هل نشهد ولادة عملاق نفطي جديد؟
شل في مفاوضات أولية لشراء "بي بي":
التداعيات والأبعاد

26.06.2025
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

في تطور مثير قد يعيد رسم ملامح صناعة النفط العالمية، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن شركة شل تجري محادثات أولية للاستحواذ على منافستها البريطانية "بي بي" في ما قد يصبح أكبر صفقة اندماج نفطية منذ عقود. وعلى الرغم من نفي شل الرسمي ووصفها لما ورد بـ"تكهنات سوقية"، فإن التقرير أعاد إشعال نقاشات واسعة حول جدوى الصفقة، دوافعها المحتملة، وتداعياتها النفطية والجيوسياسية والاقتصادية.

خلفية الصفقة: نقطة تحول في مسيرة "بي بي" المتعثرة

تأتي هذه الأنباء في وقت تواجه فيه "بي بي" ضغوطًا متزايدة بعد سنوات من الأداء الضعيف مقارنةً بنظرائها، خاصة بعد تبنيها استراتيجية طموحة للتحول إلى الطاقة المتجددة تبيّن لاحقًا أنها مكلفة وغير مربحة على المدى القصير. ومع تراجع ثقة المستثمرين، تدخل صندوق "إليوت" الاستثماري كمساهم ناشط يمتلك أكثر من 5% من أسهم "بي بي"، مطالبًا بإعادة توجيه الاستراتيجية وزيادة العائدات. في المقابل، عادت الشركة مؤخرًا للتركيز على النفط والغاز وخفضت استثماراتها في الطاقة النظيفة، وبدأت في بيع أصول غير أساسية مثل وحدة زيوت التشحيم "كاسترول" وجزء من ذراع الطاقة الشمسية "لايتسورس".

دوافع شل: من موقع قوة نحو تعزيز الهيمنة

أما شل، التي تبلغ قيمتها السوقية أكثر من 200 مليار دولار، فهي تدخل هذه المحادثات المحتملة من موقع قوة، بعد أداء قوي في السوق مقارنةً بـ"بي بي". وتعكس استراتيجيتها الحالية ميلاً واضحًا نحو التركيز على الأنشطة الأكثر ربحية، لا سيما الغاز المسال وتجارة الطاقة، مع تقليص طموحاتها المناخية بشكل تدريجي. كما أنها بدأت بالفعل عمليات بيع أصول بتروكيماوية في أوروبا والولايات المتحدة لتعزيز قوتها المالية.

الاستحواذ على "بي بي" قد يمنح شل شبكة أوسع من الأصول، ويعزز حضورها في مناطق مثل خليج المكسيك، ويمنحها سيطرة أكبر على سوق الغاز الطبيعي المسال – وهو مجال تعتبر فيه بالفعل رائدة عالمية.

تداعيات محتملة: من إعادة التموضع إلى التحديات التنظيمية

إذا تم إتمام الصفقة، فإنها ستشكل تحوّلًا جذريًا في موازين القوى بين عمالقة الطاقة، وقد تضع الكيان الجديد في موقع منافس مباشر لأمثال "إكسون موبيل" و"شيفرون" من حيث الحجم والنفوذ. لكنها أيضًا ستكون معقدة من الناحية التشغيلية بسبب تداخل الأصول والثقافات المؤسسية المختلفة، ما سيتطلب سنوات من الدمج واعادة الهيكلة.

على الصعيد السياسي والتنظيمي، قد تكون الصفقة أكثر تقبلًا من قبل السلطات البريطانية في حال تمت بين شركتين محليتين، خاصة مع الحساسية المرتبطة بتاريخ "بي بي" العريق وجذورها الاستعمارية في الشرق الأوسط. كما قد ينظر إليها كوسيلة للحفاظ على السيطرة البريطانية على أصول حيوية في ظل تزايد اهتمام مستثمرين أجانب – لا سيما من الصين والهند – بأصول الطاقة الغربية.

السياق الأوسع: موجة اندماجات في قطاع الطاقة

الحديث عن الصفقة يأتي في ظل موجة متصاعدة من صفقات الدمج والاستحواذ في قطاع النفط، مع سعي الشركات الكبرى لتحقيق وفورات الحجم والاستعداد لعصر جديد من الطلب المتقلب والتحولات الطاقوية. فقد استحوذت "إكسون" العام الماضي على "بايونير ناتشورال" بقيمة 60 مليار دولار، وتسعى "شيفرون" لإتمام صفقة شراء "هيس" مقابل 53 مليار دولار رغم اعتراضات تنظيمية، فيما اندمجت "دايموندباك" مع "إنديفور" لتعزيز نفوذها في حوض البرميان.

 فرصة تاريخية أم مخاطرة كبرى؟

رغم أن الصفقة لا تزال في مراحلها الأولية وقد لا ترى النور، إلا أنها تشير إلى لحظة تحول في صناعة النفط، حيث تعيد الشركات الكبرى ترتيب أوراقها في مواجهة تحديات التحول الطاقي وتذبذب السياسات العالمية. بالنسبة لشل، فإن الاستحواذ على "بي بي" قد يشكل قفزة نوعية، لكنه في الوقت نفسه يحمل تعقيدات تشغيلية وتنظيمية قد تجعل من النجاح تحديًا لا يقل صعوبة عن الطموح نفسه.

الانعكاسات المحتملة على أسواق المنطقة

يمتد حضور شركتي شل و"بي بي" في منطقة الشرق الأوسط إلى عدد من الدول الحيوية في سوق الطاقة، منها الإمارات وقطر وسلطنة عمان والعراق ومصر. ويُحتمل أن يكون لصفقة الدمج بين العملاقين تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على ديناميكيات الطاقة في هذه الأسواق، لا سيما في ظل تقاطع مصالحهما وتداخلهما في عدة مشاريع استراتيجية.

في قطر، تعد شل و"بي بي" من أكبر الشركاء الدوليين في مشاريع الغاز الطبيعي المسال، وقد يشهد الدمج إعادة هيكلة للتحالفات ضمن مشاريع مثل "قطر غاز" و"نورث فيلد"، مع إمكان تعزيز الحصة السوقية للكيان الجديد. أما في الإمارات، فتشارك "بي بي" في مشروع "أدنوك" للغاز، في حين تركز شل على أنشطة تجارة الطاقة؛ وقد يؤدي الدمج إلى توسيع نطاق التكامل الرأسي بين الاستخراج والتوزيع في السوق الإماراتية.

في سلطنة عمان، تشارك الشركتان في تطوير حقل "خزان" للغاز، وقد يساعد الدمج على تسريع قرارات الاستثمار وتوحيد الجهود التشغيلية والتجارية. أما في العراق، حيث تواجه الاستثمارات النفطية تحديات سياسية ولوجستية، فقد يعزز الدمج قدرة الكيان الجديد على التفاوض والتوسع في الحقول الجنوبية مثل "الرميلة" و"مجنون".

وفي مصر، حيث تمتلك "بي بي" محفظة كبيرة من الأصول البحرية في شرق المتوسط، خصوصًا في دلتا النيل، فإن اندماجها مع شل - التي لديها نشاط قوي في تجارة الغاز المسال - قد يعزز مكانة مصر كمركز إقليمي لتسييل وتصدير الغاز، وهو ما يتماشى مع رؤية الحكومة المصرية.

في المجمل، قد يؤدي الدمج إلى إعادة توزيع الاستثمارات، وتغيير ديناميكيات المنافسة مع شركات دولية أخرى، فضلاً عن زيادة نفوذ الكيان الجديد في قرارات الطاقة الإقليمية، مع احتمال تعزيز التكامل بين أنشطة الإنتاج والتجارة والتكرير في منطقة ذات أهمية استراتيجية متزايدة على خريطة الطاقة العالمية.