهات الإستراتيجية لرؤية 2030 الرامية إلى تحقيق أعلى درجة من التنويع في الاقتصاد ورفع إنتاجيته وقدرته التنافسية وتطوير الصادرات غير النفطية وتعزيز دور القطاع الخاص.
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف وغيرها، وفّر الملك سلمان بن عبد العزيز ظروف انتقال القيادة إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي ستقع على عاتقه قيادة المملكة في هذه المرحلة الإنتقالية الدقيقة والزاخرة بالتحديات.
ويلعب الأمير محمد دوراً مفصلياً في إعادة تصميم النظام السياسي والاقتصادي على أسس المعاصرة والفعالية والمساءلة والإنتاجية، وقد تولّى من خلال مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية دوراً أساسياً في بلورة رؤية المملكة للمستقبل وصياغة البرامج التنفيذية لتلك الرؤية، وقد أثبت ولي العهد الشاب أنه يتمتع بصفات رجل الدولة الذي يفرض احترامه في الحقلين الداخلي والخارجي وأنه يتمتع بالقدرة على تحمّل المسؤولية خصوصاً في الإصلاحات التي قد لا تكون شعبية.
القيادة الجريئة
وهذا الدور الجريء للأمير محمد قدّم الدليل على أنه مؤهل لقيادة المملكة في مرحلة تنفيذ الإصلاحات والإشراف مباشرة على ترجمة الرؤية إلى مشاريع وبرامج وإنجازات.
وتتبوأ المملكة مكانها بين مجموعة أكبر 20 اقتصاداً في العالم وكانت مواقفها من قضايا استقرار سوق النفط والاقتصاد العالمي ومعونات التنمية منسجمة مع هذه المكانة ومع المسؤوليات التي ترتبها، فالسعودية تتصدر دول العالم من حيث حجم العون التنموي والإنساني كنسبة من الناتج المحلي، وهي كانت على الدوام المحرّك والمموِّل الأساسي للعمل العربي المشترك ولمؤسسات التنمية العربية كما إنها المانح الأول للدول العربية
والإسلامية.
وعليه، تحتاج المملكة إلى الحفاظ على اقتصاد قوي يتمتع بالحيوية والقدرة على النمو والتكيّف مع التطورات، ذلك أن العالم يتغيّر وبسرعة كبيرة، مما يفرض مواكبة المتغيرات عبر تطوير وتحديث نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وترتيب قوانينها ومؤسساتها، كما إن الاقتصاد السعودي يواجه تحديات غير مسبوقة بسبب التراجع المتمادي في أسعار النفط والغموض المحيط بمستقبل سوق الطاقة من جرّاء الركود العالمي وثورة الطاقة المتجدّدة والآلات الذكية والسيارة الكهربائية وأنظمة البيئة ومعاهدات الحدّ من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، وكل هذه المستجدّات تظهر عدم إمكان الاعتماد الطويل الأمد على النفط كمحرك أساسي للإقتصاد وللإنفاق على مالية الدولة والخدمات والمشاريع، وهذا ما أدركه قادة المملكة عندما قرروا إطلاق ورشة التحول الوطني والبدء في إرساء الأسس لإقتصاد متنوع وتنافسي يكون فيه للقطاعات الإنتاجية والخدمية غير النفطية الإسهام الأكبر في الناتج المحلي وفي تمويل الميزانية.
جيل المستقبل
وقد وضع قادة المملكة اليد أيضاً على تحديات أخرى مثل أداء الجهاز الحكومي والتوظيف الفائض والدعم الواسع ومسألة تفعيل التعليم وربطه بأسواق العمل وتعزيز مالية الدولة وكذلك تعزيز التكافل، كما وهناك حاجة لإراحة المجتمع عبر الإهتمام بالنشاطات الترفيهية والثقافية والرياضية للشباب والأسر والاهتمام بالسياحة الداخلية وتطوير دور المملكة كمحطة عالمية للنشاطات اللوجيستية والتجارة البحرية والبرية واستثمار المواقع السياحية الفريدة لها من أجل خلق مدن أعمال واجتذاب الشركات العالمية لاتخاذ المملكة كجسر عبور إلى الأسواق الخارجية.
ولا بدّ من تقدير الخطوات التاريخية التي اتخذها الملك سلمان بن عبد العزيز سواء على صعيد دعم رؤية 2030 للتحول الوطني وبناء اقتصاد ما بعد النفط أم على صعيد تحمّل المسؤولية التاريخية في تأمين الإنتقال من جيل المؤسسين الكبار إلى جيل القادة الشباب الذين ينتمون إلى زمنهم ويمتلكون من الأدوات والمعطيات ما يمكّنهم من التفاعل مع عالمهم ومع الأجيال الجديدة.
ولنا في الأمير محمد بن سلمان خير مثال على جيل المستقبل الذي يتحمل مسؤوليات التغيير وتحدياته، ونحن على ثقة بأن مشروع السعودية الجديدة سيلقى التأييد الواسع وخصوصاً من
الشباب وهم أصحاب المصلحة في المستقبل الطامحين لحياة كريمة وفرص عمل، إلى جانب تحمل مسؤولياتهم في مشروع التحول الوطني.
وما ينبغي التنبه له وإعطاءه المزيد من الاهتمام هو تحسين مناخ الأعمال والاستثمار لاجتذاب المستثمر المحلي أولاً ومن ثم الخارجي، وما من شك في أن مشاريع الخصخصة ستوفر فرص أعمال كثيرة لكافة المستثمرين ممن يتمتعون بالكفاءات المهنية.