دعم فرنسي أوروبي لشركة
«يوتلسات - وان ويب» الاوروبية
لمنافسة العملاق "سبايس إكس" SpaceX

01.10.2025
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

د. عبد المنعم يوسف*

شركة «يوتلسات - وان ويب» ( OneWeb - Eutelsat) الاوروبية لخدمات الانترنيت والتلفزيون والتواصل عبر الأقمار الصناعية تعزز في جمعية عمومية عقدت صباح الثلثاء 30 ايلول رسملتها بمبلغ 1.5 مليار يورو لمواجهة المنافسة في الأسواق العالمية مع شركة "سبايس إكس" (SpaceX) وخدمات "ستارلينك" (Starlink).

في تحرك استثماري يعكس تصاعد رهانات الدول الأوروبية على قطاع الفضاء وضرورة السيادة الأوروبية في هذا المجال، وافق مساهمو شركة «يوتلسات» Eutelsat الأوروبية-الفرنسية في جلسة الجمعية العمومية  على زيادة ضخمة في رأس المال بقيمة 1.5 مليار يورو، تهدف إلى تمكين المشغّل الأوروبي-الفرنسي من مواجهة المنافس الأميركي العملاق "سبايس إكس" SpaceX وخدماتها "ستارلينك" المملوكة من المياردير الأمريكي إيلون ماسك، الذي يهيمن حالياً على سوق الإنترنت عبر الأقمار الصناعية.

قادت الدولة الفرنسية هذه المبادرة عبر ضخ 750 مليون يورو من أموال الخزينة العامة الفرنسية لتعزيز حصتها في «يوتلسات» إلى نحو 29.65 ، بينما تسهم المملكة المتحدة بمبلغ 163.3 مليون يورو لترفع ملكيتها إلى 10.89 %. ويدعم زيادة رأس المال كذلك كل من شركة «بهارتي سبيس» (Baharti Space) الهندية، وشركة الشحن الفرنسية-اللبنانية «سي إم إيه – سي جي إم» CMA-CGM لصاحبها رودولف سعادة، وصندوق مشاركة استراتيجي أنشأته شركات تأمين فرنسية كبرى.

يأتي هذا التمويل المنتظر والضروري في وقت تواجه فيه شركة "يوتيلسات" Eutelsat ديوناً مرتفعة، الأمر الذي يفتح أمامها متنفساً حيوياً لتوسيع نموذجها التجاري والبحث عن مصادر تمويل إضافية.

إن عملية  زيادة راسمال شركة "يوتيلسات" Eutelsat تتجاوز البعد الاقتصادي إلى رهانات إقليمية اوروبية وسياسية واستراتيجية. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان قد اعتبر في شهر حزيران - يونيو الماضي أن «يوتلسات» تشكل «قضية سيادة أوروبية» لفرنسا ولجميع دول الاتحاد الأوروبي، في إشارة إلى التبعية المتزايدة لأسواق القارة الأوروبية لشركات أميركية في مجال البنى التحتية الرقمية والفضائية. وبدأ مثل هذا الخطاب يجد صداه لدى عدد متزايد من القادة السياسيين الأوروبيين، الذين ينظرون إلى تقنيات وخدمات الفضاء كجبهة جديدة لمعادلة الاستقلالية الأوروبية التكنولوجية.

وفي ردٍ على سؤال تم طرحه خلال جلسة الجمعية العمومية المنعقدة حول تأثير إسقاط الحكومة الفرنسية السابقة في مجلس النواب وعدم تشكيل حكومة جديدة لغاية تاريخ اليوم، أكد رئيس مدير عام شركة «يوتلسات» أن الشركة ليست «متأثرة بشكل مباشر بتغيير الحكومة، غير أن التأخير في تشكيل الحكومة قد يتسبب بتأخير ضخ الحصة الفرنسية في زيادة رأس المال ويضعف هوامش السيولة المالية في الشركة، وربما التسبب في تراجع قيمة سهم الشركة في البورصات العالمية". كما اوضح الرئيس المدير العام للشركة السيد فالاتشر أن أي تعطيل في الموازنة من المحتمل أن يؤثر على العام المقبل وليس على السنة الجارية، مما يجعل خطة زيادة رأس المال والتي يفترض إطلاقها بعد مصادقة الجمعية العمومية مهددة في العام القادم.

يعتبر المراقبون الماليون والمحللون الاستراتيجيون لأسواق الانترنيت عبر الأقمار الصناعية ان دعم الدولة الفرنسية لصالح شركة "يوتيلسات" يشكل خطوة مالية واستراتيجية قوية لكنها تبقى غير كافية، طالما أن ألمانيا وبقية الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي لم تقرر بدورها لغاية اليوم الانخراط الفعلي في خطة دعم وتنمية شركة "يوتيلسات" لمواجهة المنافسة الحادة مع شركة "سبايس إكس". وفي هذا السياق، فقد صرح المفوض الأوروبي للتنمية الرقمية : «لا يمكن لبلد واحد أن يحمل بمفرده طموحاً قاريّاً بهذا الحجم؛ وعلى الإتحاد الأوروبي العمل عاجلا لإيجاد بدائل أوروبية جدية لخدمات ستارلينك، خصوصا في أوكرانيا حيث تواجه أوروبا التهديدات الأمريكية بمنع وصول هذه الخدمة في اي وقت».

تجدر الإشارة إلى أن شركة «يوتلسات» وخدمات "وان ويب" تواجه منافسة شرسة حقيقية وتطويقية من قبل شركة "سبايس إكس" وخدمات ستارلينك. ففي الوقت الذي تعتمد فيه خدمات "ستارلينك" على شبكة ضخمة من الأقمار الصناعية لشركة "سبايس إكس" تصل حاليا إلى حوالي 8000 قمر صناعي في مداراتها، في حين ترتكز خدمات «وان ويب» التابعة لـشركة «يوتلسات» على شبكة تتألف فقط من 650 قمراً صناعياً على مدارات ترتفع عن الارض ضعف ارتفاع أقمار شركة "سبايس إكس". وكانت شركة «يوتلسات» قد استحوذت على شركة «وان ويب» الإنكليزية عام 2023 بعد ان واجهت هذه الأخيرة عوائق وصعوبات مالية حادة وصلت إلى حد إعلان الإفلاس، للاستفادة من المرونة التجارية الكبيرة في الأسواق ومن الطلب المتزايد على خدمات الإنترنت الفضائي، مع تركيز التمويل الجديد على نشر 340 قمراً إضافياً في مدار أرضي منخفض (LEO) على ارتفاع يتراوح بين 1000 و1200 كلم، بتكلفة تتجاوز 2.3 مليار يورو.

إن الدعم المشترك الذي تم إعلانه  من الدولة الفرنسية ومن المملكة المتحدة لشركة "يوتيلسات" يغير المعادلة بشكل كبير. غير انني آمل ان يدفع هذا الأمر الدولة الألمانية بالانضمام كمساهم رئيسي لتعزيز مكانة «يوتلسات» كمزوّد سيادي أول لاتصالات LEO في أوروبا. ولو انني ارى أن زيادة رأس المال المقرر صباح هذا اليوم لا يشكّل سوى حلاً قصير الأمد فقط؛ ذلك أن دعم الحكومات الأوروبية خطوة أساسية وإشارة قوية، لكنها تبقى متواضعة جدا قياساً لدعم الولايات المتحدة الامريكيه لخدمات "سبايس إكس" بعشرات مليارات الدولارات. وقد لا تكفِ المبادرة ، إذا بقيت يتيمة، لضمان الإستدامة التجارية لخدمات "وان ويب" على المدى الطويل. سيما وأن المنافسة العالمية التجارية الشرسة من جهة، والسبق الزمني من جهة أخرى، وحجم الاستثمارات الضخمة والسيولة المتوافرة لشركات عملاقة مثل "سبايس إكس" الأمريكية وشركة "غيو وانغ" GuoWang الصينية وشركة "أمازون" Amazon الأمريكية في مشروعها "كويبر" Kuiper تجعل من الضروري وجود التزام اوروبي عام أوسع وأكثر استدامة لضمان نجاح «وان ويب» كبديل أوروبي حقيقي.

تجدر الإشارة إلى أن شركة "يوتيلسات" الفرنسية-الاوروببة أعربت بشكل واضح عن رغبتها في لعب دور في السوق اللبنانية لخدمات الانترنيت عبر الأقمار الصناعية عبر حصولها على ترخيص مماثل لذلك المعطى لخدمات "ستارلينك" من قبل مجلس الوزراء. وكان مسؤولون من شركة "يوتيلسات" قد حضروا الى لبنان في شهر حزيران الفائت والتقوا عددا كبيرا من المسؤولين اللبنانيين البارزين، بدءً من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الإتصالات وعرضوا عليهم إستعداد الشركة للدخول إلى السوق اللبنانية. وبناء على ذلك أرسلت شركة "يوتيلسات" لاحقا عرضا مفصلاً للدولة اللبنانية تم عرضه على مجلس الوزراء وتم ذكره في قرار مجلس الوزراء رقم 5 تاريخ 11 أيلول 2025 وتشير المصادر في وزارة الاتصالات وهيئة اوجيرو والسفارة الفرنسية في لبنان ان المفاوضات الحثيثة مستمرة مع شركة "يوتيلسات" للتوصل الى اتفاق قريب جدا يسمح بإصدار الترخيص اللازم للشركة ويسمح لها بالتالي بالمنافسة الحقيقية في السوق اللبنانية بمقابلة خدمات "ستارلينك".

في ختام أعمال الجمعية العمومية لشركة "يوتيلسات"، صرح المدير العام للـشركة السيد جان-فرانسوا فالاتشر أن عملية زيادة الرسملة التي أنجزت اليوم تُعدّ الخطوة الأولى في استراتيجية طموحة أوسع نطاقاً، تهدف إلى ضمان استمرارية نموذج العمل وتحسين الوضع المالي للشركة، وقدرة مضاعفة للانتاج والانتشار، وحضور تنافسي متزايد في الأسواق العالمية، مع البحث المستدام عن مصادر تمويل إضافية لتعزيز تنافسيتها العالمية.

*الرئيس المدير العام السابق لهيئة اوجيرو للإتصالات