البنك المركزي السعودي «ساما»
إحتواء آثار الجائحة ودعم الوظائف والمؤسسات

01.12.2020
محافظ البنك المركزي السعودي «ساما» أحمد الخليفي
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بهدف احتواء الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا، نفّذت الحكومة السعودية مجموعة متكاملة من الإجراءات التحفيزية للقطاع الخاص تناولت بشكل خاص تغطية نسبة 60 في المئة من رواتب العاملين في المؤسسات الخاصة لمدة ستة أشهر وتأجيل الكثير من الاستحقاقات على المواطنين. إلا أن وضع المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة اقتضى تدخلاً موازياً وسريعاً من البنك المركزي السعودي (ٍساما)  استهدف دعم سيولة تلك المؤسسات والمحافظة على مستويات التوظيف وتعزيز قدرتها على استيعاب الآثار المباشرة على ماليتها لانكماش حجم الأعمال والتراجع الحاد في الايرادات. 

وقد شهد البنك المركزي السعودي (ساما) في موازاة تطور الاقتصاد السعودي تطوراً مستمراً في دوره جعله يتجاوز مع الوقت، ونتيجة الاستجابة للظروف والحاجات المباشرة، الدور التقليدي للمصرف المركزي إلى العمل كأداة أساسية للتنمية الاقتصادية وكرديف مباشر في النطاق النقدي لخدمة الأهداف العريضة لهذه التنمية.  

وخلال أكثر من خمسة عقود سهر البنك المركزي السعودي على تأسيس الصناعة المصرفية السعودية وتطويرها وفق أفضل المعايير الدولية، كما حرص على حمايتها من نزعات المضاربة وعواصف الأزمات الدولية، وتأمين دورها في تمويل حاجات الاقتصاد الوطني ليهتم بعد ذلك بتطوير البنى التحتية للمدفوعات ورقمنة العمليات المصرفية والأخذ بأحدث التقنيات المالية. وها هو الآن يظهر القدرة على العمل المبادر في الأزمات والاستجابة السريعة للظروف الطارئة التي فرضتها جائحة كورونا. 

مواجهة تحديات الوباء

كيف واجه البنك المركزي السعودي (ساما) تحديات السيولة للمصارف والتوازن المالي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والقطاع الخاص بشكل عام؟ 

تميز تعامل البنك المركزي السعودي (ساما) مع وباء كورونا في المملكة بالاستجابة السريعة، إذ تمّ الإعلان عن برنامج دعم القطاع الخاص بما فيه المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة يوم 14 مارس 2020 وذلك بعد أيام فقط من شروع المملكة في تطبيق إجراءات وقف زيارات العمرة وإغلاق الأماكن العامة ومنع الرحلات الجوية وتحديد التنقل، مما دلّ على أن البنك كان يعمل بصورة متواصلة على تقييم الوضع الاقتصادي بهدف استخلاص نوع الاستجابة المطلوبة والبدء بتطبيقها من دون تأخير. 

ويبلغ حجم البرنامج الذي أطلقه البنك المركزي السعودي (ساما) 50 مليار ريال ويتضمن أربعة محاور أساسية:

أولاً، تأجيل المدفوعات المترتبة للمصارف وشركات التمويل على المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة من خلال إيداع مبلغ يصل إلى 30 مليار ريال لصالح البنوك وشركات التمويل، مقابل تأجيل دفع مستحقات القطاع المالي (البنوك وشركات التمويل) لمدة ستة أشهر على تلك المؤسسات، وقد تمّ تمديد فترة البرنامج مدة ثلاثة أشهر إضافية حتى تاريخ 14 ديسمبر 2020م، وذلك رغبة من البنك المركزي في استمرار تمكين القطاع المالي من القيام بدوره في دعم القطاع الخاص وخصوصاً المنشآت المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، والمساهمة في تعزيز التعافي الاقتصادي والمحافظة على مستويات التوظيف في القطاع الخاص.

ثانياً، إطلاق برنامج التمويل المضمون والذي يهدف إلى توفير تمويلات منخفضة التكلفة (لا تتجاوز 4 في المئة) ومضمونة من برنامج كفالة بنسبة 95 في المئة للمنشآت المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، لمدة عام ينتهي بتاريخ 14 مارس 2021م وقابل للتمديد لعام آخر. 

ثالثاً، برنامج دعم ضمانات التمويل والذي يستهدف دعم رسوم ضمانات التمويل الصادرة عن برنامج كفالة.

ورابعاً، برنامج دعم رسوم عمليات نقاط البيع والتجارة الإلكترونية من خلال تحمل البنك المركزي لرسوم عمليات الخدمتين لمدة ثلاثة أشهر، تمّ تمديها ثلاثة أشهر إضافية حتى تاريخ 14 سبتمبر 2020م. 

وبصورة عامة، فقد صمم برنامج  البنك المركزي السعودي (ساما) لدعم المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة لهدف تأمين استمرارية تلك المؤسسات وسط ظروف الإغلاق وتراجع المداخيل والسيولة، على أن يستمر العمل به حتى تاريخ 14 مارس 2021 أي لمدة سنة كاملة مع إمكان تمديد العمل في إحدى تلك الإجراءات فترات إضافية إذا تطلبت الظروف ذلك.

لقد أمّن البنك المركزي السعودي (ساما) الإطار المالي اللازم لمواجهة التحدي الداهم للاقتصاد السعودي جرّاء أزمة الكورونا، وهو أمّن بصورة خاصة الموارد والسيولة اللازمة لمساعدة القطاع الخاص وخصوصاً المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة على الصمود، إلى أن تتوافر الظروف الملائمة لإعادة فتح الأسواق ومتابعة هذه المؤسسات بالتالي لنشاطاتها المعتادة.  

إستجابة في مستوى الأزمة

تميزت مبادرة البنك المركزي السعودي (ساما) السريعة بأنها شملت كافة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (والمتناهية الصغر) في مختلف أنحاء المملكة والتي يقدر عددها بنحو 550 ألف مؤسسة. وأول ما استفادت منه هذه المؤسسات هو تأجيل كافة الأقساط والاستحقاقات (بما في ذلك الأرباح المتحققة عليها) ما بين 14 مارس 2020 ومنتصف شهر سبتمبر 2020. وقد تمّ في ذلك التاريخ تمديد العمل بهذا البند حتى 14 ديسمبر 2020. 

ثلاث حزم خلاقة لمساعدة المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة

ينطبق إجراء التأجيل على المستحقات المترتبة لجهات التمويل كافة وسيتم تطبيق الإجراءات بإشراف البنك المركزي السعودي(ساما)، ما يعني أيضاً استمرار تفرغ جزء مهم من العاملين فيها خلال الأشهر المقبلة بجهود المتابعة والإدارة اليومية لبرنامج الدعم. وفي سياق تأمين التنفيذ السلس لعملية تأجيل المدفوعات، طلب البنك المركزي (ساما) من جهات التمويل كافة أن تبلّغ عملاءها المستفيدين بأي من وسائل التواصل المعتمدة عن إعادة جدولة الدين المستحق عليهم وتأجيل استحقاق الأقساط إلى المدد المقررة، على أن لا يتم تحميل العملاء أي تكاليف إضافية وأن يترك للعميل خيار عدم تأجيل دفع الأقساط إذا ارتأى ذلك، مع التأكيد على استخدام الوسائل الالكترونية لتنفيذ البرنامج بما يساعد على التكيف مع الأوضاع فترة حظر التجول (حينها) ويتناسب مع متطلبات التباعد الاجتماعي بعدها.

 وقد بلغ إجمالي عدد العقود المستفيدة من برنامج تأجيل الدفعات منذ إطلاقه في منتصف شهر مارس الماضي حتى الآن، أكثر من 87 ألف عقد تجاوزت قيمة دفعاتها 77 مليار ريال فيما بلغ عدد الكفالات الصادرة ضمن برنامج دعم رسوم ضمانات التمويل والمدعومة أجورها من قبل مؤسسة، نحو ثمانية آلاف كفالة بقيمة تمويل تصل إلى 17 مليار ريال وقيمة أجور قدرها 111 مليون ريال. وبلغ عدد العمليات المعفاة ضمن برنامج دعم رسوم عمليات نقاط البيع والتجارة الالكترونية 1.2 مليار عملية ووصل حجم الرسوم التي تحملتها المؤسسة إلى 1.3 مليون ريال.

دعم الاستمرارية والنمو

لم تقتصر مبادرة البنك المركزي السعودي (ساما) على مساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على معالجة أزمة السيولة القصيرة الأمد، إذ إنها اتسعت لتشمل تأمين استمرارية تلك المؤسسات على المدى الأطول، وبما يجعلها قادرة على الاستمرار في نشاطها والعودة بقوة عندما ينحسر الوباء ويعود الاقتصاد إلى حال أقرب إلى الحالة الطبيعية. من أجل ذلك، خصص برنامج التمويل المضمون الذي أطلقه البنك المركزي السعودي (ساما) بالتعاون مع برنامج كفالة مبلغ 13.2 مليار ريال (4.32 مليارات دولار) لتوفير قروض سهلة لتلك المؤسسات بواسطة جهات التمويل المختلفة وعلى رأسها المصارف، على أن يتم تنفيذ هذا الشق من المبادرة بإشراف من البنك، وحُددت مدة هذا البرنامج بسنة كاملة تبدأ في 14 مارس 2020م وإمكانية بدء السداد بعد ستة أشهر من تاريخ منح التمويل، حيث بلغ عدد العقود المبرمة ضمن البرنامج 3270 عقداً بقيمة إجمالية تجاوزت الثلاثة مليارات ريال.

أرفق البنك المركزي السعودي (ساما) برنامج التمويل المضمون ببرنامج دعم ضمانات التمويل وهو برنامج مكمل بقيمة ستة مليارات ريال يهدف إلى خفض تكلفة حصول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على القروض من خلال تغطية تكلفة إعفاء المستفيدين من رسوم الضمانات الصادرة عن برنامج كفالة خلال الفترة من 14مارس وحتى نهاية السنة المالية في آخر ديسمبر2020.

الاهتمام بالقطاع الخاص

في الوقت نفسه الذي كان فيه البنك المركزي السعودي (ساما) يوفر أسباب الدعم المختلفة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فإنه كان يوجه اهتماماً كبيراً مماثلاً لدعم القطاع الخاص السعودي بصورة أشمل، وذلك من خلال استخدام السياسات النقدية والإجراءات النوعية في هذا السبيل. وقد طلب البنك المركزي من البنوك اتخاذ جملة من الإجراءات النوعية التي تستهدف تخفيف الأعباء عن القطاعات الأكثر تأثراً بالأزمة، ومنها:

 - توفير رأس المال التشغيلي للمؤسسات العاملة في أكثر القطاعات تضرراً من الأزمة والاهتمام في الوقت نفسه بحاجة تلك المؤسسات إلى مدّها بالسيولة.

 - تشجيع مؤسسات القطاع الخاص على الاحتفاظ بالقوى العاملة لديها من خلال مدّها بقروض منخفضة التكلفة وبفترة سداد تبدأ بعد ستة أشهر من منح القرض. 

 - إعتماد قدر أكبر من المرونة في تحصيل القروض الاستهلاكية المقدمة لأشخاص فقدوا وظائفهم بسبب أزمة كوفيد-19 وتشمل تلك التدابير إعفاء العميل من تسديد القرض الاستهلاكي أو السكني لمدة تصل إلى ستة أشهر من دون تحميله أي نفقات إضافية.  

 - إعفاء عملاء البنوك لمدة تصل إلى ستة أشهر من أي رسوم أو عمولات ناتجة عن استخدامهم لخدمات المصارف الرقمية على الإنترنت.  

 - إعادة تقييم معدلات الفائدة على بطاقات الائتمان بما يحقق معدلات معتدلة للفوائد المحتسبة على أساس سنوي.

 - إعفاء العملاء من منشآت القطاع الخاص من شرط الاحتفاظ برصيد حد أدنى في حساب الودائع لمدة ستة أشهر. 

في أول يونيو 2020 أعلن البنك المركزي السعودي (ساما) تفعيل إحدى أدوات السياسة النقدية المتاحة لديها من خلال دعم سيولة القطاع المصرفي بمبلغ 50 مليار ريال سعودي، وذلك لتمكين القطاع من تلبية احتياجات القطاع الخاص بما فيه المنشآت الكبيرة وتعزيز متانة القطاع واستقراره، هذا بالإضافة إلى مساعدة البنوك على إعادة جدولة القروض المقدمة للقطاع الخاص أو إعادة هيكلتها من دون تحميل العملاء أي تكلفة تمويل إضافية. 

ثمار طيبة لاستراتيجية مبادرة

وقد حرص البنك المركزي السعودي (ساما) على أن تطال حزم الدعم كافة مستويات القطاع الخاص، وكذلك مؤسسات القطاع المصرفي والمالي التي تقع عليها مسؤوليات كبيرة في معاونة البنك المركزي وكافة الهيئات الحكومية المعنية في التصدي للوباء وآثاره وتمكين المجتمع السعودي من تجاوز آثاره بأقل الأثمان وفي أقصر مدة ممكنة. 

ومما لا شك فيه أن الاستراتيجية المطبقة من البنك المركزي السعودي (ساما) في هذا السياق أثبتت فعاليتها، وهي بدأت في إظهار نتائجها في عدد من مؤشرات الاقتصاد السعودي وأهمها توقعات النمو الإيجابية للعام المقبل 2021 والعام التالي كما إنه يظهر بوضوح في استمرار النمو في التسليفات المصرفية للقطاع الخاص وفي الاستقرار النسبي للعمالة في القطاع الخاص. ومن المتوقع أن تشهد المملكة مزيداً من التحسن في مختلف المؤشرات مع العودة التدريجية إلى وتائر الإنتاج والعمل وتوقع الوصول إلى الحد الأقصى من الحياة الاقتصادية الطبيعية في مطلع العام المقبل. 

استخدام السياسة النقدية لتعزيز سيولة المصارفوتحفيز  القطاع الخاص

كما حرص البنك المركزي السعودي (ساما) على تصميم سياسات الدعم للقطاعين المصرفي والمالي وتحويل هذه القطاعات إلى شريك فاعل في الخطة الوطنية التي تستهدف احتواء الآثار الاقتصادية لوباء الكورونا وتزويدها بالأدوات والحوافز للقيام بدورها على أفضل وجه، حيث حثّ البنك المركزي شركات ومؤسسات القطاع المالي على تقديم الدعم والمشاركة في المسؤولية خلال هذه الجائحة فكان التجاوب يعبر عن مساهمة حقيقية وفاعلة مع المجتمع وإحساس بحجم الأعباء والتكاليف التي على كاهل المنظمات الصحية جراء هذه الأزمة، ومن تلك المساهمات الآتي:

- بادرت البنوك وشركات التمويل بتأجيل أقساط ثلاثة أشهر لكافة العاملين في المجال الصحي الحكومي والخاص الذين لديهم تسهيلات ائتمانية (عقارية، استهلاكية، تمويل تأجيري) ابتداء من شهر ابريل تقديراً لجهودهم المضنية للمحافظة على صحة المواطن والمقيم، ومن دون تغيير في تكلفة التمويل. 

-بادرت شركات التأمين تقديم خدمة التطبيب عن بُعد باستخدام التطبيقات الإلكترونية وتمديد فترة صرف الأدوية للأمراض المزمنة حفاظاً على سلامة العملاء من ستة أشهر إلى تسعة أشهر، وتوفير أجهزة تنفس وغرف تحكم لمكافحة الجائحة، وتمديد وثائق تأمين المركبات من دون مقابل لمدة شهرين إضافيين.

- دعمت البنوك الصندوق المجتمعي لمكافحة جائحة كورونا بمبلغ 100 مليون ريال

كما بادرت البنوك الى دعم صندوق الوقف الصحي لمكافحة جائحة كورونا بمبالغ تجاوزت 160 مليون ريال.

- بادرت شركات التأمين الى دعم صندوق الوقف الصحي بمبلغ 67 مليون ريال.

- بادرت شركات التمويل الى دعم صندوق الوقف الصحي بأكثر من خمسة ملايين ريال.