من صدمات النفط إلى رهان الرقمنة
الخليج يقود اقتصاد الشرق الأوسط

22.12.2025
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

في ظل بيئة اقتصادية عالمية تتسم بالتقلب وعدم اليقين، تواصل اقتصادات الشرق الأوسط، ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، إظهار قدر ملحوظ من المرونة. وتشير أحدث التوقعات الصادرة عن معهد المحاسبين القانونيين في إنجلترا وويلز (ICAEW) إلى استمرار هذا الزخم خلال عام 2026، إذ يُتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بنسبة 3.7 في المئة، بزيادة قدرها 0.2 نقطة مئوية مقارنة بالتقديرات السابقة، وذلك بعد تسجيل نمو يُقدّر بنحو 3 في المئة خلال العام الجاري.

نمو خليجي بنسبة 4.4 %

وعلى مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، يتوقع التقرير أن يبلغ معدل النمو 4.4 في المئة في عام 2026، وهو أقل بنحو 0.2 نقطة مئوية من التقديرات السابقة، لكنه أعلى بـ 0.3 نقطة مئوية من توقعات هذا العام. ويُعزى هذا التعديل في التوقعات بشكل أساسي إلى تعهّد مجموعة "أوبك+" بوقف زيادات إنتاج النفط خلال الربع الأول من عام 2026، مع ترجيح استمرار هذا التوقف طوال النصف الأول من العام، قبل رفع القيود المتبقية على الإنتاج في النصف الثاني من 2026 وامتداد ذلك إلى النصف الأول من عام 2027.

تأثير محدود للرسوم الأمريكية

ويتوقع التقرير أن يكون تأثير ارتفاع الرسوم الجمركية الأميركية على التجارة الإقليمية محدودًا. وفي ما يتعلق بأسعار النفط، فقد تذبذبت خلال الأشهر الثلاثة الماضية حول مستوى 65 دولارًا للبرميل، في ظل فائض متوقّع في السوق العالمية يحدّ من فرص ارتفاع الأسعار. ويأتي ذلك بالتزامن مع حذر "أوبك+" من زيادة الإنتاج بوتيرة أسرع، إضافة إلى التأثير المحدود المتوقع للعقوبات الجديدة على صادرات النفط الروسية.

وبحسب الـ ICAEW، يُتوقع أن يبلغ متوسط سعر خام برنت نحو 63.6 دولارًا للبرميل في عام 2026، مقارنة بـ 64.3 دولارًا قبل ثلاثة أشهر، وبانخفاض عن متوسط 69.3 دولارًا المسجّل خلال العام الحالي.

انتعاش إنتاج النفط الخليجي

وتفترض التوقعات المحدّثة لدول مجلس التعاون الخليجي ثبات مستويات إنتاج النفط خلال النصف الأول من عام 2026، بعد زيادة طفيفة في كانون الأول/ديسمبر الماضي، على أن تعود الدول إلى رفع الإمدادات في النصف الثاني من العام وما بعده. ونتيجة لذلك، يُتوقع أن ينمو قطاع النفط الخليجي بنسبة 5.1 في المئة في عام 2026، وهي الوتيرة نفسها المتوقعة لهذا العام.

أما في المملكة العربية السعودية، فيتوقع التقرير أن يبلغ متوسط إنتاج النفط 10.2 ملايين برميل يوميًا خلال عام 2026، مقارنة بتقدير سابق بلغ 10.5 ملايين برميل يوميًا، ما أدى إلى خفض توقعات نمو قطاع النفط السعودي إلى 4.5 في المئة بدلًا من 6.7 في المئة في التقديرات السابقة.

زخم القطاعات غير النفطية

في المقابل، يرى التقرير أن آفاق النمو في القطاعات غير النفطية بدول مجلس التعاون الخليجي ستظل إيجابية، مع ارتفاع طفيف في وتيرة التوسع إلى 4.1 في المئة في عام 2026، مقارنة بنحو 4 في المئة متوقعة هذا العام.

وأظهرت مؤشرات مديري المشتريات (PMI) في أكتوبر استمرار نمو الأنشطة غير النفطية في مختلف دول الخليج، رغم تباطؤ وتيرة النمو في كل من قطر والإمارات. وعلى النقيض، تجاوز مؤشر مديري المشتريات في السعودية مستوى 60 نقطة، مسجّلًا ثاني أقوى قراءة له منذ أكثر من عقد، ما يعكس زخمًا قويًا في أداء القطاع الخاص مع نهاية عام 2025.

ومن المتوقع أن يتسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في السعودية إلى 5 في المئة في عام 2026، مقارنة بـ4.6 في المئة هذا العام، بدعم من استمرار تمويل برامج تنويع الاقتصاد.

الاستهلاك والسياحة والتكنولوجيا محركات للنمو

وسيظل المستهلكون في دول مجلس التعاون الخليجي من أبرز محركات النمو الاقتصادي، مدعومين بانخفاض معدلات التضخم والبطالة، وتوسع الائتمان، وتراجع أسعار الفائدة. وتشير التقديرات إلى أن إنفاق المستهلكين سينمو بمتوسط 3.5 في المئة سنويًا خلال العامين المقبلين، ما يعزّز جاذبية المنطقة للاستثمارات الأجنبية المباشرة.

كما تُظهر البيانات أن قطاع السفر والسياحة واصل نموه رغم استمرار المخاوف الجيوسياسية، مع توقعات بحصول الوجهات الخليجية على حصة أكبر من النشاط السياحي العالمي، مدفوعة بالمشاريع الكبرى، واستضافة الفعاليات الدولية، وتوسّع شركات الطيران. ويُنتظر أن تسهم التأشيرة الخليجية الموحدة، المقرر إطلاقها في عام 2026، في زيادة أعداد الوافدين إلى المنطقة.

وإلى جانب السياحة، تبرز التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كمحرّكات رئيسية لجهود التنويع الاقتصادي، مع استمرار استثمارات حكومات الخليج في البنية التحتية الرقمية، ومراكز البيانات، والتعليم، في إطار السعي إلى ترسيخ موقع المنطقة كمركز عالمي للتقنيات المتقدمة.

ثقة مرتفعة رغم التحديات

وفي هذا السياق، تشير آفاق اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي الصادرة عن مجموعة بنك الكويت الوطني إلى بقاء الثقة مرتفعة في مستقبل اقتصادات المنطقة، رغم الانخفاض المتوقع في أسعار النفط. ومن المتوقع أن تؤدي زيادة الإمدادات بعد إنهاء "أوبك+" تخفيضات الإنتاج إلى مكاسب ملموسة في الناتج النفطي الحقيقي خلال عام 2026.

كما يُتوقع أن يرتفع النمو الكلي لدول مجلس التعاون إلى 4.7 في المئة في عام 2026، مقارنة بـ4.2 في المئة في عام 2025، وهو أعلى معدل نمو منذ أربع سنوات، مع مساهمة زيادة إنتاج النفط في تعويض جزء من تراجع الإيرادات النفطية.

وعلى الصعيد المالي، يُتوقع تقلّص العجز المالي الإجمالي لدول المجلس إلى 1.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2026، مقارنة بـ 2.3 في المئة في عام 2025، مع اتساع العجز في كل من عُمان والبحرين فقط، حيث تبقى الأخيرة تحت مراقبة وكالات التصنيف الائتماني.

أما على صعيد الأسعار، فمن المرجّح أن يظل التضخم دون مستوى 2 في المئة في دول مجلس التعاون الخليجي، رغم التوقعات القوية للنمو الاقتصادي، ما يعكس استمرار الاستقرار النسبي في الأوضاع النقدية والمالية في المنطقة.

الرقمنة تقود الاقتصاد

وكان البنك الدولي قد رفع توقعاته لنمو دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2026 إلى 4.5 في المئة، مقارنة بتوقعاته السابقة الصادرة في تشرين الثاني /أكتوبر التي بلغت 4.4 في المئة، مدفوعًا باستمرار الإصلاحات الهيكلية وتسارع وتيرة الابتكار الرقمي في المنطقة.

وجاء ذلك في أحدث تقاريره حول المستجدات الاقتصادية لدول الخليج بعنوان "التحول الرقمي في الخليج: محرك قوي للتنويع الاقتصادي"، حيث أشار إلى أن اقتصادات دول المجلس اكتسبت زخمًا متزايدًا خلال عام 2025، بدعم من السياسات الإصلاحية وتوسّع الاستثمار في الاقتصاد الرقمي.

وأضاف التقرير أن دول مجلس التعاون الخليجي تشهد حاليًا تحولًا هيكليًا متسارعًا يهدف إلى تنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط، مع تصدّر خلق فرص العمل أولويات الأجندات الوطنية. وفي هذا السياق، لفت البنك الدولي إلى أن دول الخليج تتمتع بوضع فريد يؤهلها لجذب واستبقاء الكفاءات ذات المهارات الرقمية العالية، بما يتيح بناء وتشغيل واستدامة الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية الرقمية، والحوسبة السحابية، ومراكز البيانات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي.

وسلّط البنك الدولي الضوء على التقدم اللافت في الجاهزية الرقمية، حيث تتمتع جميع دول مجلس التعاون الخليجي بشبكات اتصالات متطورة، مع تغطية تتجاوز 90 في المائة لشبكات الجيل الخامس وخدمات الإنترنت عالي السرعة بأسعار تنافسية. وأكد البنك أن الاستثمارات المكثفة في مراكز البيانات وأنظمة الحوسبة عالية الأداء تعزز جاهزية المنطقة لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، مع بروز كل من السعودية والإمارات بوصفهما قادتين إقليميين ودوليين في هذا المجال.

وفي بعدٍ داعم لهذا التوجه، أشار التقرير إلى أن مشاركة المرأة الخليجية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات تفوق المتوسط العالمي، ما يعزز القدرة التنافسية الرقمية لدول الخليج ويدعم مسار التحول نحو اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار.