تحت عنوان"إنفاقًا ذكيًا ونواتج اقتصادية أقوى: سياسات المالية العامة من أجل ازدهار دول مجلس التعاون الخليجي"، أصدر البنك الدولي أحدث تقاريره التي يتناول فيها بشكل مفصل مدى فعالية السياسات المالية العامة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي وتعزيز النمو المستدام في دول المنطقة.
وفي ضوء هذه السياسات، حافظت دول مجلس التعاون الخليجي على مركز خارجي قوي نسبيًا، رغم حالة عدم اليقين المتعلقة بالتجارة والضغوط الناجمة عن انخفاض عائدات النفط. وبفضل الاستراتيجيات المالية والنقدية المدروسة، استمر معدل التضخم العام في جميع دول المجلس منخفضًا، على الرغم من خفض أسعار الفائدة في عام 2024، مما يعكس قدرة هذه الدول على التكيف مع التحديات الاقتصادية المستجدة.
وفقًا لتقرير البنك الدولي، من المتوقع أن يشهد النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي ارتفاعًا على المدى المتوسط، ليصل إلى نحو 3.2 في المئة في عام 2025 و4.5 في المئة في عام 2026. ويُعزى هذا التحسّن المحتمل إلى التراجع التدريجي عن سياسة خفض إنتاج النفط التي كانت قد أقرتها مجموعة "أوبك+"، إلى جانب التوسع القوي في القطاعات غير النفطية.
ويؤكد أحدث إصدار من تقرير المستجدات الاقتصادية لدول الخليج هذا التوجه، حيث سجلت المنطقة نموًا اقتصاديًا ملحوظًا بلغ 1.7 في المئة في عام 2024، مقارنة بـ 0.3 في المئة فقط في عام 2023. وقد واصل القطاع غير النفطي إظهار قدرته على الصمود، مسجلًا نموًا بنسبة 3.7 في المئة، مدعومًا بشكل رئيس من الاستهلاك الخاص، والاستثمار، والإصلاحات الهيكلية التي تبنتها دول مجلس التعاون الخليجي.
في المقابل، لا تزال حالة عدم اليقين في التجارة العالمية تُشكّل تحديًا رئيسًا أمام اقتصادات المنطقة، حيث يُمثل خطر التباطؤ الاقتصادي العالمي مصدر قلق مستمر قد يلقي بظلاله على وتيرة النمو. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى تسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية، لا سيما تلك التي تستهدف تنويع النشاط الاقتصادي وتعزيز التجارة الإقليمية.
وفي هذا السياق، قالت صفاء الطيب الكوقلي، المديرة الإقليمية لدول مجلس التعاون الخليجي بالبنك الدولي: "إن قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على الصمود في مواجهة حالة عدم اليقين على النطاق العالمي، واستمرارها في تعزيز أنشطة التنويع الاقتصادي، تؤكد التزامها القوي بتحقيق الازدهار على المدى الطويل". وأضافت: "تعد السياسات الإستراتيجية لدعم المالية العامة، والاستثمارات المستهدفة، والتركيز القوي على الابتكار وريادة الأعمال، وخلق فرص العمل للشباب، ضرورة قصوى للحفاظ على النمو والاستقرار."
ويخلص التقرير إلى أن الإنفاق الحكومي في دول مجلس التعاون الخليجي ساهم بفعالية في دعم استقرار الاقتصادات، خصوصًا خلال فترات الركود. وتشير النتائج إلى أن زيادة الإنفاق المالي بمقدار وحدة واحدة تؤدي إلى ارتفاع الناتج غير النفطي بمعدل يتراوح بين 0.1 و0.45 وحدة.
كما يبين التقرير أن أثر الاستثمار الحكومي على الإنتاج غير النفطي يظل محدودًا، حيث يؤدي كل ارتفاع بنسبة نقطة مئوية واحدة في الاستثمار إلى زيادة طفيفة في الناتج المحتمل تُقدّر بـ 0.07 في المئة.
عُمان ومسيرة الاستدامة المالية
كذلك، يستعرض تقرير البنك الدولي جهود سلطنة عُمان في تعزيز استدامة المالية العامة، مُبرزًا مسيرتها الناجحة في ضبط الأوضاع المالية كمثال يُحتذى به في الإصلاح الاقتصادي وإدارة المالية العامة بمسؤولية.
ويسلّط التقرير الضوء على أبرز التحديات التي واجهتها السلطنة، وفي مقدمتها الاعتماد الكبير على الإيرادات النفطية، إلى جانب التدابير الحاسمة التي اتخذتها لاستعادة توازن الموازنة العامة للدولة. كما تناول التقرير النواتج الإيجابية التي تحققت نتيجة لهذه الإصلاحات.
وفي إطار برنامج خطة التوازن المالي متوسطة المدى (2020–2024)، نفّذت سلطنة عُمان إصلاحات هيكلية شاملة، شملت تنويع مصادر الإيرادات، وتحسين كفاءة الإنفاق، وتعزيز الحوكمة، وإدارة الموارد النفطية بشكل أكثر فاعلية. وقد أثمرت هذه الجهود عن نتائج ملموسة ظهرت منذ عام 2022، تمثلت في تحسّن ملحوظ في أوضاع المالية العامة، وانخفاض كبير في مستويات الدين العام، ما يعكس نجاح السلطنة في المضي قدمًا نحو استدامة مالية واقتصادية طويلة الأمد.
وفيما يتعلق بآفاق النمو في دول مجلس التعاون الخليجي، يستعرض التقرير التوقعات الاقتصادية المستقبلية للمنطقة على النحو التالي:
نمو سعودي واعد
في المملكة العربية السعودية، من المتوقع أن يستمر التعافي الاقتصادي بعد انخفاضه إلى 1.3 في المئة في عام 2023، حيث سيرتفع النمو إلى 2.8 في المئة في عام 2025، ويبلغ متوسطًا قدره 4.6 في المئة خلال الفترة 2026-2027. ويعزى هذا التحسن جزئياً إلى الإلغاء التدريجي لتخفيضات الإنتاج الطوعية التي أقرتها "أوبك+"، مما سيعزز نمو الناتج المحلي النفطي إلى 6.7 في المئة في عام 2026 و6.1 في المئة في 2027. إلى جانب ذلك، من المتوقع أن يستمر الناتج المحلي غير النفطي في الارتفاع بمعدل 3.6 في المئة في المتوسط بين 2025 و2027، مع استمرار جهود المملكة في تنفيذ برنامج التنويع الاقتصادي ضمن رؤية 2030.
الإمارات نحو التقدم
وفي الإمارات العربية المتحدة، يتوقع التقرير استمرار النمو الاقتصادي في الاتجاه التصاعدي ليصل إلى 4.6 في المئة في عام 2025، مستقرًا عند 4.9 في المئة في عامي 2026 و2027. ويظل القطاع غير النفطي المحرك الرئيسي لهذا النمو، مع توقعات بنمو 4.9 في المئة في عام 2025 مدعوماً بالاستثمارات العامة المستهدفة، وتحسين أطر الحوكمة، وتوسيع الشراكات الخارجية. كما ستسهم عودة إنتاج النفط إلى مستوياته الطبيعية، نتيجة الإلغاء التدريجي لتخفيضات "أوبك+"، في دعم هذا الاتجاه الإيجابي.
نمو كويتي مستدام
أما في الكويت، فمن المتوقع أن يتعافى النمو بشكل ملحوظ ليصل إلى 2.2 في المئة في عام 2025، مقارنةً بالعجز الذي سجلته في عامي 2023 و2024 (-3.6 و-2.9 في المئة على التوالي). ويعزى هذا التعافي إلى الإلغاء التدريجي لسقوف الإنتاج التي أقرتها "أوبك+"، والتوسع في القطاعات غير النفطية المدعومة بنمو نشاط الائتمان ومشروعات البنية التحتية الكبرى. ومن المتوقع أن يظل النمو الاقتصادي مستقرًا عند 2.7 في المئة خلال 2026-2027، مع اعتماد الآفاق طويلة الأجل على نجاح الإصلاحات الهيكلية وجهود التنويع الاقتصادي.
قطر تسارع النمو
في قطر، من المتوقع أن يستقر النمو الاقتصادي عند 2.4 في المئة في عام 2025 (بعد 2.6 في المئة في 2024)، قبل أن يتسارع ليبلغ متوسطًا قدره 6.5 في المئة في 2026-2027، مدفوعًا بالتوسع في إنتاج الغاز الطبيعي المسال. ويعزز هذا التحسن النمو القوي في القطاعات غير النفطية، خاصة في مجالات التعليم والسياحة والخدمات. كما من المتوقع نمو طفيف في قطاع الهيدروكربونات بنسبة 0.9 في المئة في 2025، قبل أن يحدث ارتفاع كبير في 2026 بفضل توسع حقل الشمال للغاز، مما يزيد إنتاج الغاز الطبيعي المسال بنسبة 40 في المئة. أما نمو القطاعات غير النفطية فيُتوقع أن يبقى قويًا بفضل مشاريع تحديث البنية التحتية والاستثمارات الدولية.
عُمان وتقدم اقتصادي
أما في سلطنة عُمان، فمن المتوقع أن تتسارع وتيرة النمو تدريجيًا إلى 3 في المئة في 2025 (مقارنة بـ 1.7 في المئة في 2024)، ثم إلى 3.7 في المئة في 2026 و4 في المئة في 2027. ويرجع ذلك إلى انتعاش إنتاج النفط، مع نمو الناتج النفطي بنسبة 2.1 في المئة في 2025، إلى جانب نمو قوي في القطاعات غير النفطية بنسبة 3.4 في المئة. ويعزى النمو بشكل أساسي إلى أداء قوي في قطاعات التشييد والبناء، والصناعات التحويلية، والخدمات.
البحرين تستعيد النمو
وأخيرًا، في البحرين، من المتوقع أن يستقر النمو عند 3.5 في المئة في عام 2025 بعد عامين من الانخفاض. ويُعزى التحسن مقارنة بعام 2024 (بنمو 3 في المئة) إلى اكتمال مشروع تحديث مصفاة "بابكو"، والنمو القوي في القطاع غير النفطي. ويرتبط هذا النمو بتطور القطاعات المستهدفة في رؤية البحرين الاقتصادية 2030، مثل البنية التحتية، والخدمات اللوجستية، والتكنولوجيا المالية، والسياحة. ومن المتوقع أن يبلغ متوسط النمو الإجمالي 2.9 في المئة في 2026-2027 بفضل استمرار النمو غير النفطي والتوسع في مصفاة سترة لتكرير النفط.