دمشق: يارا عشي
في خطوة تاريخية تعكس التحول الإيجابي في العلاقات الثنائية، اختتم وفد اقتصادي سعودي رفيع المستوى زيارة رسمية إلى دمشق، شارك خلالها في "المنتدى الاستثماري السوري السعودي"، الذي انعقد الخميس 24 تموز/ يوليو في قصر الشعب في دمشق بمشاركة واسعة من ممثلي الحكومتين والقطاع الخاص من البلدين، وحضور الرئيس السوري أحمد الشرع.
وتأتي هذه الزيارة بناءً على توجيهات ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، الداعية إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري مع الدول العربية، وتفعيل الشراكات الاستراتيجية بما يخدم التنمية الإقليمية والاستقرار الاقتصادي.
مشاركة رفيعة المستوى واتفاقيات استراتيجية
ترأس الوفد السعودي وزير الاستثمار خالد الفالح، وضم أكثر من 130 من كبار رجال الأعمال والمستثمرين السعوديين، يمثلون اتحاد الغرف السعودية وشركات قطاعات حيوية تشمل الصناعة، الطاقة، العقارات، التقنية، الزراعة، السياحة والخدمات اللوجستية.
وشهد المنتدى التوقيع على 47 اتفاقية ومذكرة تفاهم، بقيمة إجمالية بلغت 24 مليار ريال سعودي (6.4 مليارات دولار أميركي)، منها 11 مليار ريال في قطاعات العقارات والبنية التحتية في سوريا، 4 مليارات ريال لمشاريع في مجال الاتصالات والتحول الرقمي والتقنيات الحديثة، إضافة إلى اتفاقيات في مجالات الزراعة، السياحة، النقل والخدمات المالية. كما تضمنت الاتفاقيات تأسيس 3 مصانع في مدينة عدرا الصناعية، منها مشروع مشترك لإنتاج الإسمنت الأبيض باستثمار يتجاوز 75 مليون ريال.
وتم الإعلان خلال فعاليات المنتدى عن تشكيل مجلس أعمال سعودي- سوري مشترك برئاسة رئيس مجلس إدارة شركة "أكوا باور" محمد أبو نيان لمتابعة تنفيذ المشاريع وتنظيم التواصل بين المستثمرين، وعن إطلاق لجنة اقتصادية دائمة تعقد اجتماعات ربع سنوية، وتقدم تقارير دورية للجهات المعنية. كما تم الاتفاق على افتتاح نافذة استثمارية موحدة شاملة لتسهيل دخول المستثمرين عبر السفارة السعودية وهيئة الاستثمار.
وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح أكد خلال مشاركته في المنتدى على عمق العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بين البلدين، وعلى أن زيارة الوفد السعودي تعكس حرص المملكة على تطوير علاقاتها الاقتصادية مع سوريا، ودعمها في مسيرتها نحو النمو الاقتصادي والتنمية الشاملة. وشدد الفالح على أهمية دور القطاع الخاص كشريك رئيس في تحقيق الأهداف المشتركة بين البلدين، وأشار إلى أن حجم الاستثمارات السورية المباشرة في المملكة وصل إلى نحو 10 مليارات ريال سعودي.
وزير الاقتصاد والصناعة السوري نضال الشعار اعتبر في كلمة له خلال افتتاح أعمال المنتدى، أن زيارة الوفد السعودي تأتي في وقت بالغ الأهمية، وتُشكل أساساً متيناً لانطلاقة جديدة نحو شراكات استراتيجية فعالة، تُسهم في خدمة المصالح العليا للشعبين، وتفتح آفاقاً واسعة للاستثمار والتنمية والتكامل الاقتصادي. وأكد الوزير الشعار التزام الحكومة السورية بتعزيز بيئة الاستثمار، وتوفير التسهيلات والدعم اللازم للمستثمرين.
بدوره أكد رئيس مجلس الأعمال السعودي السوري، رئيس مجلس إدارة شركة "أكوا باور" محمد أبو نيان على أن المملكة ستقود تحالفات عالمية للاستثمار في سوريا والاستفادة من الفرص الكبيرة المتوفرة، وأن ما جرى إعلانه من استثمارات خلال فعاليات المنتدى هو حزمة بسيطة من ما سيأتي، وأن الهدف بناء شراكات استراتيجية دائمة. كما أشار إلى أن دور مجلس الأعمال السوري السعودي يُعد تطبيقاً عملياً لرؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى بناء شرق أوسط قوي اقتصادياً يقوم على تكامل دول المنطقة وازدهار شعوبها.
أبعاد استراتيجية
ويحمل هذا المنتدى دلالات سياسية واقتصادية مهمة، ويُنظر إليه كخطوة متقدمة على طريق إعادة دمج سوريا اقتصادياً في الفضاء العربي، من خلال شراكات قائمة على المصالح المتبادلة والتنمية المستدامة.
وتُعد هذه الخطوة تتويجاً لمسار التقارب السعودي السوري، ورسالة واضحة لدعم إعادة الإعمار في سوريا ضمن رؤية إقليمية حديثة تُعزز الاستقرار والتكامل الاقتصادي في المنطقة.
الجدير ذكره أن العلاقات الاقتصادية بين المملكة العربية السعودية وسوريا تعود إلى عقود مضت، حيث كانت السعودية من بين أكبر المستثمرين العرب في سوريا قبل العام 2011، وقدرت الاستثمارات السعودية حينها بما يفوق ملياري دولار، تركزت في قطاعات السياحة والصناعة والتطوير العقاري.
وبعد سنوات من الانقطاع، بدأت العلاقات بالتحسن تدريجياً منذ العام 2023، لتشهد دفعة قوية بعد قمة جدة 2024، وصولاً إلى المنتدى الحالي الذي يُعد أول فعالية اقتصادية في هذا المستوى منذ أكثر من عقد.
ويُتوقع أن تشهد السنوات المقبلة طفرة في الاستثمارات السعودية، بدعم مباشر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وبما يتماشى مع سياسة المملكة في دعم الاستقرار والتنمية الاقتصادية في الدول العربية.