داود رمال
أصدر الاتحاد الأوروبي مؤخرا قرارا يقضي بإدراج لبنان على لائحة الدول "عالية المخاطر" في ما يتعلّق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب دول مثل الجزائر وفنزويلا وموناكو، في وقت تمّ فيه شطب الإمارات العربية المتحدة من هذه اللائحة. القرار الذي أعلنت عنه المفوضية الأوروبية يستند إلى مراجعة دورية للأنظمة المالية في عدد من الدول، ويعكس تقييماً فنياً صارماً لمدى التزامها بالمعايير الدولية المعتمدة من قبل مجموعة العمل المالي (FATF).
إدراج لبنان في هذه القائمة يحمل أبعادا مالية ومصرفية خطيرة، حيث يزيد من انكشاف القطاع المصرفي اللبناني أمام المؤسسات الدولية، ويجعل البنوك الأوروبية مضطرة إلى تشديد تدقيقها في التحويلات المالية من وإلى لبنان. هذا سيقود إلى صعوبة أكبر في فتح حسابات مصرفية للمؤسسات أو الأفراد اللبنانيين في الخارج، كما سيرفع من كلفة المعاملات المالية بشكل عام بسبب الإجراءات الإضافية المطلوبة للتحقق من مصادر الأموال. القرار يساهم أيضًا في تعميق عزلة لبنان المالية عن النظام المصرفي العالمي، وهو ما يؤدي إلى مزيد من الضغط على التعاملات الدولية للشركات، وعلى حركة الاستيراد والتصدير التي باتت تتعرض أصلاً لصعوبات كبيرة.
الرسالة السلبية التي يوجهها هذا القرار إلى المستثمرين الدوليين ستؤدي حتما إلى تراجع شهية الاستثمار في السوق اللبنانية، مع ارتفاع تقييم المخاطر المرتبطة بأي شراكة تجارية أو مالية مع جهات لبنانية. كما أن الشركات اللبنانية، خصوصًا تلك التي تعمل في مجال الاستيراد أو التصدير، ستواجه تأخيرات ومشكلات إضافية في إنجاز معاملاتها، مما يؤثر على ميزان المدفوعات ويزيد من العجز التجاري. القرار ستكون له تبعات مباشرة أيضًا على العلاقة بين لبنان والاتحاد الأوروبي من ناحية الدعم والتعاون، إذ إن تمويل أي مشاريع إنمائية أوروبية في لبنان سيخضع لتدقيق استثنائي، وقد يتم تعليق بعضها أو تجميدها تحت ذريعة ضعف الضمانات.
سياسيا، يعكس القرار حالة فشل ذريع للسلطات اللبنانية في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، ويشكّل ضغطًا أوروبيًّا مباشراً لتحفيز الجهات الرسمية على اتخاذ خطوات ملموسة في مجالات الشفافية المالية، واستقلالية القضاء، وتفعيل القوانين المتعلّقة بمكافحة الفساد وغسل الأموال. ويفتح هذا القرار المجال أمام مزيد من التدخلات السياسية الدولية، تحت عنوان حماية النظام المالي ومنع تمويل الإرهاب، في ظل انهيار شبه كامل للمؤسسات الرقابية المحلية.
ومن المفارقة أن القرار الأوروبي جاء متزامنا مع شطب الإمارات من القائمة، وهو ما يؤكد أن الالتزام بالمعايير الدولية وتنفيذ الإصلاحات التقنية والرقابية يمكن أن يعيد ثقة المجتمع الدولي، حتى بالنسبة لدول تُعد مراكز مالية كبرى. في المقابل، فإن الدولة اللبنانية التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة ومن انهيار مصرفي غير مسبوق، لم تتمكن حتى الآن من إقرار قانون واضح لـ"الكابيتال كونترول"، ولم تُنفذ خطة إصلاح مالي ومصرفي جدي، ولا تزال تغيب عنها الشفافية في إدارة أموال المودعين، كما أن جهازها القضائي يعاني من تدخلات سياسية متزايدة.
خروج لبنان من هذه اللائحة بات مرتبطًا بخطوات إصلاحية واضحة، تبدأ بإعادة تفعيل هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان مع توفير استقلالية حقيقية لها، وتطبيق معايير مجموعة العمل المالي، وتعديل القوانين المالية لتواكب تطوّرات الاقتصاد العالمي، إضافة إلى تفعيل آليات المحاسبة ومكافحة الفساد، وتعزيز استقلالية القضاء.
القرار الأوروبي يشكّل جرس إنذار جديد وخطير للسلطات اللبنانية. إنه ليس مجرّد تصنيف تقني، بل هو إدانة دولية واضحة للنظامين المالي والسياسي في البلاد، ويُعبّر عن انهيار الثقة الدولية بقدرة لبنان على استعادة انتظام مؤسساته. إذا لم تُتخذ خطوات جذرية وسريعة، فإن لبنان مُقبل على مزيد من العزلة، وعلى تدهور إضافي في أوضاعه الاقتصادية والمالية، قد تضعه في خانة الدول الفاشلة على الصعيدين الداخلي والخارجي.