تيمور جنبلاط
ومأسسة الحزب

30.06.2023
وليد وتيمور جنبلاط
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

خلال إحياء الذكرى الأربعين لاغتيال الشهيد كمال جنبلاط في 19 اذار 2017 ، ألبس وليد جنبلاط نجله تيمور كوفية فلسطين العربية، إيذاناً بانتقال الزعامة الجنبلاطية اليه، محتفظاً في الوقت نفسه برئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي، أمس كرس الحزب تيمور زعيماً شاباً له في استحقاق انتخابي حزبي أراده الأب الوليد ان يزاوج بين الإجراء الديموقراطي والإنتقال الوراثي في احدى أعرق العائلات السياسية وأكثرها رسوخاً في جبل لبنان وطائفة الموحدين الدروز وصاحبة النفوذ الشعبي والسياسي الممتد على ارجاء الخريطة اللبنانية  وخارجها.

في السنوات السبع الفاصلة بين الانتقال الأول والانتقال الثاني، كان وليد جنبلاط  يعمل على إزالة المعوقات من درب الزعيم الجديد للمختارة، وهو ابن الزمن المختلف والمقاربات المختلفة.  وكان الزعيم الجديد يختبر بجدية الحياة السياسية ويكتسب الخبرة في التعامل مع القضايا الشائكة في بلد تشبه مسالكه ودروبه السياسية التضاريس المعقدة للجغرافيا اللبنانية.  وجاء الانتقال سلساً وسط طابع اجماعي يسلم بالزعامة التاريخية الجنبلاطية.  ويسجل فيه لوليد جنبلاط انه  أول زعيم سياسي لبناني ينقل الزعامة الى نجله  من خارج لعنة الاغتيال او لعبة القدر التي خبرها الوليد نفسه عندما البس عباءة والده الشهيد المعلم الملطخة بدماء اغتياله عام 1977.

وكما انتقلت آنذاك كفة القيادة من كمال الى وليد في ظروف معقدة، وسار بها كمن يمشي في حقول من الألغام ونجح بتخطيها بحنكة عالية، تنتقل دفة القيادة الى تيمور في ظروف اشد تعقيداً حيث بات لبنان على مفترق خطير بين ما كان يمثله ماضي هذا البلد الصغير من دور كبير يتخطى خريطته، الى مستقبل مجهول المعالم وسط تخبط الازمات المتعددة الأوجه،  وانهيار الدولة وهياكلها من دون وجود أي افق قريب لحل ممكن، ما يفرض على الزعيم الشاب تحديات أكبر من اجل الاستمرار والتأقلم مع الظروف المستجدة والتغيرات العميقة الحاصلة ليس فقط في لبنان بل وفي الإقليم برمته. 

ابرز هذه التحديات هي النقمة الشعبية والشبابية العارمة على الطبقة السياسية برمتها وكل ما يمت بصلة بها بعد ما حل باللبنانيين من نكبات مالية ومعيشية واقتصادية جراء الفساد المستشري والسياسات الخاطئة والإمعان بالنكران وتجاهل آلام الناس.  ولعل اكثر ما يعني الزعيم الشاب هم الشباب انفسهم الذين بلوروا رفضهم للواقع المعاش بانتفاضة صارخة خمدت في الشارع لكنها لم تخمد بعد في النفوس الغاضبة .

هذا الجيل الذي تعمقت الهوة بينه وبين الرعيل السياسي الذي تحكم بالناس ومصائرهم واوصلهم الى ما وصلوا اليه ، وبات رافضاً لكل الاشكال التقليدية والمناورات السياسية ، لم يعد يكفي الاستماع الى شكواه وإغراقه بالوعود التي لاتتحقق، ولم تعد  التسويات الملتوية والمحاصصات المصلحية ولا التحالفات الفوقية تنفع في اقناع الشباب بل تزيد غربتهم وابتعادهم ويأسهم، بات المطلوب نظرة اشمل في العمق الى همومهم ومشكلاتهم واجتراح الحلول الواقعية لها، بات المطلوب البحث عن الأسباب الحقيقة التي أوصلت البلد الى ما وصل اليها والابتعاد عن الترقيع بالحلول الآنية والمؤقتة.

 أزمة البلد وشبابه لايمكن إلا ان ينظر اليها إلا كأنعكاس لأزمة نظام مهترىء سقط مع تقادم الزمن وصار ولادة للمشكلات ولم تعد تنفع معه المسكنات. وصار من الضروري إعادة الإعتبار للدولة والسياسة بإعتماد لغة العصر والتحديث، وبناء المؤسسات بما فيها المؤسسات الحزبية عبر مأسسة الحزب وتحويله إطاراً وطنياً جامعاً، ومن شأن المأسسة ان تجعل المنتسب  والمتابع والمؤيد يشعر انه ينتمي الى كيان منظم ومشروع وطني وبرنامج لا الى فرد يتخلى عنه وعن نضاله والمبادىْ عند اول مفترق، وخوض المعارك السياسية والاستحقاقات على أساس البرامج العلمية والسياسية الحديثة لا على الولاءات والمحسوبيات، وإقامة التحالفات على أساس المبادئ لا المصالح الشخصية.

كل التسريبات عن نشاطات الرئيس الجديد للحزب التقدمي الاشتراكي وما يصدر عنه من أفكار توحي ان الزعيم الشاب لا يحبذ المهادنة في معركة من أجل أحداث التغيير وإعطاء المد الشبابي الحدثواي حقه في الحزب، مع تشديده على أهمية الحوار وروح المصالحة والإبتعاد عن الاقتتال من دون ان  ينسى ان لبنان عربي وقضيته هي فلسطين. طريقه طويل وصعب لكن اذا نجح في رسم نموذج جديد قادر على إقناع الشباب من حوله، يصير المستحيل ممكنناً.