جيل جديد من أصحاب الثروات الى الواجهة
والخليج في قلب المعادلة

07.12.2025
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

الاقتصاد والأعمال

يشير تقرير "طموحات المليارديرات  2025"الصادر عن بنك UBS السويسري إلى لحظة مفصلية في تطور الثروة العالمية، لحظة تكشف عن تحول أعمق في طبيعة الاقتصاد، وسلوك رأس المال، وديناميات المجتمع داخل فئة المليارديرات التي بات تأثيرها يتخطى حدود المال ليطال السياسات والتكنولوجيا وصناعة المستقبل.

الثروات تتوسع رغم التوترات

في غضون عام واحد فقط، ارتفعت الثروة الإجمالية للمليارديرات حول العالم إلى 15.8 تريليون دولار، ما يشير إلى بيئة عالمية لا تزال تُولد الثروة بوتيرة كبيرة رغم التقلبات الجيوسياسية والتوترات التجارية وحالة اللايقين التي تضغط على السياسات الاقتصادية والمالية للدول. ولكن اللافت أن هذه الزيادة ليست مجرد انعكاس للأسواق المالية، بل نتيجة نشاط اقتصادي حقيقي يقوده رواد أعمال، وتحولات هيكلية في طريقة تكوين الثروة وانتقالها بين الأجيال. ويظهر التقرير أن عدد الملياديرات يرتفع كل عام منذ 2022.

صعود لرواد الأعمال العصاميين

خلال عام 2025 وحده، ظهر 196 مليارديراً عصامياً جديداً، وهو رقم يعكس تجدد قدرة الاقتصاد العالمي على خلق ثروات جديدة من الابتكار والتكنولوجيا والقطاعات الإنتاجية. وهذا الفرق النوعي بين الثروات الورقية التي ترتفع مع الأسواق، وتلك المتأتية من نشاط اقتصادي فعلي، يُعد أحد أهم ملامح المرحلة الراهنة. فقد شهدت السنوات الأخيرة تحولاً جذرياً في طبيعة خلق القيمة، مع دخول قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي، التسويق الرقمي، البنية التحتية الذكية، والطاقة النظيفة إلى قلب النشاط الاقتصادي العالمي، لتصبح محركات أساسية لتوليد أصحاب ثروات جدد.

أكبر موجة انتقال للثروات في التاريخ الحديث

في المقابل، شهد العالم أكبر موجة انتقال للثروة في التاريخ الحديث، إذ  انتقلت ثروات بقيمة 297.8 مليار دولار الى 91 وريث خلال عام واحد فقط. وهو رقم قياسي يظهر أن الثروة التي تم تكوينها خلال العقود الماضية، خصوصاً منذ التسعينيات، بدأت تنتقل إلى الجيل الثاني والثالث، ما يشكل انعطافة اقتصادية واجتماعية كبيرة، ليس فقط بسبب حجم الأموال، بل بسبب الأسئلة الجوهرية التي تطرحها حول الإدارة، الاستدامة، والهوية الاقتصادية للعائلات الثرية.

ووفق التقرير، يُنتظر أن ينتقل ما لا يقل عن  5.9تريليونات دولار إلى أبناء المليارديرات خلال الخمسة عشر عاماً المقبلة، وهو رقم قادر وحده على إعادة رسم هرم القوة المالية في العالم، وتوسيع الفجوة بين أولئك الذين يرثون ثروات كبرى وأولئك الذين يصيغونها من الصفر.

تحول في القيم والتطلعات وطريقة صناعة الثروات

إلا ان المفارقة تكمن في أن غالبية أصحاب هذه الثروات، أي نحو 82 في المئة،  يحثون أبنائهم على اكتساب مهارات مستقلة، وتحمّل مسؤولياتهم بعيداً عن الاتكال على الإرث المالي وحده. وهذه إشارة إلى تحول ثقافي داخل العائلات الثرية التي باتت تُدرك أن الثروة من دون مهارات أو رؤية ليست ضمانة للمستقبل. ويُظهر التقرير أن انتقال الثروات إلى جيل جديد زاد عدد الملياديرات المتعددي الأجيال إلى 860 مليارديراً، بثروات إجمالية تقدر بنحو 4.7 تريليونات دولار، مقارنة مع 805 مليارديراً، بثروات تقدر بنحو 4.2 تريليونات دولار عام 2024. ويتوقع التقرير أن تنتقل ثروات بقيمة 6.9 تريليونات دولار إلى أجيال جديدة بحلول عام 2040، وأن يتم نقل 5.9 تريليونات منها للأولاد مباشرة أو عبر الزوجات.

ويأتي ذلك في الوقت الذي تبرز فيه قناعة عميقة بأن الجيل الجديد سيواجه تحديات أكثر تعقيداً من تلك التي واجهتها الأجيال السابقة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي الذي اعتبره ثلاثة أرباع المليارديرات التحدي الأكبر أمام أبنائهم. ويرى التقرير أن هذه التكنولوجيا لن تغيّر طبيعة الأعمال فحسب، بل ستُعيد تشكيل سوق العمل، وطريقة صنع القرارات، ومفهوم الريادة ذاته. وإلى جانب الذكاء الاصطناعي، برزت تغيرات المناخ واتساع فجوة العدالة الاجتماعية كتحديين رئيسيين يؤثران في خيارات الاستثمار والعمل الخيري والحوكمة العائلية لدى الجيل الأصغر.

دور متنام للمكاتب العائلية

ومع ازدياد متوسّط العمر المتوقع لدى المليارديرات، باتت إدارة الثروة تمتد إلى أفق أطول، ما دفع كثيرين إلى تحديث هياكلهم القانونية، وصناديق الثقة، واستراتيجيات الاستثمار، لضمان انتقال سلس ومنضبط للثروة. كما تزايد دور المكاتب العائلية التي أصبحت أذرعاً احترافية تدير ليس فقط الأموال، بل أيضاً منظومة القيم، وهندسة الحوكمة، وتمكين الأجيال الصاعدة من التعامل مع إرث اقتصادي متشعب.

الخليج في قلب صناعة الثروات...وانتقالها

في هذا السياق العالمي، تبرز دول الخليج كلاعب رئيسي في الخريطة الجديدة للثروات. فقد شهدت السعودية أحد أسرع معدلات نمو الثروات عالمياً، إذ تضاعفت ثروات المليارديرات فيها تقريباً لتبلغ  81 مليار دولار، مقارنة بـ 38 مليار في عام 2024، بنمو قدره 113 في المئة خلال عام واحد فقط. هذا الارتفاع لا يمكن قراءته بمعزل عن التحول الاستراتيجي الذي يشهده الاقتصاد السعودي ضمن رؤية 2030، حيث تتوسع الاستثمارات في التكنولوجيا والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الحديثة، وتتعزز جاذبية السوق أمام اللاعبين الاستثماريين المحليين والدوليين.

أما الإمارات، فقد رسّخت مكانتها كمركز مالي عالمي بعدما ارتفعت ثروات المليارديرات فيها إلى 168.7 مليار دولار، بنمو قدره 21.6 في المئة بين عامي 2024 و 2025. ويعكس ذلك بيئة اقتصادية مفتوحة تستقطب المواهب، رؤوس الأموال، ورواد الأعمال، إضافة إلى دعم الدولة لقطاعات المستقبل في أبوظبي ودبي، مثل التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي.

وفي ما يتعلق بالانتقال، يتوقع التقرير أن تنتقل إلى أبناء العائلات الثرية في الخليج 57 مليار دولار خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة، موزعة بين 25.3 مليار دولار في السعودية و 31.9 مليار دولار في الإمارات. وتشير هذه الأرقام إلى أن المنطقة تقف على أبواب مرحلة مختلفة، تتوسع فيها الهياكل المؤسسية لإدارة الثروات، وتزداد أهمية الحوكمة المالية، وتبرز الحاجة إلى تطوير الجيل الجديد ليكون قادراً على إدارة أصول ضخمة في بيئة عالمية أكثر تعقيداً. اما في البلدان العربية الأخرى التي ذكرها التقرير، يتوقع أن تبلغ الثروات المتوقع انتقالها في الفترة نفسها 6.4 مليارات في مصر، و3.1 مليارات في لبنان. ولم يشمل التقرير بلدان مهمة من حيث الثروات مثل الكويت وقطر.

ويخلص التقرير إلى أنّ العالم يتجه نحو مرحلة جديدة تتداخل فيها ثلاثة مسارات أساسية، وهي خلق الثروة عبر الابتكار، انتقال الثروة عبر الأجيال، وتدويل الثروة عبر تنقل رأس المال والعائلات. وفي هذه المرحلة، يصبح الحديث عن الثروة حديثاً عن القدرة على التكيّف مع عالم متغيّر، وعن تشكيل مستقبل اقتصادي قائم على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والاستدامة.

وفي ظل هذا المشهد، يبدو أن الإرث الحقيقي الذي يتركه جيل اليوم من المليارديرات سيُقاس في المستقبل بقدرة الأجيال المقبلة على حمل هذا الإرث إلى المستقبل، وبناء هويات اقتصادية تعمل وفق معادلة جديدة تُوازن بين المال، الابتكار، والمجتمع.