الابتكار الرقمي يدفع نمو الادخار
في الاقتصادات النامية

17.07.2025
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

أظهر تقرير المؤشر العالمي للشمول المالي، الصادر عن مجموعة البنك الدولي، أن نسبة البالغين في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط ممن يمتلكون حسابات مصرفية أو أدوات مالية رسمية، بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق. هذا التقدم الملحوظ ترافق مع ارتفاع في معدلات الادخار عبر القنوات الرسمية، مدفوعاً بقوة الابتكار الرقمي. وقد ساهمت تقنيات الهاتف المحمول بشكل محوري في هذه الطفرة، إذ أفاد 10 في المئة من البالغين في الاقتصادات النامية بأنهم استخدموا حسابات مالية عبر الهاتف المحمول لأغراض الادخار، مسجلين بذلك ارتفاعاً بمقدار خمس نقاط مئوية مقارنة بعام 2021.

في عام 2024، بلغ عدد البالغين الذين قاموا بادخار أموالهم في حسابات مالية رسمية في الاقتصادات النامية نحو 40 في المئة، ما يمثل زيادة قدرها 16 نقطة مئوية مقارنة بعام 2021، وهي أسرع وتيرة نمو تُسجّل في هذا المجال خلال أكثر من عقد. ويُعدّ هذا الارتفاع في معدلات الادخار الشخصي، سواء عبر البنوك أو مؤسسات مالية رسمية أخرى، عاملاً مهماً في تقوية الأنظمة المالية الوطنية، إذ يسهم في توفير موارد إضافية للاستثمار وتعزيز الابتكار وتحفيز النمو الاقتصادي. وفي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء تحديدًا، ارتفعت نسبة الادخار الرسمي بين البالغين بمقدار 12 نقطة مئوية، لتصل إلى 35 في المئة.

وتعليقاً على ذلك، صرح أجاي بانغا، رئيس مجموعة البنك الدولي قائلاً: "يمكن للشمول المالي أن يحسن حياة الأفراد وأن يحدث تحولات جذرية في اقتصادات بأكملها، كما يمكن للتمويل الرقمي أن يترجم هذه الإمكانات إلى واقع ملموس، ولكن يتطلب ذلك توفر العديد من العناصر الأساسية. وعلى مستوى مجموعة البنك الدولي، نعمل جاهدين على تحقيق ذلك". وتابع: "إننا نساعد البلدان على تمكين شعوبها من الحصول على بطاقات هوية رقمية جديدة أو متطورة، كما نقوم بإنشاء برامج للحماية الاجتماعية مزودة بأنظمة رقمية للتحويلات النقدية بهدف توفير الموارد بصورة مباشرة للمحتاجين، فضلاً عن تحديث أنظمة المدفوعات والمساعدة في إزالة الحواجز التنظيمية حتى يتسنى للأفراد والشركات الحصول على التمويل الذي يحتاجون إليه من أجل الابتكار وخلق فرص العمل."

من جانبه قال بيل غيتس، رئيس مؤسسة غيتس وأحد داعمي المؤشر العالمي للشمول المالي: "اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يمتلك العديد من الأشخاص الأدوات المالية اللازمة للاستثمار في مستقبلهم وبناء القدرة الاقتصادية على الصمود أمام الصدمات. من بين هؤلاء الأشخاص النساء وغيرهم ممن كانوا في السابق متخلفين عن الركب، مما يمثل تقدماً حقيقياً". وأضاف: "إن الأسباب المنطقية والدوافع القوية للاستثمار في الأنظمة المالية الشاملة للجميع، والبنية التحتية الرقمية العامة، وخدمات الربط الشبكي واضحة للغاية. هذا المسار أثبت فعاليته في فتح المجال أمام الفرص للجميع".

الشمول المالي يتسارع رقمياً

تجدر الإشارة إلى أن المؤشر العالمي للشمول المالي يُعدّ المرجع الرئيسي والموثوق لقياس مدى الوصول إلى الخدمات المالية على مستوى العالم، بدءًا من عمليات الدفع، مرورًا بالادخار، ووصولًا إلى الاقتراض. وقد كشف المؤشر عن تقدم كبير في هذا المجال، إذ أصبح 80 في المئة من البالغين حول العالم يمتلكون حسابات مالية، مقارنة بنسبة 50 في المئة فقط في عام 2011، ما يُعد إنجازًا بارزًا في مسيرة الشمول المالي.

ومع ذلك، لا يزال نحو 1.3 مليار بالغ محرومين من الوصول إلى الخدمات المالية. وهنا تبرز أهمية الهواتف المحمولة كأداة فعّالة لسد هذه الفجوة، إذ يُظهر التقرير أن حوالي 900 مليون شخص من غير الحاصلين على حسابات مالية يمتلكون هواتف محمولة، من بينهم 530 مليونًا يملكون هواتف ذكية.

كما تظهر بيانات المؤشر العالمي للشمول المالي أن الخدمات المالية الرقمية تساعد في تضييق الفجوة بين الجنسين في امتلاك الحسابات، فعلى مستوى العالم، يمتلك 77 في المئة من النساء حسابات مقابل 81 في المئة من الرجال. وفي البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، تضاعفت ملكية النساء للحسابات تقريباً من 37 في المئة في عام 2011 إلى 73 في المئة في عام 2024.

هذا ولأول مرة، يتضمن التقرير بيانات حول ملكية الهواتف المحمولة الشخصية واستخدام الإنترنت. فعلى الصعيد العالمي، يمتلك 86 في المئة من البالغين هواتف محمولة، بما في ذلك 68 في المئة من البالغين الذين لديهم هواتف ذكية، وذلك وفقاً لأداة تتبع الربط الرقمي الخاصة بالمؤشر العالمي للشمول المالي لعام 2025. جدير بالاعتبار أن تزايد استخدام الهواتف المحمولة في المعاملات الرقمية يصاحبه مخاطر جديدة. فمن بين 4 مليارات شخص بالغ في الاقتصادات المنخفضة والمتوسطة الدخل يمتلكون هواتف محمولة، لا يستخدم سوى نصفهم تقريباً كلمة المرور لحماية هواتفهم.

في جميع البلدان النامية، يستخدم المزيد من البالغين أيضا الهواتف المحمولة أو البطاقات للدفع للتجار. وفي عام 2024، أجرى 42 في المئة من البالغين في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل مدفوعات داخل المتاجر أو عبر الإنترنت، ارتفاعاً من 35 في المئة في عام 2021. ويحصل ثلاثة أرباع البالغين الذين يتلقون مدفوعات حكومية، ونصف العاملين بأجر، على أموالهم من خلال حساب. هذه الممارسة تساعد في الحد من السرقة وضمان وصول الأموال إلى الشخص المناسب.

تنوع وتقدم متباين في الشمول المالي

ومن خلال قراءة أبرز الملامح الإقليمية، يتضح تنوع التجارب وتفاوت مستويات التقدم في الشمول المالي الرقمي عبر مناطق العالم، مع تسجيل بعض المناطق أداءً لافتًا في توسيع نطاق الوصول إلى الخدمات المالية.

ففي منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، تتصدر المنطقة المشهد العالمي في الربط الرقمي واستخدام الخدمات المالية، إذ يمتلك 86 في المئة من البالغين هواتف ذكية، و83 في المئة منهم لديهم حسابات مالية.

أما منطقة أوروبا وآسيا الوسطى، فتمتاز بأعلى معدلات استخدام الإنترنت والتفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي بين الاقتصادات النامية، مع بلوغ نسبة ملكية الهواتف المحمولة فيها أكثر من 94 في المئة.

وفي أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، يمتلك نحو 70 في المئة من البالغين حسابات مالية، ويستخدم أكثر من نصفهم هذه الحسابات عبر أدوات رقمية كالبطاقات أو الهواتف.

أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد شهدت تحسنًا ملحوظًا، حيث ارتفعت نسبة امتلاك الحسابات من 45 في المئة في عام 2021 إلى 53 في المئة في عام 2024، كما ارتفعت نسبة الادخار الرسمي من البالغين إلى 17 في المئة، مقارنة بـ 11 في المئة فقط قبل ثلاث سنوات.

وفي جنوب آسيا، يمتلك حوالي 80 في المئة من البالغين حسابات مصرفية، ويُعزى هذا المعدل المرتفع بشكل أساسي إلى الهند، حيث يمتلك 90 في المئة من الرجال والنساء حسابات مصرفية، و65 في المئة منهم لديهم هواتف محمولة.

أما في أفريقيا جنوب الصحراء، فقد ارتفعت نسبة البالغين الذين يمتلكون حسابات مالية إلى 58 في المئة، مقارنة بـ 49 في المئة في عام 2021. وتتميز المنطقة بمستوى عالٍ من استخدام الحسابات المالية عبر الهاتف المحمول، وهو من بين الأعلى على مستوى العالم.