في إطار دعم مسار التعافي الوطني والاقتصادي في سوريا وتعزيز المصالحة المجتمعية والتنمية الشاملة، نظّمت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) بالتعاون مع هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية جلستي نقاش متتاليتين حول الهوية الاقتصادية والهوية الثقافية والمجتمعية في سوريا، ولمناقشة الفرص والتحديات والمخاطر التي قد تواجه التوافق حول الهوية الوطنية الموحدة في ظل المرحلة الانتقالية.
ففي دمشق، جمعت الورشتان يومي 28 و29 أيار/مايو الماضي أكاديميين وباحثين مختصين في التاريخ وعلم الاجتماع وبحوث النزاعات، قادة من المجتمع المدني، ناشطين في بناء السلام، شخصيات ثقافية، قيادات دينية، وناشطين اجتماعيين من مختلف المحافظات السورية بالإضافة إلى عاملين في عدد من القطاعات الاقتصادية. وافتُتحت الجلستان بكلمات ترحيبية لوكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا رولا دشتي، ولرئيسة مجلس إدارة الهيئة هدى أتاسي، ووزير المالية محمد يسر برنية، ووزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل هند قبوات، ومستشار وزير الاقتصاد مازن ديروان.
الهوية الاقتصادية
تحت عنوان "الهوية الاقتصادية السورية: الفرص، التحديات والمشتركات الوطنية"، ركّزت الجلسة الأولى في اليوم الأول على تحليل التحوّلات التي طرأت على الاقتصاد السوري، وتأثير النزاع على البنية الاقتصادية والاجتماعية. كما ناقش المشاركون العلاقة بين الدولة والسوق، ودور القطاعين العام والخاص في مرحلة التعافي، بالإضافة إلى سبل تحقيق التكامل بين الاقتصادات المحلية والاقتصاد الوطني، بما يعزز العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة المستدامة.
في هذا السياق، أكدت دشتي على أهمية هذا النقاش لتعزيز التواصل والتفاهم بين المناطق المتنوعة في سوريا والقطاعات الاقتصادية بهدف تحديد القواسم المشتركة والمصالح المتبادلة، كما لاستكشاف الفرص والخيارات الاقتصادية المُتاحة حاليًا.
من جهته، أشار برنية إلى أن الدولة تتجه نحو الأفضل وأنها تعمل على تهيئة البيئة التشريعية الضرورية لتوفير بنية تحتية اقتصادية فعالة، تضمن حماية المستثمر والفئات الضعيفة.
كما أكد ديروان أن الدولة في صدد تأسيس نموذج اقتصادي جديد يقوم على تعزيز ريادة الأعمال، مع الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية للتنمية.
الهوية الثقافية
وعُقدت الجلسة الثانية في اليوم الثاني تحت عنوان "الهوية الثقافية والمجتمعية ودورها في مستقبل سوريا" بحضور قبوات، وسلطت الضوء على التحديات التي واجهت النسيج المجتمعي خلال سنوات النزاع، بما في ذلك الاستقطاب والانقسامات، وتأثير النزوح الداخلي والخارجي.
وتناول النقاش سبل بناء هوية وطنية جامعة تستوعب التنوع الثقافي والديني واللغوي، وتقوم على أسس المواطنة والعدالة والكرامة، كما وردت في الإعلان الدستوري السوري الصادر في آذار/مارس 2025. وقد وفرت الجلسة مساحة حوارية غنية لمناقشة القيم الثقافية الأصيلة ودورها في إعادة بناء التماسك المجتمعي في المرحلة الانتقالية.
وأكدت قبوات في كلمتها على أهمية بناء عقد اجتماعي شامل يضم جميع مكونات المجتمع السوري. وأشارت إلى أن سوريا تتميز بتعدد الهويات، وأن عملية بناء الدولة ومؤسساتها بعد النزاع لا يمكن أن تتم بمعزل عن الاعتراف بهذا التنوع، وأضافت أن المواطنة الجامعة هي الأساس الذي يجب أن يُبنى عليه هذا العقد الاجتماعي.
من ناحيتها، شدّدت الأتاسي على ضرورة وضع سياسات شاملة تعزز المشاركة وتضمن المساواة، وتوفر بيئة حاضنة للتنوع بعيدًا عن الإقصاء والتهميش. وأضافت أنها على ثقة بأن هذا الحوار سيساهم في ترسيخ الثقة بين مختلف المكونات السورية ويدعم التعايش السلمي المستدام.
نحو ورقة توصيات سياسية
وتندرج هاتان الجلستان ضمن سلسلة من اللقاءات الحوارية التي ستعقد تباعًا في مختلف المناطق والمحافظات في الجمهورية العربية السورية وتفضي إلى بلورة ورقة توصيات سياسية شاملة تعكس آراء المشاركين من مختلف المناطق والفئات السورية وتطلّعاتهم وتوصياتهم.