خسائر عربية كبيرة
في بنك كريدي سويس

22.03.2023
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

مع تملّك UBS السويسري لمصرف كريدي سويس المتعثر بدعم حكومي سويسري وبصفقة تضمنت تسعيراً زهيداً لأسهم البنك وشطباً لـ 17 مليار دولار من السندات الداعمة لرأس المال  Tier-1، تكون الاستثمارات الخليجية قد تعرضت لأول خسائر كبيرة في استثمار مصرفي في الخارج، إذ إن المستثمرين الخليجيين الذين يمتلكون نحو 20 في المئة من رأس مال كريدي سويس سيحصلون على نحو ثلث القيمة الأصلية للسهم من دون أن يكون معلوماً الآن الخسائر التي يمكن ان تكون قد لحقت بهم نتيجة شطب قيمة السندات بالكامل عبر تقييمها بصفر. والجدير بالذكر، أن البنك الأهلي السعودي وهيئة قطر للاستثمار ومجموعة العليان هم بين أكبر المستثمرين الخليجيين في كريدي سويس ويعتقد ان هناك استثمارات خليجية اخرى في البنك من خلال مستثمرين افراد ومؤسساتيين. ويمتلك البنك الأهلي السعودي نحو 9.9 في المئة من مصرف كريدي سويس مقابل 6.8 في المئة لجهاز قطر للاستثمار و3.6 في المئة لمجموعة العليان السعودية.

السلطات السويسرية لم تعط اهتماماً لمصالح المستثمرين

 ومن الواضح أن السلطات السويسرية لم تعط اهتماماً كافياً لمصالح المستثمرين ومن بينهم المستثمرون الخليجيون الذين تجاوبوا في أكثر من مرة مع الطلبات التي قدمت لتعويم البنك السويسري عبر زيادات رأس مال تمّ ترتيبها في أواخر العام الماضي ومطلع العام، كذلك سجلت السلطات السويسرية سابقة قانونية عندما استعجلت ترتيب صفقة تملّك مصرف UBS للمصرف السويسري المتعثر في وقت قياسي ومن دون عرض الاتفاق للتصويت عليه من قبلهم، مساهمي البنكين، ثم عبر شطب 17 مليار دولار من السندات العائدة لمصرف كريدي سويس عبر تسعيرها بقيمة صفر أيضاً من أجل تخفيف الأعباء على البنك الشاري. لكن العامل الأهم في تسريع الصفقة كان حرص السلطات السويسرية على إنهاء العملية قبل فتح الأسواق المالية صباح يوم الإثنين بسبب مخاوف أوروبية وأميركية من أن يؤدي التأخير في إتمامها أو فشلها إلى إطلاق شرارة أزمة سيولة مصرفية كبيرة.

دروس مفيدة

 لا يمكن توجيه النقد للمستثمرين الخليجيين نتيجة لما حل باستثمارهم في أحد أعرق البنوك السويسرية، فهذا النوع من الاستثمارات يمكن أن يحقق نجاحات كبيرة كما حصل في استثمارات المستثمرين الخليجيين في سيتي بنك في مطلع الثمانينات من القرن الماضي أو في استثمار جهاز قطر للاستثمار في بنك باركليز أثناء الأزمة المالية الدولية في 2008. ومن المعروف أن المستثمرين الخليجيين ليسوا نشطين في الاستثمارات المصرفية وأن كان بنك ابوظبي الأول أفصح أخيراً انه كان يدرس امكانية تملك بنك ستاندرد تشارترد مع كل فروعه في العالم وهو ما كان سيمثل أول عملية تملك خليجية لبنك دولي بالكامل. وبعد تأجيل البت النهائي في الموضوع نتيجة متطلبات رقابية محددة من بورصتي لندن وسنغافورة، فإنه سيكون من المهم (وبعد أزمة كريدي سويس) متابعة موقف البنك وإذا كان سيستمر في مسعاه أم إذا كان سيفضل التريث في الأجواء المضطربة للسوق المصرفية الدولية.

 ومما لا شك فيه أن الملابسات التي رافقت الحل السويسري لأزمة كريدي سويس تطرح لأول مرة سؤالاً جدّياً حول الاستثمارات المالية في السوق السويسرية التي تعتبر تقليدياً صديقة للاستثمار وأكبر سوق مصرفية متلقية للودائع والثروات الشخصية والعائلية. وعلى حدّ قول أحد الخبراء الماليين، فإن سويسرا ضربت مبدأ أساسياً هو قدسية الملكية الخاصة وحقوق المستثمرين من حاملي السندات التي تعلو حسب الأعراف المصرفية على حقوق حاملي الأسهم. في هذه الأثناء، وجه رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي في البرلمان السويسري لوماً شديداً لإدارة مصرف كريدي سويس محذراً من أن انهيار البنك وجه ضربة كبيرة لسمعة السوق المالية السويسرية وثقة المستثمرين، وأضاف البرلماني السويسري أن الصفقة تجعل مصرف UBS البنك الوحيد ذو الطابع الدولي في سويسرا وتزيد بالتالي مخاطر اعتماد الاقتصاد السويسري والسوق المالية السويسرية على بنك رئيسي واحد.

يبقى القول إن الخسائر الاستثمارية عادة ما تقع نتيجة ازمات كبرى كأزمة 2008 والازمة الحالية الناتجة عن الرفع المتواصل لأسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفدرالي لمحاولة لجم التضخم، كما تحصل نتيجة ضعف الحوكمة وكفاءة الإدارة التنفيذية والشفافية والهيكل الإداري للمؤسسات. أما في سويسرا فإن قليلين يطرحون السؤال حول هذا الجانب بالنظر للسمعة التقليدية للسوق المالية السويسرية خصوصاً في إدارة الثروات والقوة التاريخية للفرنك السويسري، ولا تزال هذه الميزات قائمة في السوق المالية السويسرية، لكن كريدي سويس ظهر منذ سنوات كاستثناء لافت لتلك القاعدة، إذ نكب بتقلبات ادارية متواصلة وأخطاء كبيرة في استراتيجيته وخصوصاً إدارة مخاطر التشغيل وارتبط اسمه بعدد من الفضائح والافلاسات الكبيرة والدعاوى القضائية والتي أدى تجمعها سنة بعد سنة إلى مرض عضال تفشى في البنك إلى حد لم يعد ممكناً علاجه بسهولة.

كغيرهم من المستثمرين رأى المستثمرون الخليجيون في حينها أن الاستثمار في كريدي سويس تمّ بسعر جذاب ومتدن (بالمقارنة مع القيمة السوقية للبنك)، كما راهنوا على أن نجاح عملية إعادة الهيكلة سيؤدي إلى رفع سعر سهم البنك أضعافاً مضاعفة وهو ما كان سيحقق أعلى عائد على استثمار مالي. وسبق ان حققت عمليات اعادة هيكلة مصرفية سابقة مثل حالة دويتش بنك الالماني نجاحاً وتعافياً جنى معها المستثمرون مكاسب كبيرة.

بالنسبة لـ كريدي سويس لا يبدو أن جهود اعادة الهيكلة أثمرت في الوقت المناسب، إذ كان البنك يستعد للإعلان عن خسائر جديدة بمليارات الدولارات عن العام الماضي. ولم يكن ينقص هذا البنك المتعثر (وفي عز أزمته) إلا أزمة بنك سيليكون فالي التي هزت السوق الأميركية، وأثارت مخاوف المودعين والمستثمرين والذين تهافتوا على سحب أموالهم من البنوك الضعيفة التي كانوا يشكون بقوتها المالية وسيولتها وعلى التخلص من اسهمها، وكان نصيب كريدي سويس سحوبات بلغت عشرات المليارات يومياً على الرغم من الدعم الكبير الذي تلقاه من البنك المركزي السويسري.

 الرابح الأول

 في هذه الأثناء ظهر بوضوح أن مصرف UBS هو الرابح الأكبر من الأزمة، إذ تمكن من شراء كريدي سويس بمبلغ لا يتجاوز 3.3 مليارات دولار (بعد أن حاول عرض مليار دولار فقط لشراء البنك) وهذا بينما كانت القيمة السوقية للبنك عشية الأزمة الأخيرة نحو 8 مليارات دولار وقبل عامين نحو 90 مليار دولار.

واتفقت الأوساط المالية على اعتبار بنك  UBS الرابح الأكبر من انهيار مصرف كريدي سويس، إذ تمكن من تملك أكبر منافس له بسعر زهيد وهو سيتمكن نتيجة للصفقة من رفع محفظة الأصول الاستثمارية التي يديرها إلى 5 تريليونات دولار وهو ما يفوق المحفظة التي يديرها مصرف مورغان ستانلي أو غولدمان ساكس، كما إن البنك سيتلقى مساعدة من الحكومة السويسرية والبنك المركزي السويسري تساعده على استيعاب بعض الخسائر التي ستنجم عن عملية تملك كريدي سويس.