المتحف المصري الكبير
الفكرة واستئناف الحضارة

02.11.2025
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

د. محمود محيي الدين*

افتتاح المتحف المصري الكبير لحظة شديدة التميّز في مسيرة مصر الثقافية والحضارية، ليس فقط لما يمثله من صرح عالمي يليق بعظمة التراث المصري، ولكن أيضًا لما يعكسه من إصرارٍ على صيانة الفكرة واستمرارها عبر الزمن . فكثير من الأفكار تولد ثم تذبل وتختفي مع تغيّر الأنظمة والأولويات ، إلا أن فكرة المتحف المصري الكبير استطاعت أن تصمد لما يزيد على عشرين عامًا، بفضل إيمان القائمين عليها بأهميتها وجدارتها بالدعم والرعاية.

لقد أثبتت التجربة أن الأفكار العظيمة تحتاج إلى تراكم مؤسسي ودعم مستمر لتُثمر، فحين تتوافر الإرادة والاستمرارية يصبح من اليسير تأمين التمويل والمصادر اللازمة لإنجازها، لأن الفكرة الناضجة والقيمة تجذب الموارد المطلوبة لتحقيقها.

إن أهمية المتحف لا تكمن فقط في حداثة تقنياته أو روعة تصميمه المعماري ، بل في قيمته الحضارية والفكرية العميقة. فهذا الصرح يمثل فرصة فريدة لاستئناف مكونات الحضارة المصرية، تلك الحضارة التى قامت على ركيزتين أساسيتين هما العلم والفن وتسخيرهما للنهوض بالإنسان.

إن استعادة هذا التوازن بين المعرفة والإبداع هو ما تحتاجه مصر اليوم لتحقيق نهضتها المعاصرة. فكما كان المصري القديم يجمع بين دقة العلم وجمال الفن في كل إنجازاته، فإن ربط الماضي بالحاضر من خلال هذا المتحف يعيد إحياء روح الحضارة المصرية في صورتها الحديثة، ويدفعنا إلى تأمل العلاقة الوثيقة بين التراث والإبداع كطريق لبناء المستقبل.

ومع سعادتنا الغامرة بأن المتحف المصري الكبير سيصبح وجهةً للسائحين من مختلف أنحاء العالم، فإن من المهم أن يكون أيضًا منبرًا لإلهام المصريين أنفسهم، خاصة الأجيال الجديدة. فزيارته ينبغي لها أن تكون تجربة وطنية وثقافية متاحة لجميع المصريين من كل المحافظات، بما في ذلك طلاب المدارس والجامعات.

ففي زيارتى الأخيرة إلى المتحف البريطانى في لندن في الأسبوع الماضي، لفت نظري - إلى جانب أن أكثر أجنحته جذبًا للزوار هو القسم المخصص للحضارة المصرية القديمة - أن كثيراً من زائريه من أبناء بريطانيا أنفسهم. ومن هنا، ينبغى أن يكون المتحف المصري الكبير مصدر إلهامٍ ومعرفةٍ لمواطني مصر قبل غيرهم.

 *نشر في صحيفتي الأهرام والمصري اليوم