كتب آكي نيشيو نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون تمويل التنمية، مقالاً في موقع مجموعة البنك الدولي، بعد زيارته للعاصمة القطرية الدوحة، وألقائه كلمة رئيسية على هامش ندوة تثقيفية جمعت بين صندوق قطر للتنمية ومجموعة البنك الدولي،هذه الندوة سلطت الضوء على الدور المتصاعد والمتنامي لدول مجلس التعاون الخليجي والمؤسسات العربية متعددة الأطراف في تمويل التنمية العالمية:
يقف المجتمع العالمي عند مفترق طرق، إذ يواجه العالم تحديات جوهرية تشمل تغير المناخ، والصراعات، وعدم استقرار الأوضاع الاقتصادية، مما يجعل الحاجة إلى التعاون الإنمائي الفعال أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. وفي ظل هذه التعقيدات، يبرز اتجاه واضح يتمثل في الدور المتسارع والمتنامي لدول مجلس التعاون الخليجي بوصفها أكبر الدول التي تقدم المساعدات الإنمائية.
على مدى السنوات العشر الماضية، زادت التدفقات المالية الرسمية من الدول المانحة في مجلس التعاون الخليجي 7 أضعاف لتصل إلى 23.5 مليار دولار في عام 2022. هذا الرقم ليس له دلالة إحصائية فحسب، بل يعكس التزاماً راسخاً تجاه التنمية العالمية. وفيما يتعلق بنسبة المساعدات الإنمائية الرسمية إلى إجمالي الدخل القومي، تبوأت دول مجلس التعاون الخليجي مكانة رائدة بين أكثر المانحين الثنائيين سخاءً على مستوى العالم.
يشكل هذا النمو في حجم المعونات والمساعدات نقلة نوعية. ففي الوقت الذي تؤدي فيه زيادة عدد المانحين الجدد إلى توسيع قاعدة الموارد، فإن هذه الزيادة قد تؤدي أيضاً إلى تشتت المعونات وارتفاع التكاليف على الحكومات المستفيدة. أما التواجد الراسخ لدول مجلس التعاون الخليجي على المستوى الإقليمي فيعطي ميزة إستراتيجية لا تضاهى. هذه الميزة تحقق منافع هائلة للبلدان الشريكة.
إننا نرى توافقاً واضحاً بين أولويات التنمية لدى دول مجلس التعاون الخليجي والبنك الدولي، وهما يعملان في إطار من التعاون وتضافر الجهود على نحو قوي ومتزايد بالفعل:
- تُمثّل الكويت والمملكة العربية السعودية ركيزتين بارزتين في عضوية المؤسسة الدولية للتنمية على مدى أكثر من 50 عاماً، وهما ملتزمتان دوماً بدعم المؤسسة ودورها. هذا الدعم يعزز الفكرة التي مفادها أن الاستثمار في مستقبل أشد البلدان فقراً هو استثمار يحقق الرخاء العالمي في المستقبل.
 - تشارك قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بنشاط في صناديقنا الاستئمانية العالمية متعددة المانحين، مما يضمن توجيه الدعم بدقة إلى البلدان الأكثر احتياجاً.
 - تشكل المبادرة المشتركة مع قطر ومؤسسة التعليم فوق الجميع نموذجاً رائداً للتمويل المبتكر. هذه المبادرة تطرح آليات لتحويل الديون إلى نواتج تعليمية لملايين الأطفال.
 
علاوة على ذلك، فإن تسوية المتأخرات المستحقة على سوريا للمؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي مؤخراً، والتي تمت بتيسير من المملكة العربية السعودية وقطر، كانت خطوة بارزة ومحورية أسهمت في توفير التمويل اللازم للشعب السوري، وأظهرت كيف يمكن للتدخلات الإستراتيجية أن تحقق دعماً واسع النطاق.
إن آفاق شراكتنا تتوسع بفضل التزامنا المشترك بالتركيز على الأولويات. فتمويل التنمية المقدم من دول مجلس التعاون الخليجي يركز بشكل كبير على البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي. في الوقت نفسه توجّه المؤسسة الدولية للتنمية، وهي أكبر صندوق عالمي لدعم البلدان الأشد فقراً والأكثر احتياجاً، نسبة متزايدة من مواردها لمساعدة البلدان الهشة والمتأثرة بالصراعات الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي. ومن بين أكبر 15 بلداً مستفيداً من معونات دول مجلس التعاون الخليجي، هناك 10 بلدان مؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية، و6 بلدان هشة ومتأثرة بالصراعات أو دول صغيرة. ومن خلال توحيد الجهود، يمكننا تعزيز الأثر المطوب تحقيقه.
هناك إمكانية هائلة لإحداث تأثير أكبر من خلال تعزيز الموارد العالمية. لقد قدمت المؤسسة الدولية للتنمية نموذجاً أثبت جدواه، ففي العملية الحادية والعشرين لتجديد موارد المؤسسة، ساهم كل دولار قدمه المانحون في تدبير 4 دولارات إضافية لدعم البلدان النامية. ومن خلال توجيه المزيد من الموارد عبر مؤسسات قادرة على تعبئة الأموال مثل المؤسسة الدولية للتنمية، يمكننا تعزيز قوة كل دولار يُنفق بشكل جماعي وفعال.
استشرافاً لآفاق المستقبل، فإن التزامنا الجماعي بدعم المجتمعات الأكثر احتياجاً والأولى بالرعاية- من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى اليمن وسوريا - يمكن أن يفتح آفاقاً واعدة لتحقيق الرخاء. فمن خلال دمج الموارد المالية لدول مجلس التعاون الخليجي ودورها العالمي المتنامي والرائد في جمع كل ما يتعلق من معلومات ومعارف بشأن جهود التنمية وعلاقاتها العميقة على المستوى الإقليمي بأنشطة البنك الدولي وخبراته الفنية وقدرته على تعظيم الأثر المحقق على مستوى العالم بأسره، يمكننا المضي قدماً نحو بناء هيكل معونات عالمي أكثر كفاءة ومرونة وقدرة على الصمود في مواجهة الصدمات.
معاً، يمكننا ضمان أن يبشر هذا العهد الجديد من أنشطة تمويل التنمية بالأمل والازدهار الدائمين للجميع.
							  



