فيصل ابوزكي
في خطوة مهمة تبشربعودة اقتصادية كبيرة للسعودية وبقية بلدان الخليج إلى لبنان، أعلنت مصادر سعودية عن إجراءات قريبة لتعزيز التجارة السعودية مع لبنان التي شهدت انحسارًا كبيرًا منذ 2021. وجاء تصريح رئيس الوزراء اللبناني د. نواف سلام لشكر السعودية "على مبادرتها واستعدادها لاتخاذ خطوات قريبة ترفع العوائق أمام الصادرات اللبنانية" ليؤكد هذا التوجه. ويعد هذا القرار نقطة تحول كبرى في العلاقات السعودية اللبنانية خاصة بعد الحظر الذي فرضته الرياض على الواردات اللبنانية في عام 2021، ما ترك آثارًا اقتصادية بالغة على الاقتصاد اللبناني المترنح تحت وطأة أزمات اقتصادية ومالية وسياسية متشابكة. ويمهد هذا القرار الطريق أمام انفراج اقتصادي مهم في العلاقات السعودية - اللبنانية ويؤشر إلى رغبة المملكة العربية السعودية في تعزيز التبادل التجاري مع لبنان، وذلك اعترافاً بجهود الحكومة اللبنانية الأخيرة في مكافحة تهريب المخدرات، وتحديداً حبوب الكبتاغون، التي كانت تُستخدم شحنات الصادرات منصة لإيصالها إلى المملكة ودول الخليج.
العودة إلى السعودية مفتاح عودة الخليج
يُمثل السوق السعودي تاريخيًا أكبر وجهة إقليمية للصادرات اللبنانية، مما يجعل قرار رفع القيود أو تفعيل التبادل التجاري خطوة إنقاذ حقيقية لقطاعات حيوية.
قبل فرض الحظر في عام 2021، وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين في ذروته إلى نحو 600 مليوندولار أمريكي سنوياً. وكانت الصادرات اللبنانية إلى المملكة تبلغ نحو 250 مليون دولار سنوياً في السنوات التي سبقت الأزمة، ما جعل السعودية وجهة رئيسية للتصدير من لبنان.
أما بالنسبة للقطاع الزراعي، الذي كان محور الأزمة الأمنية والتجارية، فقد كانت قيمة الصادرات اللبنانية من الخضراوات والفواكه إلى السعودية تُقدّر بحوالي 24 مليون دولار سنوياً، وهو ما يمثل حينها حوالي 16 في المئة من إجمالي الصادرات اللبنانية من هذا القطاع الحيوي.
وقدتعرض قطاع الخضراوات والفواكه اللبناني للضربة الأقسى نتيجة حظر 2021. ويتوقع ان تكون لعودة تدفق هذه المنتجات إلى السعودية آثار فورية وملموسة منهااستعادة السيولة إذ ستساعد عودة التصدير إلى السعودية العملة الصعبة التي تشتد الحاجة إليها للاقتصاد اللبناني المأزوم، مما يُحسن من ميزان المدفوعات ويُنشط حركة الأموال.كما ستمكن هذه العودة المزارعين والمصنعين الغذائيين من التخلص من الفائض الموسمي، والحفاظ على الأسعار محلياً، وتشجيعهم على استثمار المزيد في الإنتاج والجودة.
لا يقتصر الأمر ع إلى الزراعة، بل يشمل الشركات الصناعية اللبنانية التي تعتمد على السوق السعودي لتصريف منتجاتها، مثل الأثاث، والمواد الكيميائية، والمنتجات البلاستيكية. إن استعادة جزء من قيمة الصادرات السابقة سيساعد هذه الشركات على زيادة طاقتها الإنتاجيةويمكنها من العمل بكامل طاقتها مجدداً، ما يقلل من نسب البطالة ويزيد من دخل المصانع. كما يُرسل القرار إشارة إيجابية للمستثمرين الدوليين والإقليميين بأن الصادرات اللبنانية اصبحت خاضعة لاجراءات امنية موثوقة ضد التهريب.
تحديات استعادة الموقِع المفقود
على الرغم من الانفراجة، يواجه المصدرون اللبنانيون تحديات كبيرة لاستعادة موطئ القدم الذي فقدوه بالكامل تقريباً خلال السنوات الأربع الماضية. فخلال فترة الحظر، سدت منتجات من دول إقليمية أخرى مثل الأردن ومصر وتركيا الفجوة التي خلفتها الصادرات اللبنانية في السوق السعودي. مما سيتعين على المنتجات اللبنانية أن تنافس بقوة ع إلى مستوى الأسعار والجودة لاستعادة حصتها من السوق السعودية. كما يتوجب أن يلتزم المصدرون اللبنانيون بالمعايير الصارمة التي تفرضها السعودية على الاستيراد، خاصة لجهة الجودة والتعبئة والتغليف.
تحول مهم في الموقف السياسي السعودي
يربط القرار السعودي عمليا تعزيز التبادل التجاري بكفاءة الحكومة اللبنانية في الحد من استخدام أراضيها كمنصة لتهديد أمن الدول العربية، ويُشير بوضوح إلى تحول سياسي ذي شقين: أولا، ينتقل الموقف السعودي من نهج القطيعة الشاملة إلى نهج المكافأة المشروطة. هذا يعني أن الرياض مستعدة لمد جسور التعاون الاقتصادي والمساعدة، ولكن فقط عندما يظهر لبنان التزاماً عملياً ببسط سيادة الدولة على حدودها ومرافقها الحيوية ومكافحة الشبكات التي تعمل خارج إطار الدولة. وثانيا، يُرسل هذا التحول رسالة مفادها أن المملكة لا تزال حريصة على دعم مؤسسات الدولة اللبنانية الشرعية في مواجهة نفوذ القوى غير الحكومية التي تستغل الفوضى الاقتصادية والأمنية.
ويُمثل هذا القرار انفراجة اقتصادية طال انتظارها، توفر شريانًا حيويًا لقطاعي الزراعة والصناعة. لكنه أيضاً بمثابة اختبار سياسي وأمني للحكومة اللبنانية، التي يجب أن تبرهن على فعاليتها واستدامتها في مكافحة التهريب للحفاظ على هذا الجسر التجاري الحيوي مع أكبر شريك لها في المنطقة.
ويتوقع ان يفتح النجاح في هذا المجال الباب أمام المزيد من الإجراءات السعودية الأخرى مثل رفع الحظر على سفر السعوديين إلى لبنان وعودة التمويل الرسمي لمشاريع البنى التحتية والمساعدات التنموية والاستثمار والسياحة على نطاق واسع وليس فقط من السعودية بل من بقية بلدان الخليج التي كانت تشكل المصدر الاول للاستثمار والسياحة إلى لبنان قبل وبعد الحرب الأهلية.
وسيشكل استمرار التنسيق الأمني بين السلطات اللبنانية والسعودية، ومكافحة شبكات التهريب الدولية المرتبطة بأطراف داخلية، الضمانة الوحيدة لعدم تعرض هذا الباب التجاري للإغلاق مرة أخرى.




