بقلم د. خالد عيتاني*
في السنوات الأخيرة، تحوّل اسم رياض سلامة من رمز «الاستقرار النقدي» في لبنان إلى العنوان الأبرز لأحد أعتى الانهيارات المالية في العالم المعاصر. وبين سردياتٍ إعلامية تصوّره «كبش فداء» لمنظومة سياسية فاسدة، وأخرى تحاكمه باعتباره «مهندس الانهيار»، يضيع أحيانًا البعد الأهم: البنية الاقتصادية – المالية للنموذج اللبناني، ودور الحاكمية فيها، كما تراه التقارير الدولية والتدقيقات الجنائية والتحقيقات القضائية.
هذا المقال لا ينطلق من رغبة في شيطنة شخص، ولا في تبرئته سلفًا. بل يسعى إلى قراءة مهنية هادئة، تُخضِع سرديات التبرئة والاتهام لـ منهج تحليلي نقدي، يستند إلى:
• تقارير البنك الدولي عن «الاكتئاب المتعمّد» و«الإنكار الكبير» في لبنان، والتي تعتبر الأزمة نتيجة خيارات النخبة الحاكمة لا حادثًا عرضيًا . World Bank+2World Bank+2
• تحليل مستقل لتقرير التدقيق الجنائي لشركة Alvarez & Marsal حول مصرف لبنان للفترة 2015–2020، الذي يوثّق ممارسات محاسبية مخالِفة، و«سوء سلوك»، وعمولات غير مشروعة بقيمة 111 مليون دولار . American University of Beirut+2Reuters+2
• تحقيقات منظمات رقابية وصحافة استقصائية مثل Public Eye عن دور شركة Forry Associates والعمولات التي قُدِّرت بحوالي 330 مليون دولار انتقلت من حسابات مصرف لبنان إلى حسابات مرتبطة بعائلة سلامة وشركاتهم أو لصالحهم . publiceye.ch+1
• قرارات تجميد أصول وحجز عقارات في فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ بقيمة نحو 120 مليون يورو في إطار ملف اختلاس أموال عامة وتبييض أموال، حيث يُذكر سلامة كمشتبه به مركزي . France 24+1
• بيان وزارة الخزانة الأميركية (OFAC) الذي يتّهم سلامة صراحةً بأنّ "أفعاله الفاسدة وغير القانونية ساهمت في تقويض حكم القانون والانهيار الاقتصادي في لبنان، من خلال تحويل مئات ملايين الدولارات عبر شركات واجهة إلى استثمارات عقارية في أوروبا ". U.S. Department of the Treasury+1
على ضوء هذه المراجع، يصبح الهدف ليس إعادة إنتاج لغة الاتهام أو الدفاع، بل تفكيك النموذج: كيف بُني، كيف أُدير، كيف انهار، وأين يقف الحاكم في شبكة المسؤولية مع السياسيين والمصارف.
أولًا: زمن البناء الظاهري (1993–2010) – تثبيت الليرة وتأسيس الريع المالي
منذ تعيينه حاكمًا لمصرف لبنان عام 1993، بنى رياض سلامة استراتيجيته على تثبيت سعر الصرف كمرتكز للاستقرار. تقنيًا، جرى تمويل هذا التثبيت عبر جذب الودائع بالدولار بفوائد مرتفعة، واستخدام القطاع المصرفي كقناة رئيسية لتمويل عجز الدولة وخدمة الدين العام.
تقارير " لبنان إيكونوميك مونيتور» الصادرة عن البنك الدولي توثّق هذا التحوّل بوضوح: نموذج ريعي– مالي يستند إلى تدفقات رأس المال القصيرة الأجل، بدل الاستثمار في الإنتاج والإصلاح البنيوي . World Bank+1
ثانيًا: مرحلة التشقّقات (2011–2015) – بداية الاختلال بين الشكل والواقع
مع اندلاع الحرب السورية، وتراجع التدفقات، وتباطؤ النمو، بدأت الشروخ تظهر في جدار «الاستقرار». النموذج القائم على تدفّق مستمر للعملة الأجنبية وجد نفسه أمام ميزان مدفوعات يختنق.
رغم ذلك، لم تُفتح نقاشات جدّية في السلطة السياسية أو الحاكمية حول تعديل النموذج، بل جرى الاستمرار في مسار تثبيت سعر الصرف وكأنّ شروط التسعينيات ما زالت سارية. تقارير البنك الدولي منذ 2018 تحذّر من تفاقم المخاطر، وتصف لبنان بأنه يسير نحو «الهاوية الجاذبة » (When Gravity Beckons)، في ظل عجز متراكم وقطاع كهرباء يستنزف المالية العامة . World Bank
في هذا السياق، تُبنى حجّة دفاعية لاحقًا مفادها أنّ الحاكم «أنقذ» ما يمكن إنقاذه في ظل تقاعس الحكومات عن الإصلاح. غير أنّ هذه الحجة تتجاهل أنّ الاستمرار في التثبيت بأي ثمن هو قرار نقدي بحت، يتحمّل مسؤوليته الحاكمية، خاصةً حين لا يقترن بشرط واضح: "إصلاحات أو توقّف عن التمويل."
ثالثًا: 2016 – الهندسات الكبرى وذروة "شراء الوقت"
عام 2016 يشكّل نقطة الانعطاف الأهم. هنا انتقل مصرف لبنان من نموذج الريع الكلاسيكي إلى ما وصفته مجلة «ذي إيكونوميست» و«فورين أفيرز» ووسائل أخرى بأنه مخطّط شبيه بالهرمي (Ponzi-like): استقطاب ودائع جديدة بفوائد مرتفعة جدًا، ومنح المصارف أرباحًا فورية مقابل إعادة جزء من هذه الأموال إلى ميزانية المصرف المركزي . The Economist+1
المدافعون عن هذه المرحلة يقدّمونها كـ«هندسة إنقاذية» أنقذت الليرة والقطاع المصرفي. لكن التدقيق في النتائج يُظهر الآتي:
• الهندسات ضمنت للمصارف أرباحًا استثنائية بمليارات الدولارات في فترة قصيرة، كما وثّقت تقارير صحفية مالية متعدّدة. Financial Times
• الخسائر الحقيقية نُقلت تدريجيًا إلى ميزانية مصرف لبنان عبر بنود غامضة، بدل الاعتراف بها وتوزيعها بشفافية.
• البنك الدولي وصندوق النقد لاحقًا اعتبرا أنّ هذه السياسات لم تعالج جذور الأزمة، بل مدّدت عمر النموذج على حساب تضخيم الفجوة. Arab News+2World Bank+2
بهذا المعنى، لعبت الحاكمية دور «المموِّل الأخير» لنظام سياسي–مصرفي ماضٍ في الإنفاق بلا إصلاح، بدل أن تكون صانع سياسة مستقلة تضع شروطًا صارمة للاستمرار في تثبيت سعر الصرف وتمويل الدولة.
رابعًا: Forry – من «شركة وسيطة» إلى نموذج لالتقاء الخاص والعام
من أبرز محاور الدفاع عن سلامة القول إنّ شركات الوسطاء التي تعامل معها مصرف لبنان – وعلى رأسها Forry Associates – شركات مسجّلة قانونيًا، تتقاضى عمولات مقابل خدمات مالية.
لكنّ التحقيقات السويسرية والأوروبية ترسم صورة مختلفة. تقرير استقصائي صادر عن منظمة Public Eye السويسرية يبيّن أنّ نحو 330 مليون دولار حُوّلت من حسابات مصرف لبنان إلى حساب Forry لدى HSBC Private Bank (Suisse)، وأنّ نحو 248 مليونًا من هذه الأموال صُبّت في حسابات شخصية لـ رجا سلامة، قبل أن يُعاد جزء كبير منها إلى مصارف لبنانية أو يُستخدم في استثمارات عقارية . publiceye.ch+1
القضية هنا ليست فقط في وجود شركة وعقود، بل في المنطق الاقتصادي والقانوني للعمولة:
ما هي الخدمة الحقيقية التي قدّمتها شركة وسيطة – يربطها القضاء الأوروبي بعائلة الحاكم – مقابل هذه المبالغ الضخمة؟
لماذا يخرج هذا الحجم من الأموال من مصرف لبنان عبر كيان خاص، بدل أن تُدار العمولات ضمن هيكل شفاف يخضع للرقابة الكاملة؟
المدّعي العام السويسري والسلطات القضائية في فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ لم يعتبرا الملف جدلًا سياسيًا، بل فتحوا تحقيقات رسمية في اختلاس أموال عامة وتبييض أموال، أدّت إلى تجميد أصول وعقارات تقدّر قيمتها بحوالي 120 مليون يورو في عدّة دول أوروبية France 24+1.
هذه الوقائع الموضوعية تُضعف جذريًا أي سردية تبرئة مطلقة، وتضع الحاكمية أمام سؤال جوهري: كيف يُسمَح بتقاطُع هذا الحجم من الأموال العامة مع شركات ذات طابع عائلي أو شخصي، من دون حوكمة صارمة وشفافية كاملة؟
خامسًا: التدقيق الجنائي – لغة الأرقام لا تحتمل التجميل
عندما صدر التدقيق الجنائي الذي نفّذته Alvarez & Marsal عن فترة 2015–2020، حاول بعض المدافعين التقليل من أهميته باعتباره «تقريرًا تقنيًا قابلًا للتأويل». لكنّ قراءة تحليلية له، كما قدّمتها دراسات مستقلة صادرة عن باحثين في الجامعة الأميركية في بيروت، تُظهر أنه يتضمّن عناصر اتهام بنيوي لا يمكن القفز فوقها : American University of Beirut
• وصف صريح ل "سوء سلوك (misconduct) " و«ثغرات خطيرة في الحوكمة»، مع تأكيد أن الحاكم كان يملك «سلطة غير مقيّدة عمليًا» في ما يخصّ الهندسات . Reuters+1
• توثيق ممارسات محاسبية غير متوافقة مع المعايير الدولية، أبرزها تسجيل عشرات مليارات الدولارات من الخسائر كبنود «أصول مؤجّلة»، ما أدّى إلى إظهار ميزانية المصرف بوضع أقوى مما هي عليه فعليًا . American University of Beirut+1
• كشف عن 111 مليون دولار من «العمولات غير المشروعة»، ربطها التقرير بخطوط التحقيق نفسها التي تتناول ملفات Forry والوسطاء . Voice of America+1
التقرير لا يصدر أحكامًا جزائية؛ هذه ليست وظيفته. لكنه يقدّم، بالمعنى الاقتصادي–المحاسبي، قرائن قوية على أنّ الحاكمية لم تكن مجرّد ضحية لأحداث خارجية، بل فاعلًا أساسيًا في:
• إخفاء الخسائر.
• تضليل مستخدمي الميزانية (من سياسيين ومودعين ومؤسسات دولية).
• وإدامة نموذج مالي غير مستدام.
سادسًا: صندوق النقد، تقرير 2016، وحدود "الإنكار"
جزء من السجال تمحور حول تقرير لصندوق النقد عام 2016 عن لبنان. صحيفـة Le Temps السويسرية نشرت تحقيقًا يفيد بأنّ النسخة الأصلية من التقرير تضمّنت فصولًا تحذّر من «هشاشة مالية هائلة» و«خطر كبير على استدامة النموذج»، وأنّ هذه الصفحات أُزيلت أو «نُعِّمت» بعد تدخّل من مصرف لبنان، بحجّة أن نشرها قد يزعزع الثقة بالقطاع المصرفي 961.
مصرف لبنان نفى ذلك عبر وكالة «رويترز»، مؤكدًا أن الصندوق مستقل في تقاريره . Reuters
حتى لو أخذنا هذا النفي في الاعتبار، تبقى النتيجة العملية ثابتة: كان لدى كلٍّ من الصندوق والحاكمية معرفة مبكّرة بخطورة النموذج، لكنّ مستوى الشفافية تجاه الرأي العام الداخلي والخارجي بقي محدودًا، واستمرّ بيع صورة «الاستقرار» بينما كانت الفجوة تكبر بصمت. هذا ما يصفه البنك الدولي لاحقًا بـ "الإنكار الكبير"الذي رافق "الاكتئاب المتعمّد . World Bank+2World Bank+2 "
سابعًا: من الانهيار إلى العقوبات – حين تتقاطع السياسة والاقتصاد والقانون
بعد انتفاضة تشرين 2019، وتعثر الدولة عن سداد اليوروبوند في مارس 2020، خرج النموذج المالي من «منطقة الإنكار» إلى منطقة الانهيار التام. تقديرات الخسائر تراوحت بين 70 و100 مليار دولار بحسب خطّة لازار وصندوق النقد . World Bank+1
في هذه المرحلة، احتدمت سرديات التبرئة والاتهام، لكن المسار الدولي أخذ منحًى أكثر حسماً:
• مكتب مكافحة الجريمة المالية الأوروبي (Eurojust) أعلن في مارس 2022 تجميد أصول للبنانيين – بينهم حاكم المصرف – بقيمة 120 مليون يورو في فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وبلجيكا وموناكو في إطار تحقيق في اختلاس وتبييض أموال . France 24+1
• وزارة الخزانة الأميركية (OFAC) فرضت في أغسطس 2023 عقوبات على سلامة، متهمةً إيّاه باستخدام منصبه لـ "إثراء نفسه ومقرّبيه عبر تحويل مئات ملايين الدولارات من الأموال العامة إلى شركات واجهة واستثمارات عقارية في أوروبا . U.S. Department of the Treasury+1"
• تحقيقات قضائية في لبنان نفسه، بدعم من التعاون القضائي الأوروبي، أدّت إلى ملاحقة سلامة بتهم اختلاس عشرات ملايين الدولارات من المال العام، قبل أن يُخلى سبيله لاحقًا بكفالة ضخمة تفوق 20 مليون دولار بانتظار المحاكمة . OCCRP
هذه المعطيات لا تعني صدور حكم نهائي؛ لكنها تجعل من الصعب جدًّا التعامل مع الملف على أنه «مؤامرة كلامية» أو «حملة صحفية» فقط. نحن أمام منظومة أدلة مالية وقانونية متراكمة، تتقاطع فيها تقارير التدقيق مع التحقيقات القضائية والعقوبات الدولية.
ثامنًا: موقع الحاكم في شبكة المسؤولية مع السياسيين والمصارف
التحليل المنصف يقتضي رفض تبسيطين متقابلين:
• تحميل سلامة وحده مسؤولية الانهيار، وكأنّ الحكومات المتعاقبة والمجلس النيابي والقطاع المصرفي كانوا مجرّد متفرّجين.
• أو تبرئته بالكامل بحجة أنّه «موظف تقني» نفّذ سياسات غيره.
تقارير البنك الدولي تصف ما حدث في لبنان بأنه أزمة صنعتها النخبة التي استولت على الدولة؛ النخبة هنا تشمل: السياسي، المصرفي، والحاكمية معًا . World Bank+2World Bank+2
السياسيون:
• أداروا مالية عامة قائمة على العجز،
• عطّلوا إصلاح الكهرباء والقطاع العام،
• رفضوا الكابيتال كونترول في اللحظة الحاسمة،
• وعرقلوا خطط إعادة الهيكلة عندما ظهرت الأرقام القاسية.
المصارف:
• استفادت من الهندسات والأرباح السريعة،
• حوّلت جزءًا كبيرًا من أموال المودعين إلى سندات خزينة ومراكز مع مصرف لبنان،
• شاركت في تغذية الوهم بأن «الودائع مقدّسة» حتى اللحظة الأخيرة.
الحاكمية:
• موّلت هذا النموذج،
• أخفت الخسائر بأدوات محاسبية غير معيارية،
• كرّست تثبيت سعر الصرف كخط أحمر حتى بعد زوال شروطه،
• سمحت أو شاركت – وفق ما توثّقه التحقيقات – في مسارات مالية استغلّت الموقع العام لمصلحة خاصة.
بذلك، تصبح مسؤولية سلامة ليست أقل من مسؤولية الشركاء السياسيين والمصرفيين؛ بل هو نقطة تقاطع بين الاثنين، بما يملكه من صلاحيات «غير مقيّدة تقريبًا» كما يصفها التدقيق الجنائي . Reuters+1
خاتمة: من محاكمة الأشخاص إلى إصلاح البنية – طريق قانوني لمستقبل مختلف
من الناحية القانونية، يبقى مبدأ قرينة البراءة قائمًا ما لم تصدر أحكام مبرَمة. لكن من الناحية الاقتصادية–الاجتماعية، لا يمكن تجاهل ثقل الأدلة والمعطيات التي راكمتها التقارير الدولية والتدقيقات الجنائية والتحقيقات القضائية ضد الحاكمية السابقة.
التحدّي اليوم ليس في اختيار «بطل» و«شيطان» في قصة الانهيار، بل في إعادة بناء عقد مالي–اقتصادي جديد يقطع مع المنهج الذي جعل الانهيار ممكنًا، ومع الثقافة التي سمحت بأن يُدار اقتصاد بحجم لبنان كمخطّط مالي مغلق.
هذا يستدعي، في الحد الأدنى:
1- استكمال المسار القضائي بلا انتقائية:
ملاحقة كل من يَثبت تورّطه – من حاكم ومسؤولين سياسيين ومصرفيين – ضمن محاكمات شفافة، مع تعاون دولي كامل ورفع فعلي للسرية المصرفية حيث يلزم، في ضوء القوانين الجديدة التي أقرّها البرلمان لتلبية شروط صندوق النقد في ما يخصّ السرية المصرفية وإعادة هيكلة المصارف . Reuters+1
2 - تثبيت الخسائر وتوزيعها بعدالة:
الاعتراف الرسمي بالفجوة المالية وتوزيعها وفق منطق عادل: حماية صغار ومتوسطي المودعين، تحميل المصارف والدولة والمستفيدين الجزء الأكبر من التكلفة، بدل تعويم الخسائر على المجتمع ككل.
3 - إعادة تعريف دور مصرف لبنان:
حصر وظيفة المصرف المركزي في الاستقرار النقدي والمالي، مع حوكمة داخلية جديدة، وهيئات مستقلة للرقابة، وتدقيق دوري إلزامي، ومنع تركّز السلطة في يد شخص واحد لعقود.
4 - إكمال الإصلاح مع صندوق النقد بشروط وطنية واضحة:
التعامل مع برنامج الصندوق كإطار تعاقدي يعيد الثقة، لا كـ«وصاية»، مع الحرص على ألاّ تُحمَّل الفئات الأضعف وحدها كلفة التصحيح، بل من استفاد من الريع لعقود.
5- الانتقال من منطق الريع إلى منطق الإنتاج:
ربط أي إصلاح مالي بخطة فعلية لإطلاق قطاعات إنتاجية (صناعة، زراعة ذات قيمة مضافة، اقتصاد المعرفة، خدمات متقدّمة)، كي لا يتحوّل أي «استقرار نقدي جديد» إلى غطاء لوصفة قديمة.
قضية رياض سلامة، في نهاية المطاف، ليست فصلًا في سيرة شخص، بل مرآة لبنية كاملة. إذا طُويت الصفحة على شكل «تضحية» بشخص واحد أو إعادة تدوير الوجوه ضمن النموذج نفسه، سيتكرّر الانهيار بصيغ جديدة. أمّا إذا استُخدمت القضية كمنطلق لمحاسبة شاملة وإعادة هندسة حقيقية للعلاقة بين الدولة والمصرف المركزي والمصارف، فقد تتحوّل من رمز سقوط إلى نقطة انطلاق لإقتصاد لبناني أكثر شفافية وعدالة وصلابة.
هذا هو الخيار الذي سيحسم ما إذا كان البلد سيبقى أسير «الاكتئاب المتعمّد»… أم يجرؤ أخيرًا على كتابة نموذج اقتصادي مختلف، يتأسس على القانون لا على الاستثناء، وعلى الإنتاج لا على الهندسات.
رئيس لجنة الطوارئ الاقتصادية*




