
نظّمت الغرفة التجارية العربية الفرنسية النسخة السادسة من القمة الاقتصادية الفرنسية–العربية يومي العاشر والحادي عشر من كانون الأول/ديسمبر في باريس، بمشاركة واسعة وحضور لافت لشخصيات سياسية واقتصادية بارزة.
افتُتحت القمة بكلمة ترحيبية كان من المقرر أن يلقيها الرئيس السابق للغرفة التجارية العربية الفرنسية، فينساه رينيه، إلا أن وعكة صحية حالت دون مشاركته، فمثّله في الحضور، راؤول ديلامار، الرئيس الجديد للغرفة التجارية العربية الفرنسية، الذي تسلّم مهامه عقب تصويت مجلس الإدارة بتاريخ 10 كانون الأول /ديسمبر.
المياه في صدارة الأولويات
احتلّ ملفّ المياه صدارة النقاشات، في ظلّ مشاركة أبرز الشركات الفرنسية الرائدة في هذا القطاع، وفي مقدّمها فيوليا (Veolia)، إلى جانب شركتَيEMEA وNGE/Sade كما ركّزت مداخلات الجهات العربية بشكل أساسي على موضوع المياه.
ويُذكر أنّ المنطقة العربية تُعدّ من أهمّ الأسواق العالمية للشركات الفرنسية العاملة في قطاع المياه، ولا سيما في مجالات تحلية مياه البحر، ومعالجة مياه الصرف الصحي، وترشيد استهلاك المياه عبر صيانة وتحديث شبكات التوزيع. كما جرى التأكيد على أهمية التوجّه نحو الزراعة الرقمية، التي تُمكّن من تحقيق النتائج نفسها باستخدام ما لا يتجاوز 1 في المئة فقط من كميات المياه.
وتجدر الإشارة إلى أنّ المنطقة العربية تُعدّ من أكثر مناطق العالم تأثرًا بنقص المياه، إذ ترتفع درجات الحرارة فيها بنسبة تقارب 50 في المئة أكثر من المعدلات المسجّلة في مناطق أخرى، ما يفاقم الضغط على الموارد المائية.
المغرب وقضية الأمن المائي
وتحدّثت سفيرة المملكة المغربية لدى فرنسا، سميرة سيتاي، التي كان لها دور أساسي في دفع الغرفة إلى تنظيم هذه القمة وتسليط الضوء على قضية المياه. ويُذكر أنّ المغرب استضاف قبل أسابيع المؤتمر العالمي الأول للمياه، في تأكيد على المكانة التي بات يحتلها هذا الملف على أجندته الوطنية والدولية.
وقد جاءت هذه القمة في أعقاب سبع سنوات عجاف، ما دفع المملكة إلى تكثيف استثماراتها بشكل واسع في قطاع المياه، حيث يجري تنفيذ أكثر من 300 مشروع، ولا سيما في الغرب.
لبنان: ثروة مائية… وأزمة إدارة
وشهدت القمة حضورًا لبنانيًا مميزًا، تمثّل بمشاركة وزيرة البيئة تمارا الزين، ووزير الطاقة والمياه جو صدي، والوزير السابق والمستشار الحالي لدى رئاسة الجمهورية علي حمية، إلى جانب سفير لبنان في فرنسا ربيع الشاعر.
وجاءت كلمة الوزيرة الزين مركّزة على نقطتين أساسيتين في ملف المياه، معتبرةً أنّه قضية سياسية وحوكمة بامتياز، ومشيرةً إلى أنّ لبنان، على الرغم من كونه "حصنًا مائيًا"، يعاني اليوم أزمة جفاف حادّة. كما شدّدت على ضرورة فصل وزارة المياه عن وزارة الطاقة
وأوضحت أنّ القطاع الزراعي يستهلك أكثر من 60 في المئة من الموارد المائية، عبر الآبار المنتشرة على الأراضي اللبنانية، والتي يُقدَّر عددها بنحو 80 ألف بئر، منها 60 ألفًا غير مرخّصة. كما أشارت إلى أنّ معدّل هطول الأمطار في لبنان يتجاوز 2.2 مليار متر مكعّب سنويًا، يذهب أكثر من ثلثه إلى البحر، فيما يتوزّع الباقي بين الجريان السطحي في الأنهار وتغذية المخزون الجوفي.
وكان لرئيس شركة فيوليا ردٌّ واضح وصريح، إذ أكّد أنّ العمل في لبنان يستدعي تنظيم القوانين الناظمة لعمل المستثمرين، إلى جانب توافر جهاز قضائي مستقل، وأن يكون لبنان دولة قانون. وتدخّل رئيس غرفة الصناعة والتجارة في مرسيليا، جان لوك شوفان، مؤكدًا أنّ الأموال وحدها لا تكفي لإنجاز المشاريع، بل لا بدّ من حوكمة سليمة وفعّالة للموارد المالية.
الحضور السوري وتحديات البنية التحتية
وممّا ميّز هذه القمة الحضور السوري، حيث رحّب الرئيس الجديد للغرفة التجارية العربية الفرنسية بعودة سوريا إلى المجتمع الدولي. وأشارت ممثّلة سوريا في القمة إلى الأضرار الكبيرة التي لحقت بشبكات معالجة وتوزيع المياه، إضافة إلى النقص الحاد في قطع الغيار، وما فاقم الوضع أكثر هو الانقطاع المتكرّر للتيار الكهربائي. كما أضافت المسؤولة السورية أنّ سوء إدارة الموارد المائية يشكّل عاملًا أساسيًا في تفاقم الأزمة، لافتةً إلى أنّ معدّل استهلاك الفرد السوري من المياه لا يتجاوز 20 ليترًا يوميًا، مقارنةً بنحو 150 ليترًا يوميًا في فرنسا.
حلول لمواجهة أزمات المياه
إنّ مشكلة النقص في المياه لم تعد تقتصر على البلدان العربية، إذ شهدت فرنسا خلال الأعوام الماضية إنذارات مقلقة تمثّلت في تراجع مخزون المياه وحدوث حالات جفاف في عدد من المناطق. وفي هذا السياق، أشار رئيس شركة فيوليا إلى أنّ مستوى تدفّق المياه في نهر الغارون (Garonne) انخفض إلى ثلث مستواه مقارنة بما كان عليه قبل عدة أعوام.
وفي الإطار نفسه، طرح أنطوان فريرو، رئيس شركة فيوليا، أنّ معالجة أزمات المياه تقتضي:
١- تحديث شبكات المياه
٢- استعمال الذكاء الاصطناعي
٣- تحلية مياه البحار
٤- تكرير المياه المستعملة، باعتبار أنّ الماء مورد عالي القيمة لا يجوز استخدامه لمرة واحدة فقط. كما يمكن إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في الريّ الزراعي، وهو ما تطبّقه بالفعل دول مثل الأردن والمغرب.
الأردن: شحّ مائي وحلول مستدامة
من جهتها، قالت سفيرة الأردن في باريس، لينا الحديد، إنّ الأردن يُعدّ ثاني أفقر بلد في العالم من حيث الموارد المائية. ومن أبرز الخصائص التي تميّز وضعه المائي أنّ جميع أنهاره تنبع من خارج الأراضي الأردنية.
وأشارت إلى أنّ الأزمات السياسية المحيطة بالأردن ساهمت في تفاقم مشكلة المياه، بدءًا من الحرب العراقية–الإيرانية، مرورًا بـ حربي الخليج عامي 1991 و2003، ثم الحرب الأهلية في سوريا (2011–2024)، وصولًا إلى مأساة غزة. كل هذه المآسي زادت من حدة الأزمة الأردنية في قطاع المياه.
وذكرت السفيرة وجود شركة فيوليا في الأردن من خلال مشاريع إعادة تكرير مياه الصرف الصحي، إلى جانب شركة سويز (Suez) في محطة السمرا. كما أشارت إلى أنّ الأردن شيّد قنوات لتحلية مياه البحر تمتدّ من خليج العقبة إلى عمّان بطول يقارب 450 كيلومترًا. وتُسهم هذه المحطة الأخيرة في تأمين نحو 40 في المئة من احتياجات الأردن المائية.
الحاجة إلى التمويل
وقدّر جان باتيست شوفيل، المدير الإقليمي في وزارة الاقتصاد الفرنسية لشؤون الجزيرة العربية، أنّ حاجات البلدان العربية في قطاع المياه تتجاوز مئة مليار دولار، وأنّ نسبة تمويل هذه الحاجات قد تصل إلى نحو 14 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2050.
وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى الصناديق السيادية في عدد من دول الخليج، التي تُقدَّر أصولها بأكثر من خمسة تريليونات دولار، غير أنّ هذه الصناديق تعتمد أسلوب عمل الشركات الخاصة.
وجرى في الجلسة الأخيرة التطرّق إلى مشروع إيميك (EMIC)، وهو ممرّ بحري يربط الموانئ في بريطانيا وفرنسا ومصر والمملكة العربية السعودية والهند، ويترأسه جيرارد ميستراليت. يهدف المشروع إلى ربط أوروبا ببلدان المشرق العربي وصولًا إلى الهند، بمشاركة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ومصر والمملكة العربية السعودية، إضافة إلى مرافئ في سلطنة عُمان، قبل وصوله إلى الهند عبر أربعة مرافق رئيسية.






