تدفقات رأسمالية تُغذّي نموّ
الأسواق الناشئة في عام 2024

11.06.2024
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

سوليكا علاء الدين

توقع تقرير صادر عن معهد التمويل الدولي (IIF) أن ترتفع صافي التدفقات الرأسمالية إلى الأسواق الناشئة بشكل ملحوظ بنسبة 32 في المئة خلال عام  2024، لتصل إلى 903 مليار دولار، أي ما يعادل 2.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ويعزى هذا التحسن بحد كبير إلى انتعاش الاستثمار الأجنبي المباشروازدياد الاهتمام بمحافظ الأسهم. ومع ذلك، يُحذر المعهد من أن الاستمرار في هذا الاتجاه التصاعدي يتطلب الحفاظ على زخم النمو العالمي. وبينما تشير التوقعات إلى نمو بنسبة 3.1 في المئة و2.9 في المئة في عامي 2024 و 2025 على التوالي، يظل هذا الرقم دون متوسط النمو البالغ 3.8 في المئة الذي شهدته الفترة من 2000 إلى 2019.

التقرير الذي شمل 25 دولة من بينها أسواق رئيسية مثل الصين والهند وروسيا والمكسيك، أشار إلى امكانية ارتفاع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 426 مليار دولار، أي ما يُشكّل 46 في المئة من إجمالي التدفقات. كما من المتوقع أن نصل التدفقات الصافية لرأس المال غير المقيمين إلى الأسواق الناشئة إلى 259 مليار دولار، مقارنة بـ 161 مليار دولار في عام 2023 ، مدفوعةً بانتعاش اقتصادي معتدل في الصين بعد عامين من الأداء الضعيف للسوق.

هذا ويُقدم "السيناريو السلس" لنمو الاقتصاد العالمي توقعات إيجابية لتدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة، وذلك على الرغم من الجهود المبذولة من قبل البنوك المركزية لمكافحة التضخم، والتي تثير مخاوف من حدوث ركود.

خريطة التدفقات

وفقاً لتقرير المعهد، تتباين أنماط تدفقات رأس المال مع اختلاف المناطق. في منطقة آسيا والمحيط الهادئ (باستثناء الصين)، من المتوقع أن تنتعش تدفقات رأس المال بشكل ملحوظ مدفوعةً بمحركات النمو القوية والأسس الاقتصادية المتينة. أما في الصين، فمن المرجح أن تشهد تدفقات رأس المال تحولًا معتدلًا خلال العامين الحالي والمقبل، بعد التراجعات الكبيرة التي شهدتها خلال العامين الماضيين. وفي منطقة أمريكا اللاتينية، توقع المعهد أن تستمر تدفقات رأس المال القوية خلال العامين الحالي والمقبل، لتصل إلى 3.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، جراء تحسّن الاستثمار الأجنبي المباشر وتعافي استثمارات محفظة الديون. بينما من المتوقع أن يرتفع صافي تدفقات رأس المال إلى منطقة أفريقيا والشرق الأوسط، من 115 مليار دولار في عام 2023 إلى 149 مليار دولار في عام 2024، مع تركيز هذه التدفقات بشكل كبير في مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ومن الناحية الجغرافية، تستمر منطقة آسيا والمحيط الهادئ الناشئة في جذب أكبر حصة من تدفقات رأس المال الخاص إلى الأسواق الناشئة، حيث تستحوذ على 42 في المئة من إجمالي التدفقات. تأتي أمريكا اللاتينية في المرتبة الثانية بنسبة 23 في المئة، تليها أوروبا الناشئة بنسبة 18 في المئة وأفريقيا / الشرق الأوسط بنسبة 17 في المئة.

أفريقيا-الشرق الأوسط: انتعاش في الأفق

يشكل الاستثمار الأجنبي المباشر القناة الرئيسية لتدفقات رأس المال إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)، حيث يجذب قطاع الموارد الطبيعية اهتمامًا خاصًا من الشركات الأجنبية.  وتوقع المعهد ارتفاعًا ملموساً في تدفقات رأس المال غير المقيمين إلى منطقة أفريقيا والشرق الأوسط خلال الفترة القادمة، على أن تكون مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هي الوجهات الرئيسية لهذه التدفقات، حيث ستستقطب مجتمعة ما يزيد عن 80 في المئة من إجمالي التدفقات.

السعودية: آفاق واعدة

أشارت التقديرات إلى أن اقتصاد المملكة العربية السعودية قد يشهد تسارعًا في النمو ليصل إلى 2.5 في المئة في عام 2024، مقارنة بانخفاض بلغ 0.8 في المئة في العام الماضي، وذلك مع تأثير تراجع إنتاج النفط. وسيظل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي غير النفطي قويًا، مدفوعًا بالاستهلاك والاستثمار، مع استمرار الاقتصاد في الاستفادة من تنفيذ مشاريع ضخمة.وأظهر مؤشر مديري المشتريات لشهر نيسان/أبريل ظروف أعمال قوية، حيث نما كل من الإنتاج والطلبات الجديدة بوتيرة أسرع.

ومن المتوقع أن يتلاشى فائض الحساب الجاري للمملكة تدريجيًا خلال عامي 2024 و 2025، وذلك في ظل افتراضات تشمل متوسط ​​سعر النفط عند 85 دولارًا للبرميل، وانخفاض إنتاج النفط بنسبة 2.5 في المئة، واستمرار النمو القوي للواردات، مدفوعًا بتنفيذ مشاريع البنية التحتية الضخمة والطلب الاستهلاكي الخاص القوي.

كما توقع المعهد أيضًا عجزًا ماليًا بنسبة 2.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024. ومع ذلك، سوف يكون تمويل هذا العجز سهلًا، نظرًا للأساسيات الاقتصادية القوية للمملكة العربية السعودية، والتي تشمل انخفاض مستويات الدين، ووفرة الاحتياطيات المالية، والوصول إلى الأسواق الدولية بشروط مواتية.

وأشارت التوقعات إلى ازدياد تدفقات رأس المال غير المقيمين إلى المملكة العربية السعودية من 55 مليار دولار في عام 2023 إلى 62 مليار دولار في عام 2024، حيث تسعى المملكة إلى إدراج المزيد من الشركات وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر. ومع ذلك، سوف يشهد الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة العربية السعودية نموًا معتدلًا خلال الفترة القادمة، ليصل إلى 1.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وبينما تُعدّ هذه الزيادة إيجابية، إلا أنّها تبقى دون المستويات المحققة في دول أخرى في المنطقة، مثل الإمارات العربية المتحدة، التي سجلت 4.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي كاستثمارات أجنبية مباشرة في عام 2023، وجاءت في المرتبة الثانية عالميًا من حيث عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة.

المعهد أشار إلى احتمال مواجهة توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي بعض التحديات، من أهمها انخفاض في إنتاج النفط وأسعاره عن التوقعات المحددة وتباطؤ في وتيرة تنفيذ الإصلاحات . وبينما ساهم نشاط صندوق الاستثمارات العامة بشكل ملحوظفي تحفيز النشاط في القطاعات غير النفطية خلال العامين الماضيين، إلا أن هناك مخاوف من أن الاعتماد المفرط على مثل هذه الكيانات العامة قد يؤدي إلى خلق بيئة من عدم المساواة وانعدام الكفاءة.

مصر: مكاسب نقدية

على الرغم من الارتفاع الكبير في صافي تدفقات رأس المال غير المقيمين، مدفوعًا بالاستثمار الأجنبي المباشر و صفقة رأس الحكمة الضخمة بقيمة 35 مليار دولار، والتي من المتوقع أن تجذب استثمارات إضافية بقيمة 150 مليار دولار، إلا أن الاقتصاد المصري يواجه تحديات  جمّة قد تُعيق نموه.إذ من المتوقع أن يتباطأ النمو إلى 2.8 في المئة في السنة المالية 2023/2024  جراء صدمات خارجية متتالية، وارتفاع التضخم، ونقص العملات الأجنبية، وغياب التقدم في الإصلاحات الهيكلية.

من جهته، أدى انخفاض الطلب المحلي إلى انخفاض الواردات، بحيث تمّ تجاوزه بانخفاض حاد في الصادرات، وضعف التحويلات المالية، وتراجع  إيرادات الخدمات. وقد تأثرت إيرادات الخدمات بشكل خاص بهجمات الحاويات في البحر الأحمر، إذ تقلصت عمليات العبور عبر قناة السويس إلى النصف، مما أثر على مصدر رئيسي للعملات الأجنبية. نتيجة لذلك، من المتوقع  أن يتسع عجز الحساب الجاري إلى 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام مقارنة بـ 1.2 في المئة في السنة المالية 2022/2023.

وتضمّنت  صفقة رأس الحكمة إلغاء 11 مليار دولار من الودائع الإماراتية وضخّ 24 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة الجديدة. وأدت الصفقة إلى رفع أسعار الفائدة وتوحيد سعر الصرف، مما فتح الباب أمام فرصة جديدة لتوسيع برنامج بقيمة 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي. سيُسهم التدفق الكبير للإقراض الرسمي، إلى جانب 15 مليار دولار من صفقة رأس الحكمة، التي سيتم استخدامها كاحتياطي، في تمويل عجز الحساب الجاري في هذه السنة المالية ويسمح بزيادة الاحتياطيات بمقدار 12 مليار دولار.

وبالنسبة للسنة المالية 2024/2025، سيتم تمويل الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال صفقة رأس الحكمة (التي تبدأ في عام 2025)، بالإضافة إلى عائدات الخصخصة.

هذا ومن المتوقع أن يدفع توحيد العملة واستئناف برنامج صندوق النقد الدولي إلى زيادة مبيعات الشركات المملوكة للدولة، بما يتماشى مع هدف صندوق النقد الدولي البالغ 3.6 مليار دولار من عائدات الخصخصة في السنة المالية 2024/2025. وستظل الاستثمارات الأجنبية المباشرة والإقراض الرسمي المصدر الرئيسي لتدفقات رأس المال غير المقيمين، ولكن شهدت تدفقات المحافظ الاستثمارية انتعاشًا ملحوظًا في شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل.

ومع تحفيز الطلب المحلي والاستثمار والثقة، من المرجح أن يتعافى النمو بنسبة 4.1 في المئة في السنة المالية 2024/2025. ومع ذلك، لا تزال المخاطر تميل نحو الجانب السلبي لا سيما استمرار الحرب في غزة.وقد يؤدي أي تصعيد في الأعمال العدائية إلى إلحاق الضرر الأكبر بعمليات عبور البحر الأحمر والسياحة، اللذان حافظا على قوتهما حتى الآن.