"جيتكس جلوبال 2025"
عندما تتحول التكنولوجيا إلى اقتصاد
والابتكار إلى سياسة عالمية

15.10.2025
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

د. خالد عيتاني*

من السوق إلى الخوارزمية

في عامه الخامس والأربعين، يثبت «جيتكس جلوبال 2025» أن التكنولوجيا لم تعد قطاعًا مساعدًا للاقتصاد، بل أصبحت محرّكه الأساسي.

ففي عالمٍ تتحول فيه البيانات إلى "نفط جديد" والعقل البشري إلى رأس المال الأهم، تتقاطع في دبي خيوط الاقتصاد والتقنية والسياسة، لتعلن عن حقبة جديدة يُعاد فيها تشكيل الأسواق عبر الخوارزميات وتُدار فيها المدن من خلال الذكاء الاصطناعي.

بين 13 و17 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، احتشد أكثر من 6800 عارض، و2000 شركة ناشئة، و1200 مستثمر من 180 دولة في مركز دبي التجاري العالمي، في مشهدٍ جسّد حقيقة أن الاقتصاد القادم يُدار بالعقول لا بالآلات.

دبي... من المنصة إلى القاطرة

منذ انطلاقه عام 1980، لم يعد "جيتكس" مجرد نافذة لعرض التقنيات، بل أصبح قاطرةً تقود التحول الاقتصادي العالمي نحو النموذج الرقمي. وفي افتتاح الدورة الأخيرة، قال عبد الله بن طوق المري، وزير الاقتصاد والسياحة الإماراتي:

"نحن لا نشارك في سباق الابتكار العالمي... بل نرسم ملامحه."

عبارة تختصر التحول الاستراتيجي الذي تعيشه الإمارات: من اقتصاد يعتمد على الموارد إلى اقتصاد معرفي مرن يقوم على الذكاء الاصطناعي والتقنيات العميقة كمحرّكات للنمو المستدام.
وتُقدّر تقارير "بلومبرغ إنتليجنس" أن يصل حجم سوق الذكاء الاصطناعي العالمي إلى 1.3 تريليون دولار بحلول عام 2030، ما يجعل الاستثمار الإماراتي في هذا المجال رهانًا استراتيجيًا على المستقبل.

التكنولوجيا كسياسة اقتصادية

تحوّل "جيتكس جلوبال" من معرض تقني إلى منتدى عالمي للسياسات الاقتصادية التكنولوجية.ففي جلساته الحوارية اجتمع صناع القرار من الشرق والغرب لرسم خريطة الاقتصاد الرقمي الجديد:

  • إيفان سولومون، وزيرة الذكاء الاصطناعي في كندا، أكدت أن "الذكاء الاصطناعي يجب أن يُدار بأخلاق إنسانية، لا بخوارزميات منفلتة".
  • إيكاترينا زهارييفا، مفوضة الابتكار في الاتحاد الأوروبي، وصفت دبي بأنها "نقطة التقاء بين السياسات الاقتصادية والتكنولوجية"، داعية إلى شراكة أوروبية-خليجية في الابتكار.
  • ومن لبنان، أعلن الوزير شربل شحادة عن إعداد استراتيجية وطنية لدمج الذكاء الاصطناعي في التعليم والإدارة، مشيرًا إلى أن "قوة لبنان تكمن في شبابه المبدع لا في موارده".

هذه الحوارات أكدت أن الذكاء الاصطناعي أصبح موضوعًا سياديًا واقتصاديًا في آنٍ واحد، وأن من يملك التقنية يملك القرار.

الذكاء الاصطناعي من منتج إلى بنية تحتية

التحول الجوهري في "جيتكس 2025" لم يكن في عدد الروبوتات أو التطبيقات، بل في الفلسفة الاقتصادية الجديدة التي بدأت تتبلور عالميًا: الذكاء الاصطناعي لم يعد منتجًا يُباع، بل بنية تحتية اقتصادية تُبنى عليها قطاعات كاملة - من التعليم إلى الزراعة، ومن الصناعة إلى الأمن السيبراني.

في أجنحة المعرض، ظهرت الشركات الناشئة كقوة جديدة تحرك السوق، حيث تُدار الاستثمارات عبر التحليل التنبّئي، وتُصاغ القرارات من خلال النماذج التوليدية، وتُدار المدن عبر خوارزميات تتعلم من سلوك سكانها.

من الثورة الصناعية إلى الثورة الخوارزمية

منذ منتصف القرن العشرين، شهد العالم أربع ثورات صناعية، لكن عام 2025 يؤرخ فعليًا لبداية الثورة الخوارزمية -الثورة التي تقودها النماذج الحسابية لا الماكينات.

ومن أبرز الاتجاهات التي ظهرت في "جيتكس 2025":

  • التعليم الذكي: نظم تعليمية متكيفة مع مستوى الطالب مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
  • الزراعة الدقيقة: مستشعرات ونماذج تحليلية ترفع الإنتاج وتقلل الهدر.
  • الطب التنبّئي: تحليل البيانات الصحية للتنبؤ بالأمراض قبل وقوعها.
  • النقل الذاتي والطاقة الذكية: أنظمة تعلم ذاتي تدير المدن بكفاءة واستدامة.
  • الروبوتات الاقتصادية: روبوتات تفاوض وتبرم العقود وتدير سلاسل الإمداد.

بهذا، يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة مساعدة إلى عامل إنتاج رئيسي في الاقتصاد الحديث.

دبي.. مختبر المستقبل العربي

تؤكد التجربة الإماراتية أن التكنولوجيا ليست غاية، بل وسيلة لإعادة هندسة الاقتصاد والمجتمع.
فمن خلال "استراتيجية الذكاء الاصطناعي" و"برنامج الاقتصاد الرقمي"، أصبحت دبي مختبرًا مفتوحًا للعالم، تُختبر فيه التقنيات قبل تعميمها، من السيارات الذاتية إلى التوأم الرقمي للمدن.

وبحسب بيانات وزارة الاقتصاد، ارتفعت مساهمة الاقتصاد الرقمي إلى أكثر من 15 في المئة من الناتج المحلي، ما يضع الإمارات في صدارة المنطقة في توظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة التنمية.

الدرس الاقتصادي من "جيتكس"

الدرس الأهم من "جيتكس 2025" هو أن الذكاء الاصطناعي لم يعد خيارًا تكنولوجيًا، بل ضرورة اقتصادية.
ففي الاقتصاد الجديد، لا يُقاس حجم الدولة بعدد المصانع أو الشركات، بل بقدرتها على توليد المعرفة وتحليل البيانات واتخاذ القرار السريع. بهذه المعايير، تدخل دبي ومعها المنطقة العربية مرحلة التحول من الثورة الصناعية إلى الثورة المعرفية.

من دبي إلى العالم

بين مؤشرات الأسهم ونبض الخوارزميات، خرج "جيتكس جلوبال 2025" برسالة واضحة:

الاقتصاد القادم لا يُدار من المصانع، بل من العقول.

وفي زمن تتسارع فيه التحولات، تثبت دبي مجددًا أنها ليست مجرد ساحة عرض للتكنولوجيا، بل مصنع للأفكار الكبرى التي تعيد رسم مستقبل الاقتصاد العالمي.

"جيتكس جلوبال 2025"ليس حدثًا تقنيًا فحسب، بل منصة استراتيجية لإعادة تعريف مفهوم الثروة والإنتاج في الاقتصاد الحديث. وبينما تتحول البيانات إلى عملة عالمية جديدة، تبقى العقول المبدعة هي رأس المال الحقيقي في معادلة النمو القادم.

* رئيس لجنة الطوارئ الاقتصادية