الصين الذكية: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي
رسم قواعد الحرب والاقتصاد العالمي؟

08.09.2025
د. خالد عيتاني
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

د. خالد عيتاني*

منذ مطلع 2024، ثم على نحوٍ أوضح خلال 2025، انتقلت الصين من مرحلة “اللحاق السريع” إلى “التوظيف واسع النطاق” للذكاء الاصطناعي عبر محورين متلازمين: عسكري يشمل التسليح الذكي، الطائرات المسيّرة، الحرب المضادّة للمسيّرات، والأنظمة غير المأهولة تحت البحر وفوقه؛ واقتصادي–صناعي يرتكز على رقمنة الإنتاج، تطوير نماذج مفتوحة ومنخفضة الكلفة، ومناورة سياسية تستثمر موقع الصين في المعادن النادرة مقابل حاجة الغرب إلى أشباه الموصلات المتقدمة.

يتناول هذا المقال هذه التحولات من خلال دمج التحليل الزمني والتقني مع مقاربات أكاديمية مثل توازن القوى، والردع غير المتماثل، ونظرية الاعتماد المتبادل المركّب، لتفسير ملامح المرحلة الجديدة في الاستراتيجية الصينية.

الخط الزمني للأحداث المفصلية (2024 – سبتمبر/أيلول 2025)

  • يناير 2025: تقرير The Economist يؤكد أن صناعة الذكاء الاصطناعي الصينية “كادت تلحق بالأميركية” بفضل النماذج المفتوحة والكفاءة الحسابية.
  • مارس 2025: مقال ألكسندر وانغ (Scale AI) يحذر من هيمنة صينية محتملة على “حرب الوكلاء الخوارزمية”.
  • أبريل 2025: استعداد هواوي لشحن شريحة Ascend 910C على نطاق أوسع.
  • يونيو 2025: إفادة أميركية أمام الكونغرس تقدّر قدرة هواوي ≤ 200 ألف شريحة متقدمة في 2025.
  • يوليو 2025: رويترز تكشف خطط Nvidia لاستئناف بيع H20 إلى الصين ضمن قيود الأداء.
  • أغسطس 2025:
  • Breakingviews بكين تكثف الضغط على Nvidia بشأن H20، مقابل مساعٍ أميركية لتقييد المبيعات.
  • إعلان بكين رسميًا كبح “المنافسة غير المنظّمة” في قطاع الذكاء الاصطناعي.
    7-سبتمبر 2025: استعراض عسكري ضمن قمة شنغهاي للتعاون، يظهر DF-17 الفرط صوتي، JL-3 الباليستي، DF-61 الجديد، منظومات ليزر وموجات ميكروية مضادّة للمسيّرات، ومسيّرات بحرية وجوية غير مأهولة.

البعد العسكري – من التحوّط بالعتاد إلى التحوّط بالخوارزميات

المنصات والأنظمة البارزة

أظهر عام 2025 تعزيز الصين لقدراتها الصاروخية (DF-17 الفرط صوتي، DF-5C العابر للقارات، JL-3 الباليستي من الغواصات، DF-61 الجديد)، وهو ما يمنحها طبقات متعددة من الردع والقدرة على اختراق أنظمة الدفاع. في المقابل، عززت منظومات الليزر والموجات الميكروية عالية الطاقة إمكانات الردع ضد أسراب المسيّرات الرخيصة، بما يعكس تطبيقًا عمليًا لمفهوم الردع غير المتماثل.

كما شهد المجال البحري إدخال أنظمة مسيّرات سطحية وغواصات غير مأهولة كبيرة السعة، قادرة على المراقبة وزرع الألغام الذكية وتهديد الممرات الحيوية بتكلفة أدنى.

الذكاء الاصطناعي كمضاعِف قوة

أصبح الذكاء الاصطناعي عنصرًا جوهريًا في تعزيز القدرات العسكرية عبر:

  • الدمج المدني–العسكري (Civil–Military Fusion): استثمار البنية التكنولوجية المدنية لتسريع إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي في القيادة والسيطرة والمحاكاة.
  • طلب مباشر على شرائح أجنبية: سعي PLA للحصول على شرائح Nvidia (H100/RTX 6000) رغم القيود، لتشغيل نماذج ضخمة (مثل DeepSeek-R1-671B) واستخدامات روبوتية ميدانية.
  • حرب الوكلاء الخوارزمية (Agentic Warfare): بيئات قتال تقودها خوارزميات قادرة على الاستشعار واتخاذ القرار المستقل، ما يعكس تحوّلًا في طبيعة الحرب.

مكامن الضعف العسكرية

رغم هذه التطورات، تعاني الصين من:

  • هشاشة في سلاسل التوريد الداخلية.
  • نقص في الكفاءات البحثية مقارنة بوادي السيليكون.
  • اعتماد جزئي على النماذج المفتوحة الأجنبية.
  • محدودية في الخبرة القتالية الفعلية لاختبار الأنظمة.

البعد الاقتصادي–الصناعي – كفاءة برمجية تعوّض فجوة العتاد

  1. الشرائح المحلية: شريحة Ascend 910C تمثل بديلًا محليًا لكنه ما يزال أقل كفاءة من شرائح إنفيديا. سقف الإنتاج المعلن (≤200 ألف شريحة) أدنى بكثير من حجم الطلب المحلي.
  2. معادلة “H20 مقابل المعادن النادرة”: استئناف بيع Nvidia H20 إلى الصين يعكس شكلًا من أشكال الاعتماد المتبادل المركّب؛ حيث يعتمد الغرب على المعادن النادرة المكررة صينيًا، فيما تحتاج بكين إلى الرقائق المتقدمة.
  3. الكفاءة البرمجية والنماذج المفتوحة: الصين تقلّص فجوة الأداء عبر تحسين ضغط النماذج والتوازي الحسابي، ما يخفض الكلفة ويفتح مجالًا للتبني الاقتصادي الواسع.
  4. المخاطر التنظيمية: إعلان بكين ضبط “المنافسة غير المنظّمة” يهدف لتقليل الهدر، لكنه قد يضر بالابتكار إذا تحوّل إلى مركزية مفرطة.

البعد السياسي–الجيوسياسي

ساحات النفوذ الرقمي

تمدد الصين في أميركا اللاتينية وأفريقيا عبر الاستثمار في البنى التحتية الرقمية واستخدام الذكاء الاصطناعي كأداة نفوذ، ما دفع واشنطن إلى الدعوة لنهج مضاد.

القوة الناعمة والتعاون جنوب–جنوب

تسعى بكين إلى ترويج نفسها كـ“مزوّد مسؤول” للبنى الرقمية، مدعومة بخطاب إعلامي يركز على الشراكة بدل الإقصاء.

البعد المقارن

  • الهند تركّز على البرمجيات والخدمات.
  • روسيا تعتمد عسكرة مباشرة لكنها تفتقر إلى قاعدة صناعية قوية.
  • أوروبا تركّز على التنظيم والحوكمة.
    في هذا السياق، تبدو الصين أكثر براغماتية عبر ربط التطبيقات العملية بالقوة الاستراتيجية.

الرسائل السياسية للعروض العسكرية

العروض العسكرية في قمة شنغهاي لم تكن استعراضًا تقنيًا فحسب، بل رسالة سياسية عن موقع الصين في إعادة تشكيل النظام الدولي.

أبعاد غير تقليدية

  • الأثر البيئي: اعتماد الصين على المعادن النادرة يقترن بتكاليف بيئية عالية (تلوث واستنزاف)، ما قد يتحول إلى نقطة ضعف سياسية.
  • الاستقرار الحدودي: عسكرة الذكاء الاصطناعي في مناطق حساسة مثل بحر الصين الجنوبي والهيمالايا يزيد من احتمالية وقوع حوادث غير محسوبة.

السيناريوهات المستقبلية (12 – 36 شهرًا)

  1. هدنة الاعتماد المتبادل (مرجح): استمرار تدفق H20 مقابل المعادن النادرة.
  2. تصعيد انتقائي (ممكن): تشديد أميركي على الرقائق يقابله تقييد صيني للمواد الخام.
  3. قفزة برمجية صينية (ممكن): تحسينات في ضغط النماذج تجعل الأداء مقاربًا على عتاد أضعف.
  4. اختناق تنظيمي/تمويلي (أقل ترجيحًا): مركزية مفرطة تضعف الابتكار.

التوصيات

  • مراقبة معادلة الرقائق–المعادن كأداة مبكرة للتصعيد.
  • قياس الكفاءة/التكلفة بدل القدرة الاسمية فقط.
  • الاستثمار في دفاعات غير حركية ضد أسراب المسيّرات.
  • بناء شراكات بديلة في أميركا اللاتينية وأفريقيا.
  • تعزيز الحوكمة البيئية في سلاسل المعادن النادرة.

تكشف الفترة 2024–سبتمبر 2025 عن ثنائية دقيقة: تصعيد عسكري–تقني يعتمد على الردع غير المتماثل، واعتماد متبادل اقتصادي يعمل كـ“قاطع دائرة” يمنع الانفجار الكامل.

لكن يبقى السؤال: هل سيظل هذا القاطع صامدًا أمام ضغوط التصعيد، أم أن التوازن بين الرقائق والمعادن النادرة سينكسر ليدفع العالم نحو موجة جديدة من سباق التسلح والاضطراب الاقتصادي العالمي؟

*رئيس لجنة الطوارئ الاقتصادية