نظّمت كلية إدارة الأعمال في جامعة بيروت العربية ندوة بعنوان Driving Lebanese Economy through Women Empowerment "قيادة الاقتصاد اللبناني من خلال تمكين المرأة".
واستضافت الندوة الوزيرة السابقة للتمكين الاقتصادي للنساء والشباب في لبنان فيوليت خيرالله الصفدي، والخبيرة في الاقتصاد والسياسات العامة السيدة هزار كركلا، بحضور أمين عام الجامعة د.عمر حوري، وعميد الكلية البروفيسور محمد أبو النجا، ومساعدة العميد البروفيسور هنادي طاهر، وحشد أكاديمي وإداري وطلابي.
في كلمتها الافتتاحية، أكدت مساعدة العميد البروفيسور هنادي طاهر أنّ حضور المرأة في الاقتصاد ليس مجرد انعكاس لكونها "نصف المجتمع"، بل تجسيد لدورٍ يلامس المجتمع بأكمله. وشددت على أن التطور جزء أصيل في شخصية المرأة، لافتةً إلى أنّ اللبنانية أثبتت، بمختلف مستويات تعليمها، أنها ركيزة صلبة في مواجهة الأزمات وأنها الدافع الأول وراء نجاح أبنائها وتعليمهم.
من جهته، شدّد البروفيسور محمد أبو النجا، عميد الكلية، على أن هذا التمكين يتحقق عبر مسارات متعددة، تشمل: دمجها الفاعل في سوق العمل، ودعم ريادتها للأعمال والمشاريع، وإبراز القيمة الاقتصادية لمساهماتها في الأعمال غير مدفوعة الأجر. وأشار إلى أن التحليلات والدراسات الاقتصادية الحديثة تتفق على أن تعظيم الدور الاقتصادي للمرأة يسهم بشكل مباشر في الحد من مستويات الفقر وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وذلك من خلال رفع مستويات الإنتاجية والدخل والادخار والمساهمات الضريبية. وأضاف أبو النجا أن الأدلة تُظهر أن النساء الممكنات اقتصاديًا يستثمرن أكثر في صحة أطفالهن وتعليمهم، مشيرًا إلى أن تحقيق التمكين يتطلّب فرصًا متكافئة في التعليم والعمل والوصول إلى الموارد، وتعزيز حضور المرأة في مواقع القرار.

وقبل البدء بالحوار، شددت د. هدى علاء الدين من قسم الاقتصاد على الدور المحوري للمرأة في دفع عجلة التنمية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي. ووصفت سجل إنجازات المرأة بأنه شاهد حي على تأثيرها في كل مجتمع مزدهر واقتصاد منتج، مشددة على أن وجود المرأة في مواقع القيادة والإدارة والريادة ليس ترفًا بل ضرورة حيوية لتعزيز الكفاءة وتحويل التحديات إلى فرص حقيقية.

من جهتها، أكدت د. سوليكا علاء الدين من قسم الاقتصاد أن تمكين المرأة تجاوز كونه شعارًا ليصبح استثمارًا استراتيجيًا ومسؤولية وطنية تستحق الدعم الكامل. وأوضحت أن مشاركة المرأة في مواقع صنع القرار تعزز الإبداع والأداء وتبني أسسًا اقتصادية أكثر استقرارًا وازدهارًا، لافتة إلى أن غيابها يعيق التقدم، بينما حضورها يغيّر الموازين ويصنع الفارق في رسم مستقبل مستدام ومليء بالإنجازات.

بعد ذلك، أدارت د.هدى ود. سوليكا الحوار مع الضيفتين، موجهتين النقاش نحو ثلاثة محاور رئيسية، شملت القيادة والتمكين، صمود المرأة وتحديات القيادة، ونحو الريادة والتأثير.
وفي مداخلتها حول القيادة ودور المرأة اللبنانية، أكدت الوزيرة فيوليت خير الله الصفدي على أنّ القائد الحقيقي هو من يتحمّل المسؤولية ويتخذ القرارات الصعبة لمصلحة الجماعة، حتى لو خسر جزءًا من شعبيته. وشددت على أنّ النجاح لا يرتبط بالجنس بل بالعمل والمثابرة والالتزام.
وأشارت إلى أنّ المرأة اللبنانية دفعت أثمانًا باهظة منذ عام 2019، لكنها بالرغم من كلّ التحديات أثبتت قدرتها على النهوض وصناعة الفرص من قلب الأزمات. وكشفت أنّ دخولها مواقع القرار لم يكن سهلاً، إذ كانت غالبًا المرأة الوحيدة بين عشرات الرجال، في وقت كان عليها أن تثبت أنّ وجودها ليس لملء فراغ أو لتلبية كوتا، بل لأنها قادرة على الإنجاز وصنع الفرق. رغم أن قناعتها بأن اعتماد الكوتا ضروري لكسر العادات النمطيّة والصعود التدريجي للنساء في مواقع القرار.
وأضافت أنّ من يعمل في الشأن العام، خصوصًا النساء، يواجه نظرات الشك والتساؤل حول الجدارة، لكن الاصرار على النجاح ليس له جنس، والتجارب الإنسانية تعطي دائمًا معنى للعمل العام. وروت حادثة خلال إحدى الندوات حول الزواج المبكر، حين تقدّمت منها مجموعة صبايا، إحداهنّ باكية، شاكرةً مواقفها وداعية إلى مزيد من العمل لحماية الفتيات. وقالت إنّ "نظرة الأمل هذه كفيلة بأن تُنسي كل الصعوبات".
وأكدت الوزيرة خيرالله الصفدي على أهمية مواصلة دعم النساء وتمكينهنّ من الوصول إلى مواقع القرار، انطلاقًا من إيمان راسخ بأنّ القيادة ليست امتيازًا بل مسؤولية ورسالة.
وختمت موجهة رسالة للشباب معتبرة أنّ لهم دورًا أساسيًا سيكون حاضراً في كل خطوة وفي كل قرار. فأمامهم مسؤوليات كبيرة، وفرص أكبر، فهم مستقبل الوطن بكل المعايير.
أما السيدة هزار كركلا فتحدثت عن خبراتها في المؤسسات الدولية، مؤكدة أن هذه المؤسسات تمنح "نظرة شاملة وواسعة على القضايا والتحديات، تتجاوز حدود لبنان والمنطقة". ووصفت كركلا هذه المؤسسات بأنها "مصنع للأفكار، وفضاء يسمح بمقارنة التجارب المختلفة والاستفادة منها، بالإضافة إلى تطوير البرامج وبرامج المساعدات والدعم".
وأوضحت أن العمل في هذه المؤسسات يتيح "مقاربة شاملة تبدأ من وضع الرؤية وتحديد الأولويات، مرورًا بصياغة السياسات وتصميم البرامج، وصولًا إلى تقييم القدرات المؤسسية، سواء كانت متوافرة أو بحاجة إلى تطوير لتنفيذ مشروع أو مبادرة محددة".
كما أشارت إلى أن هذا المسار يشمل أيضًا "البحث عن مصادر التمويل المناسبة، سواء من خزينة الدولة أو الصناديق الدولية أو القطاع الخاص»، إضافة إلى «عملية تشاور واسعة مع مختلف الجهات المعنية، وهي خطوة أساسية في أي برنامج اقتصادي".
لكنها شددت على أن نجاح التنفيذ يتطلّب أكثر من مجرد الخبرة الدولية، مؤكدة: "التطبيق الفعلي يحتاج إلى فهم عميق للواقع المحلي والخصوصيات التي تميز كل دولة، والتي لا يمكن اكتسابها إلا من خلال الخبرة الميدانية". وختمت كركلا بالقول إن "مقاربة التحديات الاقتصادية ووضع أي رؤية أو برنامج اقتصادي يتطلب رؤية شاملة، وفي الوقت نفسه فهمًا دقيقًا للسياق المحلي والبيئة التي يتم العمل ضمنها".
كما قدّمت مجموعة نصائح للطلاب، أبرزها ضرورة إيجاد منتور موثوق للاستفادة من خبرته، وامتلاك مسار مهني واضح مع قدر من المرونة لاقتناص الفرص غير المتوقعة. وشدّدت على أهمية الخروج من منطقة الراحة لاكتساب مهارات جديدة، وعدم الخوف من إبداء الرأي عند التحضير الجيد. كذلك، دعت إلى بناء بيئة داعمة وعلاقات حقيقية، وختمت بالتأكيد على قيم النزاهة والمصداقية والالتزام، معتبرة أن السمعة المهنية تُبنى منذ سنوات الدراسة الأولى.
واختتم الحوار بسلسلة من الأسئلة والمداخلات من الحضور.






