قمة منظمة شنغهاي للتعاون 2025 في تيانجين
مقارنة مؤسسية ومستقبل التعددية القطبية

09.09.2025
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

د. خالد عيتاني*

انعقدت قمة منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) في تيانجين – الصين بين 31 آب و1 أيلول 2025، بمشاركةٍ واسعة تجاوزت عشرين قائدًا من دولٍ غير غربية، أبرزها الصين وروسيا والهند وإيران، في أكبر اجتماع للمنظمة حتى الآن. أكّدت القمّة خطاب السيادة وعدم التدخّل، ودَفعت نحو تقليص الاعتماد على الدولار عبر توسيع التسويات بالعملات المحلية، وأطلقت مسار تأسيس بنك التنمية لمنظمة شنغهاي لتمويل البنية التحتية والطاقة، مع حزمة تعاونٍ تكنولوجي تشمل الاقتصاد الرقمي والطاقة الخضراء. في المقابل، برزت تحديات بنيوية: تباينات المصالح بين الأعضاء، والاعتماد المفرط على الدور الصيني، وفجوة القدرات التقنية، ما قد يحدّ من سرعة الانتقال من "الرمزية" إلى "الفاعلية"، كما وتزامنت القمّة مع فعاليات وعروضٍ عسكرية أوسع في الصين حضرها كيم جونغ أون؛ وقد خلطت بعض التغطيات بين المشهدين، بينما تُظهر الروايات الرسمية وقواعد العضوية أنّ كوريا الشمالية ليست عضوًا في الـ SCO. لذا يُستحسن تمييز حضور كيم في العرض العسكري عن جدول أعمال القمّة ذاتها.

1-البعد الاقتصادي: من “إزالة الدولرنة” إلى بنية ائتمانية موازية

1.1 بنك التنمية لمنظمة شنغهاي

أُعلن في تيانجين عن بدء عملية تأسيس بنك التنمية للـ SCO لتمويل مشاريع البنية التحتية والطاقة في الدول الأعضاء—وهو إنجاز مؤسسي طال الدفع إليه منذ سنوات، ويُقارب وظيفيًا بنوك التنمية الإقليمية. التحليلات المتخصّصة تُعدّه أكثر مخرجات القمة واقعية حتى الآن (قرار تأسيسي/إطلاق العملية لا “تشغيلًا فورياً”). كما أشارت تغطيات إلى مساعدات/تعهدات صينية باليوان لدعم حزمة التعاون، فيما قدّرت “Breakingviews/رويترز” جانبًا منها بنحو 2 مليار يوان كمِنَح/مساعدات مرافقة، مع إبراز أن التفاصيل الرأسمالية والسياسات الائتمانية ما زالت قيد البناء.

1.2 العملات المحلية و”اليوان الكهربائي”

دفعت القمّة باتجاه زيادة التسويات بالعملات المحلية، مع طرح مفهوم “الـ electro-yuan” لتسوية تجارة الطاقة المتجددة—قياسًا على منطق “البترو-دولار” تاريخيًا—وهو ما يعبّر عن محاولة منظمة لتقليص هيمنة الدولار على المبادلات داخل الكتلة. هذا التوجّه رُبط أيضًا بمشروعات رياح وشمس قيد التوسّع في كازاخستان وأوزبكستان.

1.3 التقييم النقدي الاقتصادي

  • قوة الطرح: مسار “إزالة الدولرنة” داخل منظومة تجارية وطاقية نامية؛ وبداية بنية ائتمانية موازية (بنك التنمية)؛ وتلازم مالي-صناعي مع الطاقة الخضراء.
  • محدّدات التنفيذ: تفاوت عُمق أسواق المال بين الأعضاء؛ غلبة التمويل والمبادرة من جانب الصين؛ الحاجة إلى قواعد حوكمة ائتمانية شفّافة وآليات للمخاطر والجدارة الائتمانية.
  • مقارنة معيارية: مقابل بنك BRICS/NDB المرخّص له بـ 100 مليار دولار ورصيد خبرة تشغيلية منذ 2015، ما يزال بنك الـ SCO في طور التأسيس والتصميم المؤسسي.

2-البعد السياسي: سيادةٌ وتعدّدية قطبية… بين الخطاب وممكنات التطبيق

2.1 السيادة وعدم التدخّل

شدّدت البيانات الرسمية على رفض عقلية الحرب الباردة وترسيخ مبدأ السيادة وعدم التدخل، وربطت ذلك بأُطر تعاونٍ تنموي وتكنولوجي. هذا الطرح يتوافق مع المزاج العام لدى شريحة من دول الجنوب العالمي، لكنه يواجه اختبار الترجمة المؤسسية والالتزامات المتبادلة.

2.2 دينامية “RIC”: توازنات الصين–الهند–روسيا

شهدت القمّة إيماءات تقارب رمزية بين قادة الصين والهند وروسيا (RIC)، وُصفت بأنها لقطات “دفءٍ نادر” بعد أعوامٍ من البرود الحدودي والجمركي. إلا أنّ التوتّرات الحدودية الصينية-الهندية ومصالح النفوذ في آسيا الوسطى بين بكين وموسكو تبقى عقبات أمام موقف موحّد دائم.

2.3 موقف الغرب: ريبة استراتيجية لا إنكار للرمزية

ترى تقديراتٌ أميركية وأوروبية أنّ القمّة تُضيف وزنًا لرؤيةٍ صينية لـ“حوكمة عالمية” بديلة، وتُضاعف قدرة بكين على تدوير أدوات النفوذ (الطاقة-التمويل-التقنية) داخل أوراسيا، مع رصد حدودٍ واقعية لهذا المسار بسبب تناقضات الأعضاء والقيود البنيوية على اليوان.

3-البعد التكنولوجي: استقلاليةٌ تقنية أم تبعيةٌ محسّنة؟

3.1 المنصّات والمراكز الجديدة

أطلقت الصين عبر القمّة ثلاث منصّات للتعاون (الطاقة، الصناعة الخضراء، الاقتصاد الرقمي) وثلاثة مراكز (الابتكار العلمي والتقني، التعليم العالي، التعليم المهني)، إلى جانب مراكز أمنية متخصّصة لمكافحة التهديدات والجريمة المنظمة وحماية المعلومات، مع خطط عمل للذكاء الاصطناعي والطاقة المستدامة. هذه حزمة “بُنى وسياسات” تُحوّل التقنية إلى محرّك تكاملي.

3.2 الملاحة والاقتصاد الرقمي

عُزّز الانخراط في النُّظم الملاحية والاقتصاد الرقمي ضمن إطار تعاونٍ مفتوح بين الأعضاء، بوصفه بديلًا استراتيجيًا عن الاعتماد الأحادي على بنى تحتية غربية؛ غير أنّ التفاصيل الفنية (تكافؤ التوافقية والمعايير) ستبقى محدِّدًا رئيسًا لعمق الاعتمادية المشتركة.

3.3 فجوة القدرات ومخاطر “مركزية التكنولوجيا

الفجوة الشاسعة بين ريادة الصين الرقمية ومعظم الأعضاء تُهدّد بتحويل التعاون إلى تبعية تقنية ما لم تُصمَّم برامج لنقل المعرفة وبناء القدرات وسلاسل توريد مفتوحة نسبيًا. هذا التنبيه حاضر في قراءاتٍ نقدية للنتائج.

4-مقارنة SCO وBRICS وموقف الولايات المتحدة/الغرب

4.1 الفوارق المؤسسية والوظيفية

  • الطبيعة: BRICS تكتّل اقتصادي-مالي في جوهره (NDB أداة تشغيلية متقدّمة)، بينما SCO انطلقت كإطار أمني-سياسي وتتمدّد اقتصاديًا وتكنولوجيًا.
  • العضوية والجغرافيا: BRICS أشمل قاريًا (أمريكا اللاتينية وإفريقيا)، فيما تتركّز SCO أوراسيًا مع تمدّدها.
  • النضج المؤسسي: NDB برأسمالٍ مُرخّص 100 مليار دولار وسِجل تمويلي؛ بنك SCO في طور التأسيس، ما يمنحه مرونة تصميم لكنه يفتقر لخبرة التنفيذ.

4.2 الغرب: قراءة مصلحية براغماتية

في القراءة الأميركية، يُفاقم مسار التسويات بالعملات المحلية و”الـelectro-yuan” تحدّي الدولار، لكنّ القيود على قابلية اليوان للتحويل وعمق الأسواق وسلامة الإفصاح تحدّ من أثرٍ سريعٍ واسع. الاتحاد الأوروبي يراقب تثبيت نفوذٍ صيني في آسيا الوسطى وتأثيره على أمن الطاقة واللوجستيات.

5-   التحليل المالي لبنك التنمية الخاص بالـ SCO

  1. نقطة الانطلاق: قرار/إطلاق تأسيس البنك مع تعهّدات أولية باليوان ومِنَح مرافقة—لكن من دون نظام مساهماتٍ مُعلن تفصيلاً أو سياسة تسعير مخاطر واضحة حتى الآن.
  2. المقارنة المعيارية: NDB يمتلك رأسمالًا مُرخّصًا 100 مليار دولار وقواعد حوكمة مُعلنة وتجربة إصدار بالعملات المحلية؛ ما يوفر مرجعًا لِتصميم سياسات بنك الـ SCO (الرسملة، تصنيفات، أدوات الدين، حدود التركز القطري.
  3. مخاطر مفتاحية:
  • تركيز المموِّل (غلبة الصين) يهدّد بتشوّه الحوافز والحوكمة.
  • مخاطر الديون بالعملات المحلية (سيولة ثانوية، عمق سوق سندات الأعضاء، تكاليف التحوّط).
  • اعتمادية المشاريع على سلاسل توريد صينية قد تُقوّض مقاصد التنويع.
  1. فرص تصميم ذكي: رأسمالٌ مرن “قابل للسَّحب/الدفع”، واجهة تمويلٍ مُركّب (قروض + ضمانات + سندات خضراء بالعملات المحلية)، وربط المنح التقنية ببرامج نقل معرفة إلزامية.

6- التأثيرات الثقافية-الاجتماعية (التي أثيرت في النقاش الأصلي)

أتاح توسيع التعاون الاقتصادي والتقني فرص تبادلٍ ثقافيٍ وتعليمي قد يُقلّص التوتّر الثقافي ويُحسّن الفهم المتبادل بين الشعوب—شريطة ألا تُستَخدم أطر التعاون الرقمي لتوسيع الرقابة، وأن تُصمَّم برامج تبادلٍ متوازنة ومفتوحة.

7-   السيناريوهات المستقبلية (2025–2040)

7.1 سيناريو إيجابي (ديناميكية تكامل متدرّج)

  • تشغيل بنك الـ SCO خلال 2–3 سنوات بسياسات ائتمانٍ واضحة.
  • صعود تدريجي للتسويات بالعملات المحلية في الطاقة الخضراء (“electro-yuan” وغيرها) داخل الكتلة؛ تراجع نسبي لوزن الدولار في التجارة intra-SCO بحلول 2030.

7.2 سيناريو سلبي (رمزية بلا أدوات)

  • استمرار التباينات السياسية، وتعثّر الرسملة المشتركة؛ تحوّل البنك إلى ذراع تمويلٍ شبه أحادي، وتراجع شهية المخاطر لدى الأعضاء غير الصين.

7.3 السيناريو المرجّح (مسارٍ وسطي واقعي)

  • تكامل انتقائي اقتصادي-تقني يتقدّم حيث تقلّ الاحتكاكات السياسية (الطاقة المتجددة، النقل، الاقتصاد الرقمي)، مع بقاء القضايا الحدودية والإقليمية مكابح على التوحيد السياسي

أكدت قمة تيانجين 2025 إرادةً واضحة لإعادة تشكيل الاقتصاد السياسي الدولي: سيادةٌ وعدم تدخّل، تمويلٌ تنموي بديل، “إزالةٌ مُدارة للدولرنة”، وتسخيرٌ للتكنولوجيا كقوة إنتاجية. غير أنّ الانتقال من الرمزية إلى الفاعلية مرهونٌ بثلاثة شروط: (1) استكمال تصميم بنك الـ SCO بترتيبات رأسمالية وتوزيع أعباء متوازنة، (2) تقليص فجوة القدرات التقنية عبر برامج نقل معرفة إلزامية، (3) إدارة تناقضات RIC وتحييدها عن مسارات التعاون الاقتصادي. عندها فقط يمكن أن تتحول القمّة من حدثٍ دالّ إلى مؤسَّسةٍ مُشكِّلة في بنية النظام متعدد الأقطاب.

*رئيس لجنة الطوارئ الاقتصادية