السياحة السعودية
نفط لا ينضب

14.01.2020
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

في 27 سبتمبر الماضي أعلنت المملكة العربية السعودية أنها باتت سوقاً مفتوحة للسياحة الدولية، ومع بدء حملات الترويج الواسعة عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، إستفاق العالم مدهوشاً من حجم الثروة السياحية والأثرية والحضارية الضخمة التي تحتضنها المملكة.

السعودية أيضاً تستفيق على تلك الثروة التي تمّ فتحها بقرار تاريخي للسعوديين وللعالم على يد الأمير محمد بن سلمان، وهي ثروة ضخمة من حضارة وتاريخ الجزيرة العربية عموماً والسعودية تحديداً، والتي تعود إلى عصور سحيقة في القدم كما تظهر الآثار المكتشفة كل يوم.

السعودية تحتفل اليوم بإكتشاف «نفط» جديد هو السياحة حيث يتوقع أن ترتفع مساهمة دخل السياحة في الناتج المحلي من 3 في المئة حالياً إلى نحو10 في المئة في العام 2030. ولإعطاء فكرة عن أهمية هذه النسبة نذكر أن صندوق النقد الدولي يتوقع أن يصل الناتج المحلي السعودي إلى نحو 890 مليار دولار في حلول 2023، وبتقدير محافظ فإن هذا الناتج قد يتجاوز التريليون دولار في العام 2030 وهو الأفق الزمني لتنفيذ رؤية 2030، وهذا يعني أن السياحة ستحقق للمملكة نحو 100 مليار دولار في العام وهو مبلغ سيجعل منها المصدر الثاني للدخل بعد النفط وربما قبل الدخل من الاستثمارات، وهذا «النفط الآخر» غير الناضب سيلعب دوراً أساسياً في تنويع الاقتصاد السعودي وفي زيادة عمقه بسبب ما سيقوم به وحوله من نشاطات استثمارية في مختلف المجالات الخدمية والصناعية والتجارية. وتوقعت السلطات السعودية أن يساهم تطور قطاع السياحة بإستقطاب المليارات من الاستثمارات السعودية والخليجية والدولية إلى الاقتصاد السعودي، وتوفير نحو مليون فرصة عمل قسم كبير منها سيذهب الى الشباب السعوديين. إضافة إلى ذلك، سيساهم ازدهار وتطور القطاع أيضاً بتصحيح الميزان السياحي السعودي عبر حفز نسبة أكبر من السعوديين على إنفاق المزيد على السياحة الداخلية، وبالتالي توفير نسبة كبيرة من الأموال التي ينفقونها في المقاصد السياحية الخارجية والتي قدرت في العام 2018 بنحو 21 مليار دولار.  

لكن المكاسب المباشرة المتمثلة بالعائد من السياحة وفرص العمل الجديدة، ليست الوحيدة التي ستجنيها السعودية من فتح أبوابها للسياحة الدولية.

العائد السياسي

إن أحد أهم المكاسب التي تجنيها السعودية من الانفتاح السياحي والاجتماعي الذي تبنته كإستراتيجية تحول شاملة، هو ولا شك العائد السياسي المتمثل بالصورة المتقدمة والحديثة التي ستقدمها المملكة عن نفسها في العالم، وهي صورة تمحو وتكذب على طول الخط الإعلام السلبي الغربي الذي بمناسبة أو من دون مناسبة لا يتعب من تقديم صورة مشوّهة وغير صادقة عن المملكة وعن مجتمعها، والتطور السياحي لا بدّ وأن يسير جنباً إلى جنب مع الانفتاح الاجتماعي والثقافي والذي يتمثل الآن ليس فقط في أكبر موجة من استثمار مئات المليارات في المدن السياحية والترفيهية، بل يتمثل أيضاً في عشرات بل مئات الاحداث الثقافية والفنية والرياضية العالمية التي باتت تنظم في مدن المملكة ومناطقها وتستضيف إلى جانب المشاهير في هذه القطاعات ألوف السياح الذين يأتون من أنحاء العالم لحضورها، وهذه الحركة الشاملة بدأت تجتذب الإعلام الغربي والقنوات الفضائية وأصبحت تتصدر بين الحين والآخر الأخبار أو التحقيقات الإعلامية، وهي فرضت فرضاً على الإعلام الغربي المنحاز بمجمله أن يأخذ علماً بما يجري وأن ينقله بالتالي إلى ملايين المشاهدين حول العالم. 

 

فيزا إلكترونية لسنة و سفرات عدة لـ 49 دولة ودخل السياحة 100 مليار دولار عام 2030

إن هناك الآن «سعودية جديدة» لم يعرفها الناس والرأي العام من قبل، وهذه السعودية الجديدة أصبحت حاضرة في العالم كدولة متقدمة وكمجتمع يجمع بين أصالته وتقاليده وثقافته التاريخية وبين الانفتاح واستقبال التنوع وعدم الخوف من مجاراة العصر وإنجازاته الإنسانية. 

العائد الاجتماعي

هناك ثانياً العائد الاجتماعي الذي يتمثل بالآثار الكبيرة التي سيتركها التطور السياحي على نوعية حياة المواطن السعودي، وعلى اتساع أفق المجتمع وتعزيز بيئة التسامح والتفاعل الحضاري، فالسياحة تتطلب كشرط مسبق تطوير بيئة منفتحة ملائمة في المجتمع ككل كما تتطلب تنمية سلوك متفهم ومتسامح تجاه اختلاف الثقافات بل والمعتقدات مع الحرص على إلتزام التقاليد والقيم التي توجه المجتمع السعودي وتعطيه هويته وشخصيته، فالسياحة محرك مهم للتقدم في المجتمعات المعاصرة ومن أجل تأهيل المجتمع السعودي لتبني الصناعة السياحية بمختلف قطاعاتها، فقد كان على المجتمع السعودي إدخال سياسات انفتاح غير مسبوقة تضمنت السماح للمرأة بقيادة السيارة والسماح بسفرها إلى الخارج، كما كان عليها إعادة فتح صالات السينما وإحياء تراث الحفلات الموسيقية والغنائية ووضع حدّ للفصل بين الجنسين في الأماكن العامة، هذا التوجه الانفتاحي وضعت القيادة السعودية له عنواناً عريضاً هو الرفاه أو الرخاء الاجتماعي وهو مفهوم قريب من مفهوم السعادة كحق من حقوق المواطن ويتطلب توجيه استثمارات ضخمة لقطاعات الرياضة والثقافة والفنون والمكتبات ومراكز الترفيه العائلي.

تحدي المئة مليون 

يمثل الهدف السعودي في الوصول إلى 100 مليون زائر (بمن فيهم الزوار السعوديون للمناطق السياحية والترفيهية) تحدياً كبيراً لأنه يتطلب أولاً تنمية قطاع السياحة الداخلية بصورة غير مسبوقة، كما إنه يتضمن رفع عدد الزوار الأجانب لأغراض الحج والعمرة إلى نحو 30 مليون شخص، إلا أن إحداث قفزات كبيرة في عدد السياح الأجانب الذين يزورون المملكة لأغراض السياحة والترفيه، يعتبر التحدي الأهم لأنه يتطلب تطبيق أكبر خطة لتسويق السياحة السعودية في العالم، وتعترف الهيئات المسؤولة عن قطاع السياحة السعودي بأن تحقيق أهداف الرؤية في المجال السياحي يتطلب استثمارات هائلة في تطوير وتوسيع البنى التحتية للقطاع السياحي مثل طاقة المطارات الاستيعابية وطاقة الفنادق وقطاع الضيافة السعودي والمهارات الوطنية وشركات الخدمات العديدة المرتبطة بالقطاع مثل قطاعات النقل العام والخاص والتاكسي وتأجير السيارات وشركات تنظيم الرحلات وخدمات التسوق وغيرها، وبينما تعتمد المملكة على صندوق الاستثمارات العامة في توفير التمويل الأولي والقيادة المالية للشركات والمشاريع الكبرى التي يستند إليها القطاع، فإنها تراهن في الوقت نفسه على استقطاب المئات من الشركات الدولية للاستثمار في الشركات الكبرى، وكذلك في مختلف القطاعات والخدمات المندرجة ضمن الصناعة السياحية. 

الرئيس التنفيذي لمشروع القدّيِّة مايك ريننغر عمل في مواقع قيادية في ديزني لاند قبل انتقاله لتسلّم مسؤوليات المشروع السعودي.

نظام الفيزا الإلكترونية 

يعتبر إدخال نظام الفيزا الإلكترونية تطوراً كبيراً بالنسبة الى المملكة العربية السعودية لأنه يعفي السائح من إجراء أي مقابلات أو زيارة السفارة السعودية في بلده ولا يتطلب منه إلا تعبئة طلب والإجابة على الأسئلة وبعدها يمكنه الحصول على الفيزا في غضون 24 ساعة، كما يمكن لمواطني الدول المقبولة الحصول على الفيزا على المطار لدى وصولهم إلى السعودية ويمكن لأي رجل تجاوز الـ 18 عاماً أو امرأة بلغت الـ 25 عاماً طلب الحصول على فيزا سياحية إلكترونية، وتمنح الفيزا لسنة كاملة و لسفرات عدة وتسمح للسائح بالإقامة حتى 90 يوماً في المملكة. 

وضعت المملكة لائحة بـ 49 دولة يمكن لمواطنيها الحصول على فيزا وتضم اللائحة كافة دول أوروبا الغربية والشمالية، بإستثناء كوسوفو وألبانيا ولا تضم اللائحة تركيا ولا تشمل أياً من دول أميركا الجنوبية أو الكاريبي، وهي مقتصرة في الأميركيتين على الولايات المتحدة وكندا، أما في آسيا فتشمل الدول المقبولة كلاً من الصين وهونغ كونغ واليابان وبروناي وكازاخستان وماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية، وتشمل اللائحة في أوقيانوسيا كلاً من أستراليا ونيوزيلندا. 

قانون سلوك صارم

 

وضعت المملكة انفتاحها السياحي في إطار واضح وهو مساعدة السائحين من أنحاء العالم على التمتع بتجربة ترفيهية متكاملة، لكن على أن يتم ذلك في إطار حضاري لا يتناقض مع مشاعر المجتمع السعودي وقيمه، علماً أن هناك قواعد للسلوك في الأماكن العامة مقرّة في أكثر دول العالم. ويتضمن موقع السياحة السعودية إرشادات محددة للسائحين نساء ورجالاً تنصح بإرتداء لباس مريح ولكن محتشم، ما يعني مثلاً أن على المرأة أن تغطي منكبيها وركبتيها، لكن عدا ذلك يمكن للسائحات ارتداء الثياب الملونة وعدم ارتداء العباءة وبل يمكنهن ارتداء السروال (البنطلون) أو الجينز، وتحظر التعليمات استخدام شعارات أو صور فاحشة أو عنصرية على القمصان أو رفع صوت الموسيقى في الأماكن أو الشتائم أو السلوك غير المحتشم بين الجنسين أو الجنس الواحد، كما ينبّه الموقع إلى عدم جلب المشروبات الروحية أو المخدرات، وينصح السائحين بإحترام مشاعر العامة خلال شهر رمضان وخلال أوقات الصلاة. ونشر الموقع الخاص بترويج السياحة السعودية لائحة من 19 مخالفة لآداب السلوك في الأماكن العامة ووضع لكل منها غرامات باهظة أحياناً مع إمكان مضاعفة الغرامة عشر مرات في حال التكرار، لكن الأمر اللافت هو التأكيد في قانون السلوك على أن الأجنبي (أو السعودي) لن يلاحق بعمل لم يشر إليه في قانون السلوك، وأن السلطة الوحيدة المخولة بالتعامل مع أي مخالفة هي قوى حفظ النظام الحكومية (أي البوليس) وليس أي جهة أخرى، كما كان يحصل في السابق.