إلى أوستراليا الوطن الثاني لكثير من اللبنانيين، طار وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل على رأس وفد دبلوماسي وإعلامي وشخصيات اقتصادية ومصرفية. المناسبة – الحدث: انعقاد مؤتمر الطاقة الاغترابية اللبنانية في سيدني في التاسع والعاشر من شهر آذار 2018. أما الهدف فتعزيز وتقوية الروابط والعلاقات بين لبنان المقيم ولبنان الانتشار بعد ان تحوّل هذا المؤتمر بموعده الدوري منصة للتلاقي وباباً لمبادرات التعاون المتنوعة. أكثر من 22 ساعة استغرقت الرحلة إلى سيدني إنطلاقاً من بيروت التي كانت تغلي على نار التحضير للانتخابات النيابية وضجيج معاركها ومعمعة التحالفات التي فرضتها تعقيدات القانون الانتخابي الجديد الذي يبدو عصياً على فهم الكثير من اللبنانيين.من مختلف المناطق الأوسترالية أتوا. طاقات، أدمغة وعلامات فارقة شاركت في مؤتمر جمع نحو ألف من رواد الأعمال والأسماء اللامعة في أوستراليا التي تحتضن أكثر من 250 ألف لبناني، شكّلوا على مدى يومين «الحدث» في سيدني وانطبق عليهم قول الوزير باسيل: «إن القصة تبدأ معكم ولا قصة من دونكم».
... وكثيرة هي قصص وحكايات النجاح التي كتبها لبنانيون حافظوا على الأصالة الوطنية وتشبثوا بأرض الجذور، فجعلوا من أوستراليا الأبعد جغرافياً عن لبنان، البلد الأقرب إليه.
إلى خلية نحل تحول مؤتمر الطاقة الاغترابية الذي انعقد في «دلتون هاوس» حيث شهدت أروقته «زحمة» اجتماعات ولقاءات وحضوراً مميزاً للبنانيين برعوا في مجالاتهم في بلاد الاغتراب وسطّروا قصص نجاح لم تنسهم جذورهم. إنهم لبنانيو أوستراليا الذين حضروا، مع إيمانهم وعشقهم للوطن الأم، إلى مؤتمر هدفه تعزيز الإرث اللبناني عبر نشر الثقافة والتقاليد اللبنانية في العالم من جهة، وتوفير فرص جديدة للبنانيين المقيمين والمغتربين من جهة ثانية، كي يعملوا يداً بيد لاستعادة صورة لبنان وثقة العالم به وبإقتصاده. وهكذا شكّل مؤتمر الطاقة الاغترابية في سيدني مساحة حيث دار البحث والنقاش حول سبل تبادل الخبرات وفرص الاستثمار بين لبنان وأوستراليا وتعزيز العلاقات التجارية بين البلدين والتبادل في مجال التربية والتعليم والرعاية الصحية فضلاً عن الإرث الثقافي والروابط الاجتماعية بين بلادالأرز وأوقيانيا.
باسيل: «اللبنانية» إنتماء
وزير الخارجية جبران باسيل الذي قدّر ذلك المهاجر الأول من بلدة بشري الذي وصل إلى شواطئ «أدلايد» الأوسترالية العام 1945 مستغرقاً برحلته مئة يوم، حاول أن يتصور المدة الزمنية لرحلة أجدادنا الفينيقيين قبل 6 آلاف سنة «إذا ما حسم الجدل القائم حول أن ما ظهر مؤخراً من آثار في كوينزلاند يعود لمرفأ تجاري فينيقي!».
وسأل باسيل: «كيف يمكن لإنسان منذ مئات السنين تمكّن من أن يعبر البحار وهو يترك نصف قلبه هناك في وطنه ويحمل معه نصفه الآخر إلى هنا في الغربة، في زوادته الكثير من دموع الفراق والحنين، وفي ذاكرته الكثير من ضيق الحرية والفرص، كيف يمكن لهذا الإنسان أن يضيف إلى جعبته الكثير من الإيمان والأمل والرجاء ليتغلب بهم على الألم ويصل إلى التفوق لو لم يكن عظيماً؟».
وبنبرة مؤثرة قال لأبناء الجالية: إنكم الأصل والفصل، ولا يمكن لأحد أن ينزع عنا أصلنا بنزع جنسية أو تغيير هوية، بتجنيس أو توطين، بنازحين، أو لاجئين...». وركّز وزير الخارجية على «اللبنانية أو Lebanity كمفهوم جيد للإنتماء والسبيل الوحيد إلى الوطن وقال: «لا الطائفة حصناً ولا الحزب ركناً ولا الملة ملجأ ولا المذهب انتماء» معتبراً أن لا خلاص لنا من دون لبنان ومن دون الدولة فيه. وأشاد بالنموذج اللبناني للعيش متساوين متعادلين مسيحيين ومسلمين، «النموذج الفريد الذي لم تفلح في إرسائه الديمقراطيات ولم تقوَ عليه إمبراطوريات ولا فتوحات ولا سلطنات ولا انتدابات ولا احتلالات ولا وصايات... هو نموذج ينبغي الحفاظ عليه لا بل يستوجب تطويره ليحاكي الأجيال المقبلة كي لا تنتهي على أبواب السفارات الأجنبية التي تبادلنا تأشيرات الهروب من واقعنا ببطاقات النزوح إلى أرضنا».وإذ أثنى باسيل على اهتمام لبنانيي أوستراليا بحصول أولادهم على الجنسية اللبنانية وهو ما تظهره أرقام التسجيل في المعاملات القنصلية، وبشغفهم بالشأن العام والرغبة بالتأثير فيه وهو ما يثبته إنتماؤهم إلى العديد من الأحزاب اللبنانية ويترجم ذلك احتلال أوستراليا مركز الدولة الأولى في الانتشار التي تسجل فيها أكبر عدد من اللبنانيين للاقتراع في الانتخابات المقبلة، دعا باسيل إلى «المشاركة في صنع القرار السياسي في لبنان كي «تكونوا جزءاً من التمثيل لشرائح المجتمع ولكي يكون لكم نائب يمثل هذه القارة في الدورة المقبلة مع الإصرار على زيادته لاحقاً».
لم ينف الوزير باسيل بعض الإخفاقات التي اعترف بها أمام الجالية اللبنانية في أوستراليا لكنه ذكّر بالنجاحات في معظم الأحيان والأماكن وكان آخرها منح المغتربين جواز سفر ليصوتوا به، يصل إلى عنوانهم بكلفة ألف ليرة لبنانية فقط لا غير.
ولم ينس وزير الخارجية التشديد عليهم للتصويت وبكثافة إذ لم يعد من حجة لهم لعدم المشاركة والتغيير على حدّ تعبيره.. فدعا من تسجّل في الاغتراب إلى المراكز الـ 14 التي تم تحديدها في أوستراليا، أما من لم يتسجل فإلى لبنان لممارسة السياحة الانتخابية في 6 ايار والمشاركة في مؤتمر الطاقة الاغترابية المركزي في 10 و11 و12 أيار.
دبلوماسية اقتصادية
ووعد باسيل بتطوير الدبلوماسية الاقتصادية الاغترابية لربط نجاحات اللبنانيين وطاقاتهم مع بعضهم بعضاً أينما وجدوا في الداخل والخارج، كي نخلق لهم ليس فرصاً للاستثمار فحسب بل الحوافز الإدارية والضريبية والقانونية».
وكشف عن تكليف مدير للشؤون الاقتصادية مؤخراً يمكن الاعتماد عليه للتحسين مع السعي ليعاونه ملحقون اقتصاديون في 16 بلداً في العالم لم يعيّنوا منذ عقود. وجدد الوزير التأكيد على العمل على مشاريع مثل Lebanon Connect (تواصل مع لبنان)، Buy Lebanese (اشتري لبناني)، Invest to stay (استثمر لنبقى)، Lebanese diaspora fund LDF (صندوق الاغتراب اللبناني)، واتحاد الغرف العالمي.. وهذا ما يمكن أن يبرع ويتميز به لبنانيو أوستراليا بحسب الوزير باسيل الذي كشف أيضاً أنه تم تجهيز مشروع حول المجلس الوطني للاغتراب لتقديمه كمشروع قانون إلى الحكومة اللبنانية وهو مشروع فيه الهيئة التنفيذية المنتخبة والممثلة للمنتشرين وهي غير خاضعة للهيئة التوجيهية الاستشارية المؤلفة من رئيسي الجمهورية والحكومة والوزراء والمدراء المختصين، وذلك لإعطاء الانتشار الأهمية الوطنية القصوى وحريته كاملة ليفيد من طاقاته وليس لوضع اليد عليه.
وبكلام واضح ختم باسيل: «الانتشار أكبر من مؤسسة أو إدارة وهو أكبر منا جميعاً ولا يمكن وضع الوصاية عليه... لا للوصاية على الانتشار ولا عودة إلى عهد الوصاية، بل لعهد يكون فيه الانتشار وصياً على نفسه بقراره الاغترابي والسياسي الحر، ووصياً على طاقات لبنان المنتشرة والمتميزة بنجاحات والمتعطشة لمؤتمرات ونشاطات ومشاريع».
حضور لبناني مميز
سفير لبنان في سيدني ميلاد رعد الذي بدا مرتاحاً لنسبة المشاركة في المؤتمر وفخوراً بالحضور اللبناني النوعي والمميز، اعتبر أن ُبعد المسافة الجغرافية بين لبنان وأوستراليا لم تؤثر على تعلق اللبنانيين المغتربين بوطنهم الأم ولا على حرصهم على مصلحة بلدهم.. فهم برأيه قريبون بقلوبهم وضمائرهم للبنان وأهلهم هناك بدليل نسبة التسجيل المرتفعة للانتخابات النيابية المقبلة والتي بلغت (11) ألف من أصل 92 ألف لبناني تسجلوا حول العالم.
كل منا سفير
بدوره، تحدث رئيس مجلس إدارة بنك بيروت سليم صفير عن مزايا الجالية اللبنانية في أوستراليا المتميزة بعاطفتها الخاصة تجاه لبنان وبأصالتها، ما يجعل أوستراليا قريبة جداً للبنان رغم بُعد المسافة الجغرافية وقال: «نشعر أن كلاً منا هو سفير للبنان ولذلك بقي هذا البلد على الخارطة وصمد في وجه كل العواصف، لأن اللبنانيين في الوطن والانتشار حريصون على تلبية النداء حتى ينادي الوطن». وأضاف صفير أن «لبنان أكبر من حدوده الجغرافية لأن أبناءه الذين هاجروا منذ مئات السنين لم ينسوا بلدهم ولا أهلهم وبقيت جذورهم مفروسة بتراب الوطن».
لا لنقل السلبيات
إذا كان صحيحاً أن وهج معارك الانتخابات النيابية والتجاذبات السياسية والطائفية انعكس على المؤتمر غياباً لبعض الأحزاب المسيحية مثل الكتائب والمردة، والشيعية كحركة أمل، إلا أن بعض المشاركين ومنهم رئيس المجلس التجاري الأوسترالي العربي
د. حسن موسى رفض ما يحصل في لبنان من تجاذبات ومشاحنات طائفية داعياً إلى تجاوز هذه الأمور وعدم نقل هذه السلبيات إلى الاغتراب. ورأى في دردشة مع «الاقتصاد والأعمال» «أن الهدف من هذا المؤتمر إيجاد وسائل التواصل بين لبنان وأوستراليا وعلينا أن نكون مصدر ثقة ومنبعاً للإيجابية لا للسلبية، وأن نعمل معاً وبإنفتاح لإيصال صورة أفضل عن لبنان».
وأسف موسى أن الطاقات اللبنانية العظيمة لا تعمل على مستوى جماعي بل تبقى فردية، وأمل من مؤتمر الطاقة الاغترابية في سيدني والذي هو بداية طريق ليس أكثر، أن يستتبع بخطوات ومقترحات وبرنامج عمل للمستقبل كي لا تنتهي الأمور عند هذا الحد. وإذ رأى أن دور لبنانيي أوستراليا يجب أن يكون في أساس بناء العلاقات ليس فقط بين لبنان وأوستراليا بل بين أوستراليا والعالم العربي، جدّد التحذير من ضياع البوصلة والانحراف وراء المشاحنات السياسية والمذهبية الداخلية ونقلها إلى أوستراليا وختم: «نحن هربنا أصلاً من لبنان بسبب هذه الأمراض الطائفية والمذهبية، ولا نريدها أن تلحق بنا إلى بلاد الاغتراب»