د. سوليكا علاء الدين
تسير المملكة العربية السعودية بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نحو مستقبل مزدهر ينبض بالتنوع والابتكار، مستفيدة من تحولات اقتصادية واجتماعية وثقافية تعيد تشكيل هويتها وتعزز حضورها إقليميًا ودوليًا. ومنذ إعلان رؤية 2030، نفذت المملكة سلسلة من الاصلاحات الشاملة والجذرية جعلت المرأة محورًا رئيسيًا في خطط التحديث والتنمية، لتشكل بذلك قوة دافعة أساسية في مسيرة التقدم الوطني المستدام.
وعلى مدار السنوات، شهد تمكين المرأة تطورًا ملموسًا، حتى أصبحت اليوم شريكًا استراتيجيًا لا غنى عنه في صنع القرار، وركيزة أساسية في قيادة مسيرة التحول الوطني، مساهمةً بفاعلية في بناء مستقبل أكثر شمولية يقوم على الكفاءة والتمكين.
المرأة ورؤية التحوّل
أدت سياسة تنفيذ الإصلاحات إلى تسريع وتيرة مشاركة المرأة في سوق العمل، مما مكّن من تحقيق أحد أبرز أهداف رؤية 2030 قبل موعده بعشر سنوات، حيث بلغت نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة 30 في المئة في عام 2020، وهو إنجاز بارز يمثل نقطة تحوّل مهمة في مسار التحول الوطني. واستنادًا إلى هذا النجاح، تم تحديد هدف جديد لرفع نسبة المشاركة إلى 40 في المئة بحلول عام 2030، مما يعكس حرص المملكة على مواصلة جهود التمكين وتوسيع الفرص المتاحة للمرأة.
وفي السياق ذاته، أشار تقرير البنك الدولي الذي حمل عنوان "الإصلاحات الهيكلية وتحولات الأعراف الاجتماعية لزيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة" إلى أن المملكة شهدت، منذ عام 2017، نموًا كبيرًا في معدلات انخراط النساء في سوق العمل، شمل مختلف الفئات العمرية والمستويات التعليمية. وتضاعفت نسبة المشاركة خلال ست سنوات من 17.4 في المئة في أوائل عام 2017 إلى 36 في المئة في الربع الأول من عام 2023. وتمكنت المرأة السعودية خلال هذه الفترة من دخول مجالات متنوعة في القطاعين العام والخاص، وحققت حضورًا قويًا بفضل كفاءتها المهنية المتنامية.
كما واصلت المملكة تطبيق إصلاحات نوعية تهدف إلى تمكين المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين، لتصبح رافدًا رئيسيًا لمسيرة التنمية وداعمًا فعّالًا لعجلة التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وقد أحرزت المملكة تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال، حيث أظهر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2022 تصنيف السعودية ضمن أفضل ثلاث دول عالميًا من حيث التحسن في مؤشر سد الفجوة بين الجنسين، مما يعكس فعالية السياسات المعتمدة في ترسيخ مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص.
من جهة أخرى، أشارت دراسة صادرة عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركي إلى أن سد الفجوة بين الجنسين في سوق العمل يمكن أن يضيف قيمة اقتصادية كبيرة للاقتصادات العالمية. ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديدًا، تُقدَّر الزيادة المحتملة في الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 2.7 تريليون دولار بحلول عام 2025 في حال تحقيق المساواة بين الجنسين. وفي السياق ذاته، يُظهر التقرير أن تعزيز المساواة بين الجنسين في المملكة العربية السعودية قد يسهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تقارب 50 في المئة، مما يؤكد الأثر الإيجابي الكبير لتمكين المرأة ودمجها الكامل في القوى العاملة والاقتصاد الوطني.
علاوة على ذلك، تشير التقديرات إلى أنه إذا أصبحت مشاركة المرأة في سوق العمل مساوية لمشاركة الرجل في السعودية، فإن ذلك من شأنه أن يضيف ما يعادل 586 مليار دولار إلى الاقتصاد، أي ما يقارب 18,569 دولارًا لكل فرد. ووفقًا للبيان الصادر عن صندوق النقد الدولي بعد اختتام مشاورات المادة الرابعة لعام المملكة العربية السعودية، بلغت نسبة النساء اللواتي يشغلن أدوارًا قيادية في الإدارة الوسطى والعليا في الاقتصاد 43.7 في المئة خلال الربع الثالث من عام 2023، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق المساواة بين الجنسين في سوق العمل.
واقع وإنجازات
وفي سياق متصل، أصدرت الهيئة العامة للإحصاء في أحدث تقاريرها عن المرأة السعودية مجموعة من المؤشرات التي تعكس واقع المرأة ومسار تمكينها وتطور مشاركتها في سوق العمل. ويستند التقرير إلى بيانات شاملة تخص النساء السعوديات البالغات من العمر 15 سنة فأكثر، بهدف تقديم صورة متكاملة عن أوضاع المرأة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية والثقافية والترفيهية، مما يعزز فهمنا للتقدم المحرز والتحديات القائمة.
وأظهرت نتائج تقرير المرأة السعودية 2024 أن إجمالي عدد الإناث السعوديات بلغ 9,807,663 نسمة، حيث شكّلت الفئة العمرية (15–34 عامًا) نسبة 35.7 في المئة من إجمالي الإناث، فيما مثّلت الفئة العمرية (20–24 عامًا) نسبة 17.6 في المئة، مما يجسّد الهيمنة النسبية للفئة الشابة في التركيبة السكانية للنساء السعوديات، وهو مؤشر مهم على حجم الطاقات والإمكانات التي يمكن استثمارها في مختلف المجالات التنموية.
وفيما يتعلق بتمكين المرأة اقتصاديًا، كشف التقرير عن انخفاض ملحوظ في معدلات البطالة بين النساء السعوديات، حيث تراجع معدل البطالة إلى 13 في المئة في عام 2024، مقارنة بـ 19 في المئة في عام 2022. كما انخفض المعدل الربعي للبطالة في الربع الرابع من عام 2024 إلى 11.9 في المئة، مقارنة بـ 13.9 في المئة في الفترة نفسها من عام 2023، في دلالة واضحة على فاعلية الجهود المبذولة لرفع مشاركة المرأة في سوق العمل وزيادة معدلات توظيفها في مختلف القطاعات. وبلغ معدل العاملات من النساء السعوديات نسبة 31.8 في المئة من إجمالي عدد السكان، فيما وصلت نسبة مشاركتهن في سوق العمل إلى 36 في المئة.
وعلى صعيد الإنجازات النوعية، سجّل التقرير تزايدًا واضحًا في مساهمة المرأة السعودية في مجالات التعليم والابتكار والرياضة، حيث بلغت نسبة الحاصلات على درجة البكالوريوس أو ما يعادلها 35.3 في المئة من إجمالي النساء السعوديات في الفئة العمرية (25 سنة فأكثر). كما سجّلت 22 سعودية براءات اختراع في عام 2024، وحصدت النساء السعوديات 1,956 جائزة محلية ودولية في المجال الرياضي خلال العام ذاته.
وبالنسبة لنمط الحياة والمشاركة المجتمعية، فقد أظهر التقرير أن 44.6 أما على صعيد نمط الحياة والمشاركة المجتمعية من السعوديات (18 سنة فأكثر) يمارسن نشاطًا بدنيًا لمدة 150 دقيقة أو أكثر أسبوعيًا، وهو مؤشر إيجابي على تحسن الوعي الصحي والاتجاه نحو أسلوب حياة أكثر توازنًا. كما سجلت الأنشطة الثقافية والترفيهية حضورًا واسعًا بين النساء، حيث جاءت زيارة الحدائق والمتنزهات في المرتبة الأولى بنسبة 62.7 أما على صعيد نمط الحياة والمشاركة المجتمعية.
ريادة وصدارة
وفي إطار التقدم والإنجازات، وفقًا لمركز دراسات مشاركة المرأة العربية التابع لهيئة المرأة العربية، تصدّرت المرأة السعودية المركز الأول عربيًا في التقرير السنوي لتمكين المرأة العربية في التنمية وهيئات صنع القرار لعام 2025.
وجاء هذا التقدير تتويجًا لجهود ملموسة وإنجازات نوعية، من أبرزها ارتفاع نسبة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل من 19 في المئة عام 2016 إلى 38 في المئة عام 2024، مما يعكس نجاح الخطوات الرامية إلى إدماجها في مختلف القطاعات الاقتصادية. كذلك، انخفض معدل البطالة بين النساء، من 33.7 في المئة في عام 2016 إلى أقل من 11 في المئة في عام 2024، إلى جانب تسجيل المملكة أعلى نسبة في ريادة الأعمال النسائية على مستوى المنطقة.
وفي ميدان العدالة والقانون، أشار التقرير إلى ارتفاع عدد المحاميات السعوديات من 618 محامية عام 2019 إلى 3180 محامية في عام 2024، نتيجة التوسع في تمثيل المرأة في المجال القانوني.
أما في مجال التعليم العالي والابتعاث الخارجي، فقد سجّل التقرير تزايدًا في أعداد الطالبات السعوديات الملتحقات بجامعات مرموقة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، أستراليا، ألمانيا، كوريا الجنوبية، واليابان، حيث بلغ العدد الإجمالي 15,690 طالبة، منهن 4,178 في مرحلة الدكتوراه، وهو أعلى رقم يُسجل حتى الآن، بالإضافة إلى 2,812 طالبة في مرحلة الماجستير.
كما وثّق التقرير ارتفاعا كبيرًا في معدلات نشر الأبحاث العلمية المصنفة عالميًا، حيث وصلت النسبة إلى 91 أما في مجال التعليم العالي والابتعاث الخارجي، فيما سجّلت المملكة أعلى عدد من الطبيبات الحاصلات على البورد الأمريكي على مستوى العالم العربي والشرق الأوسط، من جامعات مرموقة مثل هارفارد، جونز هوبكنز، ستانفورد، وكاليفورنيا.
وفي المجال الدبلوماسي، أشار التقرير إلى تطور بارز في مشاركة المرأة السعودية في السلك الخارجي والمنظمات الإقليمية والدولية، حيث شغلت الطبيبة السعودية د. حنان بلخي منصب المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، كما شهدت وزارة الخارجية تعيين خمس سفيرات سعوديات في عواصم عالمية مؤثرة، من أبرزهن الأميرة ريما بنت بندر التي أصبحت أول سفيرة سعودية لدى الولايات المتحدة الأمريكية بمرتبة وزير، إضافة إلى تعيين سفيرات في فنلندا، مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، السويد، والنرويج. كما سعت الوزارة إلى تأهيل كوادر نسائية للعمل في السلك الدبلوماسي عبر المعهد الدبلوماسي وتوظيفهن ضمن البعثات الخارجية.
هذا وتعكس الأرقام الصادرة مكانة المرأة السعودية في المشهد التنموي الوطني، إذ تُشكّل النساء 55 في المئة من الكوادر الصحية، و50 في المئة من أعضاء مجلس هيئة حقوق الإنسان، فضلًا عن تزايد حضور المرأة في المجال الرياضي من خلال تشكيل أكثر من 35 فريقًا نسائيًا في مختلف الألعاب، مما يؤكد دعم مشاركتها المتزايدة في جميع جوانب الحياة المجتمعية.
قصة تميز
جسّدت مكانة الرياض كـ “عاصمة للمرأة العربية" لعام 2020 تقديرًا إقليميًا لجهود المملكة المستمرة في دعم قضايا المرأة وتعزيز حضورها في مختلف مجالات الحياة العامة، معتبرة ذلك استثمارًا حيويًا في مستقبل المملكة. وقد جاءت رؤية السعودية 2030 لترسّخ هذا التوجه من خلال إتاحة فرص نوعية للمرأة مكّنتها من تبوؤ مناصب قيادية والمشاركة الفاعلة في سوق العمل.
وتُظهر التحولات المتسارعة التي تشهدها المملكة حجم التقدم المُحرز ومدى التزام الدولة بتمكين المرأة، حيث لم يعد هذا التمكين مجرد خيار إصلاحي بل أصبح ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة، ورفع الكفاءة، وتعزيز تنافسية المملكة على المستوى العالمي.
ولا شك أن المرأة السعودية تواجه تحديات متعددة تنبع من محاولتها المستمرة الجمع بين تطلعاتها المهنية ومسؤولياتها الأسرية، وهو واقع يفرض عليها ضغوطًا كبيرة تتطلب ثباتًا وإرادة قوية لتجاوزها. ومع ذلك، تتيح لها السياسات الداعمة فرصة فريدة لتعزيز مكانتها كشخصية متوازنة تحمل طموحات واضحة تمكّنها من إعادة صياغة دورها في المجتمع والاقتصاد، مثبتة بذلك أن قدرتها على النجاح لا يتعارض مع قيمها، بل ينسجم معها ليولّد قوة متميزة ومتكاملة.
وبهذه الصورة تؤكد المرأة السعودية دورها الريادي كشريك فاعل في بناء مستقبل واعد لوطن يراهن على كفاءة أبنائه وبناته لتحقيق نهضته الشاملة، مما يجعلها عنصراً لا يتجزأ من قصة نجاح المملكة المتجددة.