عودة الحرارة إلى العلاقات السعودية – العمانية
تعاون اقتصادي بأبعاد سياسية

19.07.2021
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

شهدت زيارة سلطان سلطنة عمان هيثم بن طارق الى المملكة العربية السعودية وهي أول زيارة له خارج بلاده منذ توليه السلطة، احتفاء غير مسبوق، حيث حظي باستقبال رفيع المستوى يعكس التطور اللافت في العلاقات بين البلدين.

وتعد زيارة سلطان عمان للسعودية، هي أول زيارة لحاكم عماني للمملكة منذ 10 سنوات، وقد تكون علامة على تغيُّر التحالفات في منطقة الخليج، في الوقت الذي تسعى فيه السعودية للتقارب مع دول تربطها علاقات وثيقة مع خصمها الإقليمي إيران.

تزامنت زيارة السلطان هيثم إلى مدينة نيوم، حيث استقبله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مع افتتاح أول معبر بري يربط البلدين في الوقت الذي تحاول فيه عُمان تنويع طرق التجارة. واللافت أن الزيارة تتزامن ايضا مع التباين في وجهات النظر بين السعودية والإمارات حول تمديد الاتفاق داخل "أوبك" لزيادة إنتاج النفط، حيث اشترطت الامارات زيادة حصتها من الإنتاج، بينما فرضت الرياض سلسلة من الإجراءات على اتفاقية الإعفاء الجمركي الخليجي، واعلنت أن الواردات القادمة من المناطق الحرة أو المرتبطة بإسرائيل، سوف تُستثنى من اتفاقية التعرفة التفضيلية بين دول الخليج. 

ويمثل توثيق العلاقة بين سلطنة عمان والسعودية هدية اقتصادية لمسقط، التي تكافح لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط. إلى جانب أنه يأتي في الوقت الذي يتواصل فيه الأمير محمد بن سلمان مع الدول التي أُبقِيَت سابقاً بعيدة بسبب الاختلافات في نهجها تجاه إيران، وقد أقامت المملكة العربية السعودية مؤخراً علاقات أوثق مع العراق، واستضافت رئيس وزرائها في مارس/آذار، وتصالحت هذا العام مع قطر بعد اكثر من ثلاث سنوات على قطع العلاقات في عام 2017.

أسباب الخلافات العمانية السعودية

لطالما كانت العلاقات بين عمان والسعودية فاترة على الرغم من حدودهما المشتركة؛ إذ يتخوف المسؤولون السعوديون من العلاقات الودية بين عمان وإيران. وزاد التوتر في السنوات الأخيرة بسبب حرب اليمن، إذ تُعَدُّ سلطنة عمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي لم تنضم إلى التحالف السعودي الذي يحارب الحوثيين، وظلَّت محايدةً في اليمن، وغالباً ما تستضيف محادثاتٍ مع الحوثيين في مسقط. 

ورأى السلطان الراحل قابوس بن سعيد عام 2016 أن قرار السعودية بالتدخُّل في اليمن كان قراراً متهوِّراً. أما خليفته، السطان هيثم بن طارق فهو مهتمٌّ بمستقبل اليمن حقاً، ولا سيما محافظتيّ المهرة وحضرموت في الجنوب الشرقي من اليمن. 

وشكل اليمن سبباً لزيادة الخلافات بين البلدين لأسباب عدة، حيث يحتفظ العمانيون باتصالات مع الحوثيين؛ إضافة إلى نفوذ في المناطق الحدودية اليمنية الملاصقة للسلطنة في مواجهة محاولات الإمارات والسعودية ترسيخ نفوذهما في اليمن الجنوبي الذي يمثل أهمية خاصة لخطوط النقل بالنسبة للتجارة العالمية ودول الخليج.

وابتداءً من عام 2017، سيطَرَ التحالف العربي الذي تقوده السعودية تدريجياً على محافظة المهرة، بما في ذلك العاصمة والميناء، وسيطروا على المراكز الحدودية مع سلطنة عمان، التي تراقب عن كثبٍ الدور السعودي في المهرة. وكانت المهرة قاعدةً لجنوب اليمن الشيوعي لدعم تمرُّد ظفار في السبعينات، والذي هُزِمَ بعدما أرسل شاه إيران قواتٍ لمساعدة الجيش العماني. 

وفي سبتمبر/أيلول 2019، أسّس قادة احتجاجات المهرة، بدعم من عُمان، مجلس الإنقاذ الوطني الجنوبي لمواجهة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات وإخراج القوات العسكرية التابعة للتحالف بقيادة السعودية من كلٍّ من المهرة وجنوب اليمن. ويُطالب هؤلاء القادة السعودية بوقف التدخلات، وإعادة جميع المرافق الحيوية بما في ذلك المنافذ والمؤسسات الحكومية، وتسليمها إلى أبناء المهرة.

أما عُمان، التي كانت أكثر حياديةً في السابق، فقد عزّزت بدورها دعمها غير المباشر لليمنيين- عبر المال والسيارات والتغطية الإعلامية والاتصالات الدبلوماسية- لتأمين حدودها.

والسيطرة على المهرة تمنح المملكة السعودية وصولاً مباشراً إلى المحيط الهندي. وتعتزم الرياض بناء خط أنابيب نفطي من منطقتها الشرقية الواقعة على ساحل الخليج العربي عبر المهرة إلى البحر العربي المفتوح على المحيط الهندي. ومن شأن ذلك أن يخفِّف من اعتماد السعودية على مضيق هرمز (الذي يصل بين المحيط الهندي والخليج) لتصدير النفط، وهو المضيق الذي يستطيع الإيرانيون تهديد الملاحة به، ويعتبر واحداً من أهم الأوراق في أيديهم ضد دول الخليج عامة.

الخلاف خلال الأزمة القطرية

رفضت سلطنة عمان الانحياز للرباعي العربي السعودية ومصر والإمارات والبحرين خلال قطع العلاقة مع قطر الذي بدأ عام 2017، بل لعبت دوراً في مساندة الدوحة. وحافظت سلطنة عُمان لعقود على حيادها تجاه أغلب صراعات المنطقة، ولكن الأصعب بالنسبة لها كانت السنوات الماضية، حينما قسم الصراع مجلس التعاون الخليجي، واتخذت السعودية والإمارات خطوات أظهرت فيها عدم التسامح حتى مع الحياد في أزمتهما مع قطر مثلما فعلت مع المغرب.

فتحت وفاة السلطان العماني قابوس بن سعيد العام الماضي، الذي حكم لمدة خمسة عقود، الباب أمام التغيير، ولا شك أن زيارة السلطان هيثم إلى المملكة العربية السعودية هي أول رحلة له إلى الخارج منذ توليه السلطة.

غير أنه يمكن القول إن التغيير في العلاقات بين سلطنة عمان والسعودية بدأ من الرياض أكثر من مسقط، فبعد تولي السلطان هيثم الحكم في يناير/كانون الثاني عام 2020، قائلاً: "سنظل كما عَرَفنا العالم". 

في المقابل فإن الرياض تبحث عن حل في اليمن يشمل الحوثيين، وهي بعد دخول بايدن للبيت الأبيض وتركيزه على إحياء الاتفاق النووي الإيراني، خففت خطابها التصعيدي ضد إيران، وفتحت مساراً للتفاوض معها عبر بغداد، وصالحت قطر، وخففت وتيرة التطبيع مع إسرائيل.

وأخيراً، يبدو أن السعودية تدخل في نزاع الإمارات حليفتها التي شاركت في صياغة السياسة الهجومية للمملكة خلال السنوات الماضية، ورغم أن النزاع يتعلق بالأساس برغبة أبوظبي في زيادة حصة إنتاجها النفطي، ولكن من الواضح أن له خلفيات سابقة تتعلق بالتنافس والخلافات في ملفات عدة منها اليمن والسجال على استضافة مقرات الشركات الدولية والتطبيع.

هل تتحالف الرياض ومسقط؟

تحتل السعودية المرتبة الثانية في قائمة مستوردي الصادرات العُمانية غير النفطية، والمرتبة الرابعة من حيث إعادة التصدير، والمركز الخامس في قائمة الدول التي تستورد منها السلطنة، وتأتي رابعاً على مستوى العالم في استيراد الأسماك العُمانية.

وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 10 مليارات ريال سعودي في 2020 مرتفعاً بنحو الضعف منذ عام 2010 بحسب المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في عمان.

أما أحدث الأرقام للربع الأول من 2021 فسجلت ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 6 في المئة بالمقارنة مع نفس الفترة العام الماضي ليصل إلى 2.250 مليار ريال سعودي.

وتحدث سفير سلطنة عمان لدى السعودية فيصل بن تركي آل سعيد، عن حراك جديد على مستوى السلطنة فيما يسمى رؤية السلطنة 2040 يواكب ما يدور في المملكة بالتزامن مع رؤية 2030، وقال إن النقاشات بين البلدين ستحمل نقلة نوعية اقتصادية بين البلدين.

وفيما يخص المنفذ البري الرابط بين البلدين، كشف السفير آل سعيد قائلاً: "القيادة في السلطنة والسعودية عازمة على تدشين المنفذ قبل نهاية العام الجاري، وهو الذي سيؤسس من خلاله شراكة جديدة بين البلدين، وأنا أعتقد أن المنفذ الحدودي يعد نقطة البداية للعمل لإتاحة العديد من الخدمات والفرص والنقلات النوعية التي يعول عليها القطاع الخاص في كل الأصعدة بين البلدين".

وأعلن ملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز وسلطان عُمان هيثم بن طارق عن إنشاء مجلس للتنسيق السعودي العماني في كافة المجالات، بهدف توسيع آفاق التعاون بين البلدين.

وفي مؤشر على تأثيرات استراتيجية محتملة للزيارة، أفادت تقارير بأن المحادثات السعودية-الإيرانية قد تنتقل إلى سلطنة عُمان.

ارتياح رجال الاعمال للتقارب 

نوّه رئيس اتحاد الغرف السعودية، عجلان بن عبدالعزيز العجلان، بما تشهده العلاقات السعودية العمانية من تطور مستمر في جميع المجالات.

وأكّد عجلان، أن السعودية، وسلطنة عُمان، لديهما من المقومات والإمكانات اللازمة ما يؤهلهما لتأسيس علاقات تكامل اقتصادي حقيقي، انطلاقاً من رؤية "المملكة 2030"، ورؤية "عمان 2040".

واقترح العجلان تطوير العلاقات التجارية والتركيز على استغلال المزايا النسبية، بما في ذلك حرية انتقال السلع والأفراد، في إطار اتفاقيات دول مجلس التعاون الخليجي والقطاعات ذات الأولوية، والاستفادة من قدرات السعودية الصناعية، والموقع الإستراتيجي لسلطنة عمان في المنافسة والوصول بمنتجات البلدين إلى الأسواق الدولية.

وتجمع السعودية وعُمان علاقات وطيدة، عززتها زيارة العاهل السعودي الملك سلمان إلى العاصمة العمانية مسقط في 2020 التقى خلالها السلطان هيثم لتأدية واجب العزاء في وفاة السلطان قابوس بن سعيد.

وتلعب سلطنة عمان دورا في مساعي وقف الحرب وإحلال السلام في اليمن، ما جعلها الوسيط الأبرز في محاولات إنجاح مفاوضات السلام بين الأطراف اليمنية.

والسعودية وعمان أيضا تتلاقيان في أنهما يملكان رؤيتين تهدفان في المقام الأول إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط وإرساء قواعد استثمارية متينة للاقتصاد على المدى الطويل.

ويتوقع أن يرتفع هذا الرقم بقوة بعد افتتاح أول طريق بري يربط السعودية بالسلطنة والذي يختصر ثمانمئة كيلومتر من المسافة مقارنة بالطريق الذي يمر عبر الإمارات حاليا، وسيفتتح هذا الطريق قبل نهاية العام الجاري.