د. خالد عيتاني*
مع دخول عام 2025، تتسارع التحولات في سوق العمل العالمي بفعل الذكاء الاصطناعي، الأتمتة، التحول الرقمي، والاقتصاد الأخضر. لم تعد الشهادات الجامعية وحدها ضمانةً للاستقرار المهني، بل أصبحت إعادة التعلّم (Re-skilling)، تطوير المهارات (Up-skilling)، وتنويع المهارات (Cross-skilling)، عوامل مصيرية لبقاء الأفراد والشركات في دائرة المنافسة.
1- إعادة التعلّم لمواجهة اندثار الوظائف: e-skilling
تشير تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي (Future of Jobs Report 2025) إلى أن 50 في المئة من الموظفين بحاجة إلى إعادة التعلّم بحلول 2025 بسبب سرعة تبنّي التكنولوجيا.
مثال: موظف في قطاع الطباعة التقليدية يتحول إلى مختص في التسويق الرقمي أو إدارة المحتوى.
الأثر الاقتصادي: يحدّ من البطالة الهيكلية الناتجة عن اندثار بعض المهن، ويفتح مسارات عمل جديدة.
الواقع الحالي: مسوحات edX أظهرت أن 42 في المئة من الموظفين يشاركون بالفعل في برامج إعادة التعلّم، فيما يخطط 52 في المئة للانخراط فيها خلال أشهر قليلة.
2- تطوير المهارات لتعزيز التنافسية: Up-skilling
يتعلق بتحديث المهارات القائمة لمواكبة التكنولوجيا الحديثة.
مثال: محاسب يتعلم أدوات التحليل المالي بالذكاء الاصطناعي.
الواقع في 2025: حوالي 57 في المئة من الموظفين حول العالم يشاركون في برامج تطوير مهارات إضافية، و70 في المئة منهم يرون أن ذلك يزيد فرصهم بالحصول على ترقية أو زيادة في الراتب.
الأثر الاقتصادي: رفع الإنتاجية وتحسين جودة العمل. شركات كبرى مثل Amazon وMicrosoft، تستثمر مليارات الدولارات في برامج Up-skilling لتقليل نسب الاستقالة وتعزيز الكفاءات الداخلية.
3- تنويع المهارات وبناء المرونة: Cross-skilling
هو الجمع بين مهارات مختلفة لتمكين الموظف من العمل عبر تخصصات متعددة.
مثال: موظف خدمة العملاء يكتسب مهارات تحليل البيانات لفهم سلوك المستهلك.
في 2025: هذا الاتجاه يحظى باهتمام متزايد، خصوصًا مع الضغوط على المؤسسات لتقليل الاعتماد على فرق متفرقة. تقارير حديثة (GovExec, 2025) تؤكد أن cross-skilling يبني فرقًا أكثر مرونة وكفاءة، ويقلل من تعطّل العمل عند غياب أحد الموظفين.
الأثر الاقتصادي: يعزز قدرة المؤسسات على مواجهة الأزمات ويختصر الوقت في حل المشكلات.
4- تحديات وفرص في سوق العمل 2025
الفجوة الرقمية: المملكة المتحدة مثلًا تسجل أكثر من 11,000 وظيفة شاغرة في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني بسبب نقص الكفاءات الرقمية.
التحدي في آسيا والشرق الأوسط: 58 في المئة من قادة التعلم والتطوير يعتبرون فجوات المهارات وبطء تبنّي الذكاء الاصطناعي التحدي الأكبر أمام مؤسساتهم.
المعادلة العالمية: المنتدى الاقتصادي العالمي يتوقع بحلول 2030 خلق 170 مليون وظيفة جديدة مقابل اختفاء 92 مليون وظيفة، محققًا صافي نمو يقارب 78 مليون وظيفة.
5- خارطة الطريق لعام 2025
للأفراد: تبنّي "التعلّم مدى الحياة" والتركيز على مزيج من المهارات التقنية (كالذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات) والمهارات الإنسانية (التفكير النقدي، الإبداع، التعاون).
للمؤسسات: الاستثمار في برامج تدريب شاملة، وتبنّي سياسة التوظيف القائمة على المهارات لا الشهادات فقط.
لصانعي القرار: إدماج مهارات المستقبل ضمن المناهج التعليمية، وبناء شراكات مع الشركات العالمية لنقل الخبرات التكنولوجية إلى القطاعات المحلية.
خاتماً:
لقد أصبح واضحًا أن Re-skilling، Up-skilling، وCross-skilling ليست ترفًا، بل ضرورة اقتصادية واجتماعية. ففي عالم 2025، المهارة هي العملة الأهم، والقوى العاملة الأكثر تطورًا ومرونة هي التي ستحدد مستقبل الاقتصادات الوطنية.
فالدول والشركات التي تستثمر في هذه الاستراتيجيات فقط ستتمكن من مواجهة البطالة، تعزيز الابتكار، والتموضع بقوة في الاقتصاد الرقمي والمعرفي القادم.
رئيس لجنة الطوارئ الاقتصادية*