كتبت:هالة ياقوت
ألقت د. رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي نيابة عن د. مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء- كلمة في المؤتمر الاقتصادي المصري الأفريقي الأول لصحيفة "الأهرام إبدو"، والذي يعقد تحت عنوان "أفريقيا التي نريدها: تكامل وشراكة من أجل المستقبل". جاءذلك بحضور المهندس إبراهيم محلب رئيس وزراء مصر الأسبق، د. أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، ود.محمد فايز فرحات، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، الأستاذة نيفين كامل، رئيس تحرير الأهرام إبدو، والسادة رؤساء الهيئات الإعلامية والصحفية والإعلاميين والصحفيين وعدد من السادة السفراء.
وقالت د. رانيا المشاط، إن القارة الأفريقية تواجه اليوم لحظة فارقة تتقاطع فيها التحديات العالمية التي تتصدرها التوترات الجيوسياسية، واضطرابات سلاسل الإمداد، والتغيرات المناخية، وتحديات الأمن الغذائي، وارتفاع مستويات الديون، مما يتطلب تكاملًا ونهجًا متعدد الأطراف لمواجهتها، مؤكدة حرص مصر خلال مشاركتها في قمة مجموعة العشرين بجوهانسبرج على التأكيد أن العالم في حاجة ماسة إلى حوكمة مالية دولية أكثر شمولًا واستجابة، وأن الدول النامية — وفي مقدمتها دول القارة — يجب أن تكون قادرة على الحصول على التمويل الميسر، وأدوات التمويل غير المرتبطة بالديون، بما يسمح لها بتسريع مسارات التنمية.
وأشارت المشاط إلى كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بمناسبة إطلاق النسخة الخامسة من أسبوع إعادة الإعمار والتنمية فيما بعد النزاعات، والتي أكد فيها على التحديات الأمنية والتنموية المتشابكة التي تواجهها القارة، رغم ما تزهر به من مقومات وموارد وثروات بشرية هائلة. ولفتت إلى مشاركة مصر في القمة السابعة للاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي التي شددت على مبادئ الاتحاد الأفريقي في احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها. كما نوّهت بمواصلة مصر جهودها الفاعلة في إطار السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا "تحالف الكوميسا" لتعزيز التجارة الحرة والتكامل الاقتصادي، فضلًا عن طرح القضايا النقدية والمالية والتنموية التي تواجهها القارة من خلال اللجنة الاقتصادية لأفريقيا بالأمم المتحدة.
وأوضحت أن التكامل الإقليمي بين دول قارة أفريقيا ليس خيارًا أو رفاهية لكنه ضرورة لا غنى عنها لتمهيد السبيل نحو تحقيق التنمية الاقتصادية ومواجهة التحديات التي تقف أمام القارة، ومن هذا المنطلق فقد تشكلت سياسة مصر الخارجية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي يحرص على الدفع نحو التكامل الإفريقي. وأشارت إلى أن مصر عملت خلال فترة الرئيس السيسي للجنة التوجيهية لوكالة «النيباد» للفترة 2023–2025، على تنفيذ أولويات محددة، تسهم في تسريع وتيرة تنفيذ أجندة أفريقيا ٢٠٦٣، وإيجاد حلول مستدامة لمشكلات القارة، باتباع نهج شامل يستهدف معالجة الأسباب الجذرية للأزمات والتحديات، مشيرة إلى تمثيلها لمصر في القمة الكورية الأفريقية الأولى في عام 2024، والتي مثّلت خطوة مهمة نحو توثيق التعاون بين القارة والشركاء الآسيويين.
أضافت المشاط أن مصر قد دفعت برؤية خلال تلك القمة تقوم على ضرورة خلق شراكات أكثر ابتكارًا بين دول القارة ودول الجنوب والاستفادة من التجارب الآسيوية، في بناء تكتلات إقليمية اقتصادية قوية قادرة على مواجهة التحديات، وتبادل الخبرات والسياسات والممارسات التي تُعزز فعالية التعاون الإقليمي والدولي.
وأكدت أن التعاون بين دول الجنوب يُعد محورًا أساسيًا في سياسات الدولة المصرية، مشيرة إلى إصدار وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي في عام 2024، استراتيجية لتعزيز التعاون بين دول الجنوب والتعاون الثلاثي، تقوم على خلق شراكات فعّالة بين مصر ودول القارة والمؤسسات الدولية متعددة الأطراف، لتبادل الممارسات والاستفادة التجارب التنموية الناجحة، وعلى رأسها تنفيذ المنصة الوطنية لبرنامج «نُوفّي»، التي يجري بالفعل نقل خبراتها إلى عدة دول أفريقية من بينها تنزانيا.
كما أشارت إلى طرح مصر في عام 2020 إطارًا للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي، يقوم على «الدبلوماسية الاقتصادية»، التي وضعت أسساً واضحة للشراكات الدولية، ولآليات التمويل التنموي، وحشد الموارد بما يتسق مع الأولويات الوطنية والقارية، حيث تم توثيق هذا الإطار في كتاب من كلية لندن للاقتصاد تحت عنوان «مبادئ الدبلوماسية الاقتصادية لتعزيز التعاون الدولي والتمويل الإنمائي»، لتوثيق تجربة مصر في مجال التعاون الدولي.
وقالت المشاط إن إسهام مصر في القارة لا يقف عند المبادرات والسياسات، بل يمتد إلى مشروعات حقيقية على الأرض، تنفذها شركات مصرية وطنية في عدة دول أفريقية، في مجالات الطرق، والسدود، وشبكات البنية الأساسية، ومحطات الطاقة والمياه. وقد باتت هذه الخبرات ركيزة يعتمد عليها الأشقاء في مشروعات قومية تمتد من شرق القارة إلى غربها.
كما أشارت إلى قيام مصر بتعزيز التكامل وتبادل الخبرات مع دول القارة للاستفادة من السياسات التي تنفذها الدولة في مجال التنمية مثل المبادرة الرئاسية «حياة كريمة»، ومبادرة 100 مليون صحة، ومبادرة القضاء على فيروس سي، ومشروع التأمين الصحي الشامل، حرصًا من الدولة المصرية وقيادتها السياسية على دعم أجندة التنمية في القارة 2063، لافتة إلى أن الجهات الوطنية تستقبل باستمرار وفودًا من الدول الأفريقية الشقيقة من أجل دراسة التجارب التنموية في مختلف المجالات، بما يعكس رؤية وطنية متكاملة تقوم على التكامل بين دول القارة.
ونوهت إلى قيام الدولة في سبتمبر/أيلول الماضي، بالتعاون مع رئاسة جنوب أفريقيا لمجموعة العشرين، باستضافة الاجتماع الثالث لمجموعة العمل المعنية بالأمن الغذائي في القاهرة، ولك انعكاسًا لقناعة راسخة بأن معالجة تحديات الأمن الغذائي، يتطلب تعاونًا دوليًا، وتبادلًا للمعرفة الزراعية، وتكنولوجيا حديثة للري، ودعمًا للابتكار في إنتاج الغذاء.
وأوضحت أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، أصبحت منصة جذب عالمية للاستثمارات من مختلف دول العالم، تفتح آفاقًا كبيرة للتعاون بين دول قارة أفريقيا، ومركزًا لوجيستيًا عالميًا لدعم وتحفيز حركة التجارة الإقليمية والدولية، وتشجيع التكامل الاقتصادي بين الدول، خاصة في ظل اتفاقية التجارة الحرة القارية التي تعمل على تيسير حركة التجارة بين دول أفريقيا.
وأكدت أن موضوعات المؤتمر تُعدّ ركائز لبناء أفريقيا أكثر قدرة على المنافسة، وأكثر استعدادًا للاندماج في الاقتصاد العالمي. وأشارت إلى حرص الدولة، خلال دورها الأفريقي والدولي، على تعزيز هذه الرؤية عبر المحافل الدولية، ولا سيما في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، التي تُعدّ تجمعًا مهمًا لدول القارة مع مؤسسات التمويل الدولية متعددة الأطراف.
وتسعى مصر من خلال هذه المنصات إلى الدفع بأجندة التنمية في القارة، وإبراز أولوياتها، والمطالبة المستمرة بزيادة تمثيل وتواجد قارة أفريقيا بوجه خاص، والدول النامية بوجه عام، داخل هذه المؤسسات، باعتبار ذلك جزءًا رئيسيًا من إصلاح النظام المالي العالمي.
وفي ختام كلمتها، أكدت المشاط أن "أفريقيا التي نريدها" ليست هدفًا بعيدًا، بل هي رؤية قابلة للتحقق إذا أحسنّا استغلال الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها القارة، واستطعنا تفعيل شراكات عادلة بين دولها وشركائها، واستثمرنا الفرص المشتركة لبناء اقتصاد أكثر صلابة وقدرة على تحقيق التنمية وتوفير الوظائف وتعزيز الازدهار.
كما كرّمت مؤسسة الأهرام د. رانيا المشاط، تقديرًا لجهودها في تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية بين مصر وقارة أفريقيا، وإصدار السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية.




