أقرّ مجلس الوزراء السعودي النظام الاستثماري المُحدث، وذلك بهدف تعزيز تنافسية البيئة الاستثمارية والقدرة على استقطاب الاستثمارات النوعية في القطاعات الجديدة التي تستهدفها المملكة لتصبح المحركات الجديدة للنمو . ويهدف التحديث - الذي من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ مطلع العام 2025- إلى استقطاب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية ورفع مستوى مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، والمساهمة في تنويع مصادر الدخل الوطني ، بالإضافة إلى خلق فرص عمل وفتح آفاق جديدة للنمو الاقتصادي المستدام انسجامًا مع أهداف "رؤية 2030".
تجدد استثماري نحو 2030
يأتي اعتماد نظام الاستثمار المحدث تتويجًا لجهود المملكة في تنفيذ رؤيتها الطموحة، حيث يمثل حجر الزاوية في الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، التي أطلقها ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان في 25 نيسان/ أبريل 2016 والتي تهدف الى تسريع عجلة التنمية وتنويع الاقتصاد المحلي، عبر رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، و ضخ أكثر من 100 مليار دولار سنوياً في الاقتصاد الوطني عن طريق الاستثمارات الأجنبية المباشرة. هذا فضلًا عن زيادة الصادرات غير النفطية، وزيادة فرص العمل، وتعزيز تصنيف المملكة بين أفضل عشرة اقتصادات في مؤشر التنافسية العالمية بحلول عام 2030.
وتطمح الاستراتيجية إلى مضاعفة الاستثمارات السنوية ثلاث مرات بحلول عام 2030، وذلك من خلال زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من 17 مليار ريال سعودي في عام 2019 إلى 388 مليار ريال سعودي في عام 2030، ورفع نسبة الاستثمارات من إجمالي الناتج المحلي من 22 في المئة في عام 2019 إلى 30 في المئة في عام 2030.
حماية أكبر ومرونة أوسع
يوفر النظام المُحدث حزمة متكاملة من التسهيلات والضمانات لكافة المستثمرين سواء كانوا محليين أو أجانب، بما يتوافق مع رؤية المملكة “2030”، ومستهدفات الاستراتيجية الوطنية للاستثمار وأفضل الممارسات الدولية. وتضع الركيزة الثانية من الرؤية الاستثمار في صدارة أولوياتها، بهدف تحويل المملكة إلى قوة استثمارية عالمية تجذب الكفاءات والاستثمارات.
وفي بيان صادر عنها، كشفت وزارة الاستثمار السعودية أنّ النظام الاستثماري المُحدث يمهّد الطريق لمستقبل الاستثمار في المملكة ويوفر بيئة استثمارية متساوية. يشمل النظام تعديلات جديدة أبرزها "تسهيل تأسيس الاستثمار، وتملك الأصول فيه، التخارج منه أو تصفيته"، ضمان "حقوق المستثمر وتعزيزها"، "المساواة في المعاملة بين المستثمر المحلي والأجنبي"، "ضمان توفير إجراءات شفافة وفعالة وعادلة للمستثمر واستثماره"، و"حماية الملكية الفكرية والحرية في إدارة الاستثمارات وتحويل الأموال". وتساهم هذه التعديلات في رفع كفاءة النظام القضائي من خلال تشجيع المستثمرين على اللجوء إلى الوسائل البديلة لتسوية المنازعات كالتحكيم والوساطة والمصالحة، مع إمكانية منح المحفزات الاستثمارية للمستثمرين، سواء المحليون أو الأجانب.
كما يوفر إطارًا موحدًا لحقوق وواجبات المستثمرين، مما يساهم في تعزيز الثقة والشفافية والمرونة، وتبسيط الإجراءات والحوكمة، وحل النزاعات، وضمان تكافؤ الفرص. وجاء إعداد نظام الاستثمار ثمرة شراكة وتعاون بين وزارة الاستثمار والعديد من الجهات الحكومية ذات العلاقة والقطاع الخاص ، وبالتشاور الموسّع مع عددٍ من المنظمات الدولية، وباستطلاع آراء المستثمرين لضمان توافقه مع أفضل الممارسات الدولية.
الجدول رقم "1"16 مادة تحكم الاستثمار
يتضمّن النظام عددَا من المبادئ الأساسية والأحكام الموضوعيـة والإجرائية التي تحكم وتنظم الاستثمارات، وقد توزّعت على سـتة عشـرة مادة كما يُوضح الجدول التالي:
هذا ما يقدمه النظام الجديد
من شأن النظام الاستثماري الجديد أن يسهم في تنويع الاقتصاد الوطني وتعزيز مرونته من خلال زيادة الإيرادات غير النفطية وتوفير فرص عمل جديدة وذلك بفضل تبنيه لأهم مبادئ وسياسات الاستثمار المتوافقة مع أفضل الممارسات الدولية ، مما يجذب المزيد من الاستثمارات إلى داخل المملكة التي تعد شريانًا حيويًا لتمويل الاقتصاد الوطني وبالتالي إلى تحسين الميزانية العامة للدولة.
ووفقًا لتقرير الأداء المالي والاقتصادي نصف السنوي للعام 2021 الصادر عن وزارة المالية، فإن زيادة الإيرادات غير النفطية وتطورها يعدان من أهم العوامل المؤثرة في تحسين وخفض عجز الميزانية العامة للدولة ، حيث أظهر التقرير أن سبب الانخفاض في عجز الميزانية من 143 مليار خلال النصف الأول من العام 2020 إلى نحو 12 مليار خلال النصف الأول من العام 2021 يعزى بشكل رئيسي إلى تحسن مستوى الإيرادات غير النفطية وانخفاض إجمالي النفقات. بدوره، أشار تقرير أداء الميزانية الفعلي لنهاية العام المالي 2022، إلى أن المملكة حققت فائضًا ماليًا في الميزانية الفعلية للمرة الأولى منذ ثماني سنوات، بلغ 104 مليار ريال، أي ما يعادل 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بفضل الزيادة في الإيرادات النفطية وتحسن الأداء الاقتصادي، بالإضافة إلى الجهود المبذولة لتنويع مصادر الدخل ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي.
يُذكر أنّ تقرير أداء الميزانية الفعلي لنهاية العام 2023 ، أظهر تسجيل عجز مالي قدره 81 مليار ريال، أي ما يعادل2.0 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل فائض بنحو 16 مليار ريال في الميزانية المعتمدة، جراء الزيادة في الإنفاق الحكومي لتنفيـذ المبادرات والإصلاحات الهيكليـة والمشاريع الداعمة لتحقيق التنويع الاقتصادي ورفع معدلات النمـو ضمن رؤية المملكة 2030.
كما يهدف إلى خلق بيئة استثمارية جاذبة وتحفيز الابتكار وتوطين الخبرات وتحسين مستوى التأهيل والتدريب لرأس المال البشري، بالإضافة إلى جذب المستثمرين للمشاركة وتمويل وتنمية المشاريع الوطنية الكبرى. كذلك، سيساهم النظام في تعزيز الاستدامة البيئية من خلال ضمان التزام المستثمرين بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، مما يجذب الاستثمارات الخضراء ويلعب دورًا في حماية الموارد الطبيعية من أجل خلق اقتصاد أكثر استدامة.
ويقدم الجدول رقم "2" تحليلاً مقارناً لأبرز التعديلات التشريعية التي أدخلها نظام الاستثمار الجديد، مقارنة بنظام الاستثمار الأجنبي.
الجدول رقم "2" مقارنة تحليلية: أبرز التعديلات في نظام الاستثمار الجديد
المصدر: وزارة الاستثمار، الملف التعريفي لنظام الاستثمار
مستقبل واعد للمملكة
ومع صدور قرار الموافقة ، أشار وزير الاستثمار السعودي المهندس خالد الفالح، إلى أنّ نظام الاستثمار المُحدث جاء امتداداً لسلسلة من الإجراءات التطويرية التي اتخذتها المملكة، حيث يؤكّد التزامها بتوفير بيئة جاذبة وداعمة وآمنة للمستثمرين المحليين والأجانب.
وأكّد الفالح أنّ توجّه المملكة إلى تعزيز جاذبية وتنافسية البيئة الاستثمارية، خصوصاً في الجوانب التنظيمية والتشريعية، ينطلق من مضامين المبادئ الاقتصادية التي كفلها النظام الأساسي للحكم، ويراعي المستقر من مبادئ وسياسات الاستثمار، التي تتضمن أفضل الممارسات العالمية في هذا الشأن؛ وقد استدعى هذا مراجعة نظام الاستثمار الأجنبي، الذي صدر قبل نحو 25 عاماً، لصياغة نظام متكامل للاستثمار، يُعنى بالمستثمرين السعوديين والأجانب على حد سواء.
وأشار وزير الاستثمار إلى أن المملكة منذ إطلاق "رؤية 2030"، أصدرت عدداً من الأنظمة، ضمن سلسلة إصلاحات تنظيمية وتشريعية، تتعلق ببيئتها الاستثمارية، وتعمل بالتوازي مع نظام الاستثمار، بما في ذلك أنظمة المعاملات المدنية، والتخصيص، والشركات، والإفلاس، ومبادرة إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة.
وأضاف الفالح أن السنوات القليلة الماضية شهدت تنفيذ ما يزيد على 800 إصلاح اقتصادي؛ لتعزيز التنافسية العالمية للمملكة، حيث لعب المركز الوطني للتنافسية - بالتكامل مع الجهات الحكومية ذات العلاقة- دورًا رائدًا في تنفيذها. وبفضل هذه الأنظمة والإصلاحات وغيرها، شهد إجمالي تكوين رأس المال الثابت زيادة كبيرة بلغت 74 في المئة مقارنة بعام 2017، ليصل إلى نحو 300 مليار دولار في عام 2023.
وشهد رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر نمواً ملحوظاً بنسبة 61 في المئة خلال الفترة من عام 2017 إلى عام 2023، ليبلغ نحو 215 مليار دولار، وفقاً لما أعلنه الفالح. كذلك، ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل كبير بنسبة 158 في المئة في عام 2023، لتصل إلى 19.3 مليار دولار، نتيجة المبادرات والتطورات والحوافز التي أدّت إلى تشجيع المستثمرين للاستثمار في بيئة استثمارية إيجابية وداعمة ومُستقرة.
وشدّد وزير الاستثمار على أن التحديثات التي تم إدخالها على النظام ستساهم بشكل فعال في تعزيز النمو الاقتصادي وترسيخ مكانة المملكة كوجهة استثمارية عالمية متميزة.
بيئة استثمارية رائدة
عززت المملكة العربية السعودية مكانتها الريادية كمركز استثماري إقليمي، حيث استطاعت جذب اكثر من 127 شركة عالمية اعتمدت المملكة كمقر إقليمي جديد لها خلال الربع الأول من العام الحالي، بزيادة نسبتها 477 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وشهدت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المملكة نموًا ملموسًا خلال الربع الرابع من العام الماضي، حيث ارتفعت بنسبة 32.2 على أساس سنوي، في حين سجل رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر نمواً بنسبة 1.7 في المئة خلال نفس الفترة.
وتصدرت المملكة العربية السعودية قائمة الدول في العديد من المؤشرات الدولية خلال عامي 2023 و 2024. فوفقاً لمنصة "ماغنيت" المتخصصة في إصدار بيانات الاستثمار الجريء في الشركات الناشئة، حلّت المملكة في المركز الأول على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث إجمالي قيمة الاستثمار الجريء خلال عام 2023.
وكشفت البيانات عن استحواذ المملكة على النسبة الأكبر من الاستثمار الجريء في المنطقة، حيث ارتفعت حصتها من 31 في المئة في عام 2022 إلى 52 في المئة في عام 2023. كما نمت الاستثمارات الجريئة في السعودية بنسبة 33 في المئة في 2023.
كما احتلت المرتبة الأولى في مؤشري الثقة في الحكومة وثقة المستهلك للاستثمار، وحلت ثانية في مؤشري ثقة المستهلك والتنافسية العالمية في الأمن السيبراني، كما جاء في تقرير صادر عن وزارة الاستثمار السعودية.
قفزة تنافسية
على صعيد آخر، حققت المملكة العربية السعودية إنجازاً بارزاً في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2024 الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD)، حيث احتلت المرتبة 16 عالمياً من بين 67 دولة، محققة بذلك قفزة نوعية مقارنة بالعام الماضي، مدعومة بتحسن بيئة الأعمال والبنية التحتية.
وشهدت المملكة العربية السعودية تطوراً ملحوظاً في محور كفاءة الأعمال، حيث ارتقت من المرتبة الثالثة عشرة إلى الثانية عشرة، وحافظت على مكانتها في المرتبة 34 على مستوى البنية التحتية. كما استمرت ضمن العشرين الأولى في مؤشري الأداء الاقتصادي والكفاءة الحكومية.
كذلك حققت المملكة العربية السعودية المركز الثاني عالميًا في مؤشرات متعددة تشمل التحول الرقمي للشركات، والقيمة السوقية لسوق الأسهم، وتوافر رأس المال الجريء، وتطوير وتطبيق التقنية، وتوافر تمويل التطور التقني ، كما حلت في المركز الثالث عالميًا في مؤشرات بارزة مثل لتبادل التجاري، وقدرة الاقتصاد على الصمود، وقدرة الحكومة على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية، وتشريعات البطالة، وإجمالي نشاط ريادة الأعمال في مراحله الأوَّلية.
رؤية مستدامة
منذ انطلاق رؤية 2030، تشهد المملكة العربية السعودية تحولات جذرية وإصلاحات هيكلية تهدف إلى بناء اقتصاد متنوع ذات تنافسية عالية في جذب الاستثمار المحلي والعالمي واستقطاب الصناعات الجديدة ذات المحتوى التكنولوجي العالي.
وتتمتع المملكة ببنية تحتية استثمارية متطورة ، وتزخر بفرص استثمارية واعدة ، وهي مُلتزمة بتوفير بيئة استثمارية داعمة من خلال مجموعة من الحوافز والتسهيلات المُقدمة لدعم المستثمرين وتشجيعهم على الاستثمار في مختلف القطاعات الحيوية. وتُعتبر الجهود المبذولة لجذب الاستثمارات جزءاً لا يتجزأ من التحول الاقتصادي الشامل الذي تشهده السعودية، ومدخلاً رئيسيًا لتحقيق الأهداف الاستراتيجية لـ"رؤية 2030". هذا ومن المتوقع أن يُصبح النظام الاستثماري في المملكة في مصاف الأنظمة الاستثمارية الأكثر تطوراً في العالم ، مما يجعلها قبلة للاستثمار العالمي ونموذجاً رائدًا يُحتذى به.