رئيس الجمهورية جوزاف عون
في افتتاح "الملتقى الإعلامي العربي":
لا إعلام ولا من يُعلمون أو يَعلمون خارج الحقيقة

29.10.2025
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

برعاية الرئيس اللبناني جوزاف عون وبالتعاون مع وزارة الإعلام في لبنان، إستضافت بيروت الملتقى الإعلامي العربي بدورته الحادية والعشرين والذي كان بعنوان "الإعلام والتنمية... شركاء الحاضر تحالف المستقبل"، وأُقيم الاحتفال صباح اليوم في مركز المؤتمرات والتدريب في مبنى شركة طيران الشرق الأوسط، حيث شارك فيه وزراء إعلام عرب وشخصيات دبلوماسية وسياسية وثقافية وإعلامية لبنانية وعربية ودولية، قبل انطلاق الجلسات والندوات التي تمتد ليومين، مع مراعاة التنوع الجغرافي والموضوعي العربي.

و قال الأمين العام للملتقى الإعلامي العربي المستشار ماضي عبد الله الخميس: "نلتقي اليوم في بيروت التي تتسع كسماء وتسمو كقصيدة وتفيض كأغنية خالدة، لنواصل معاً مسيرة بدأناها قبل اثنين وعشرين عاماً، حين كان الملتقى مجرد فكرة عصية على التحقيق وحلم تكسوه الصعاب، فإذا به يصبح واقعاً متجذراً، وفضاءً عربياً رحباً يعيد للإعلام العربي دوره في صناعة الوعي وحماية الحقيقة". وأضاف الخميس: "شعارنا اليوم ليس مجرد كلمات تُرفع على لافتة، بل هو رؤية عميقة لمستقبل أمة تدرك أن التنمية لا تقوم بلا إعلام، وأن الإعلام بلا رسالة تنموية يتحول إلى صدى عابر أو فراغ متكرر". ولفت إلى أن "الإعلام اليوم ليس رفاهية أو ترفاً، بل هو قوة ناعمة وجيش صامت وسلاح لا يُرى بالعين المجردة، لكنه يخترق العقول ويصوغ الوجدان. الإعلام ليس ناقلاً للخبر فحسب، بل صانع للرأي، ومانح للوعي، ومهندس للوجدان الجمعي للأمة". وختم بالقول: "نعلن طموحنا أن يكون لبنان دائماً منصة حاضنة للإعلام العربي، وعاصمة للحرية، ومركزاً للحوار، ومرفأ للكلمة التي تبقي الأمة على قيد الأمل".

وفي كلمته قال رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون: "الحقيقة مملة باهتة الإشاعة جذابة مثيرة" هذه المقولة المنسوبة إلى أحد خبراء التواصل، تجسّد كل الإشكالية المطروحة علينا وعليكم اليوم. فهي تمثل معضلة هذا العصر. وهي تؤشّر إلى معاناتنا نحن كمسؤولين. وهي تشكل مسؤوليتكم أنتم كأهل إعلام وصحافة".

واضاف:"أولاً، لماذا هي معضلة عصرنا؟ لأننا بكل بساطة، نعيش في زمن انقلابيٍ في كل معاييره ومقاييسه، وحتى – للأسف – في قيمه. زمنٌ لم تعد الحقيقة فيه قيمة مطلقة. حتى قيل وكُتب ونُظِّر، لكونه زمنَ "ما بعد الحقيقة". لن أغرق في البحث عن الأسباب. ولن أدّعي معرفة كيف انتقلنا، على مستويات أنشطة المجتمع البشري كافة، من قيمة الإنتاج إلى قيمة الاستهلاك. ومن قيمة العمل إلى قيمة الثمن. ومن قيمة العقل إلى قيمة الجيب. وبالتالي من قيمة الحقيقة إلى قيمة الغريزة المهم أننا اليومَ هنا. وهذه معضلة على مستوى العالم. علينا أن نعرفها ونتعايش معها. لكن علينا أن نسعى كل لحظة إلى عدم الخضوع لها وإلى السعي لتغييرها".

وتابع الرئيس عون: "ثانياً، لماذا هي معاناتنا نحن كمسؤولين؟ أيضاً بكل بساطة، لأنه لا يمكن لمجتمع بشري أن يتقدم ويتطور، بناءً على كذبة. ولأنه لا يمكن أن نحقق خير الإنسان، إلا بالحقيقة. ولأن كوارث البشر عبر التاريخ، كانت نتاج الأوهام والأكاذيب والأضاليل والاستثمار في إثارة الغرائز والشعبويات وفي أنصاف الحقائق أو أشباهها. فالحكم الصالح يحتاج إلى من يقول له الحقيقة. فيما الشعبويات الكارثية وحدها تقوم على التطبيل. وطبعاً على التضليل. وهنا تكمن معاناة الحاكم المسؤول. بين واجبه في مصارحة شعبه، وقيادته على درب الخلاص الصعب  وبين من يسوق الناس بالدجل، إلى طرقات الجحيم الواسعة، والمعبدة بأعذب الكلام".

 وقال فخامته:" ثالثاً، لماذا هي مسؤوليتكم؟ لأنكم رُسُلُ هذا العصر. ولأن الإشكاليات المطروحة عليكم كثيرة وكبيرة. خصوصاً في عالم يتطور تقنياً بشكل مذهل. يكفي أن نتذكر معاً، أن مهنتكم هذه أمضت قروناً طويلة في زمن الكلمة المكتوبة. ثم انتقلت في عقود قليلة إلى الكلمة المسموعة، ثم إلى الكلمة المرئية... أما الآن فهي تتحوّل لَحظوياً، من الكلمة المرقمنة، إلى عوالم جديدة مذهلة من ثورة تكنولوجية، ما زلنا ربما في اللحظات الأولى من بداياتها. مسؤوليتكم، هي في البحث عن سبل البقاء رسلاً للحقيقة في قلب هذه الانقلابات. مسؤوليتكم كيف تواكبون الزمن. وكيف تحافظون على استقلالكم المالي، في زمن ابتلاع غيلان التكنولوجيا لكل شيء. ومسؤوليتكم كيف تدافعون عن معادلات القيم الأساسية. في أن يظل الخبر، سقفه الحقيقة. فلا خبر ولا من يُخبرون، ولا إعلام ولا من يُعلمون أو يَعلمون، خارج الحقيقة. وأن تظل الحقيقة، غايتها خيرُ البشر وخيرُ النظام العام. هذه المسلّمة الأساسية لعملكم ولرسالتكم، لستُ أنا من وضعها. إنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي توافقنا عليه إطاراً ناظماً لحياتنا العامة، هو من يحددُها ويحدد حدودها. هذا الإعلان الذي أعطاكم وأعطانا كل الحقوق، وكل الحرية في التعبير، في المادة 19 منه، التي صارت عنواناً لمؤسسات وحركات وجمعيات مدافعة عن عملكم وعن حريته وحرياتكم ... هو الإعلان نفسه الذي أكد في المادة 29 منه، أنه "لا يُخضَعُ أيُّ فرد، في ممارسة حقوقه وحرِّياته، إلاَّ للقيود التي يُقرِّرها القانون، مستهدِفًا منها، حصراً، ضمانَ الاعتراف الواجب بحقوق وحرِّيات الآخرين واحترامها، والوفاءَ بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاه الجميع في مجتمع ديمقراطي"... انتهى اقتباس الإعلان".

ختم:" أعرف أن مسؤوليتكم صعبة. لأن معاناتنا كبيرة. ولأننا في زمن قاس، بقدر ما هو واعد... في مقررات كليات الإعلام القديمة، ثمة معادلة ساخرة معبرة، تعرفونها غيباً بلا شك في أن الخبر ليس في أن كلباً عض شخصاً. بل كل الخبر، في أن شخصاً عض كلباً. بينما في الحقيقة والواقع ومنطق الخيرالعام، الخبر الأصح والأدق، هو خلاف المقولتين. فالكلب أكثر أصدقاء الإنسان وفاءً وإحساساً ... والعضُّ الوحيد هذه الأيام، هو عض المظلوم على جرح الظلم والقهر والجوع، في كل أنحاء العالم ... فيما إعلام التواصل الاجتماعي، منهمك بردحيات الشتائم والسباب ... لهذا مسوؤليتكم اليوم جميعاً، أن تجعلوا من الحقيقة مجدداً، كل الخبر ... فالثابت في تاريخ جدلية الحقيقة والكذبة، أنه يمكن تضليل بعض الناس، كل الوقت. كما يمكن تضليل كل الناس، بعض الوقت. لكن يستحيل تضليل كل الناس ... كل الوقت. بناء عليه، ولأنكم أنتم من أنتم ... ولأنكم تجتمعون في لبنان... في الأرض التي وُلدت مع الكلمة... وعاشت من أجل الحرية... وناضلت لأجل الحقيقة... الحقيقة التي وحدها تحرّر .ووحدها تعمّر  ووحدها تحقق كل الخير لكل البشر أحييكم. وأتوجه بكل الشكر للمنظمين والمشاركين. وأؤكد لكم، أن عاش الإعلام الحر المسؤول الخيِّر. لتحيا شعوبنا بخير ومسؤولية وحرية".

في ختام افتتاح المؤتمر قدم الخميس ووزير الاعلام قدما درعا تكريمية  للرئيس  عون.