مصر: الاستثمار الخليجي
توسع وتنويع

23.05.2025
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

القاهرة – محمود عبد العظيم :

تسارعت على مدار الأسابيع الأخيرة وتيرة الإعلان عن ضخ إستثمارات خليجية ضخمة في السوق المصرية وهي إستثمارات تقودها جهود حكومية خليجية جنباً إلي جنب مع إستثمارات عائدة للقطاع الخاص الخليجي لاسيما تلك الشركات التي تحمل هوية خليجية لكنها باتت عابرة للحدود وتعمل على مستويات إقليمية ودولية.

هذا التوجه الاستثماري الخليجي الأخير في مصر جرى تدشينه عبر إعلان حكومتي قطر والكويت تحويل نحو ثمانية مليارات دولار من ودائعهم لدى البنك المركزي المصري إلى استثمارات مباشرة سواء عبر الإستحواذ على بعض المشاريع والأصول القائمة أو عبر الدخول في تأسيس شركات ومشروعات جديدة. ثم تبع هذا الإعلان تحركات مكثفة من جانب القطاع الخاص الخليجي شمل زيارة وفد من غرفة تجارة وصناعة عمان للقاهرة لبحث مشروعات مشتركة وإعلان المستثمر الكويتي عماد جواد بوخمسين عن الدخول في إستثمارات فندقية ضخمة في القاهرة وعدد من المقاصد السياحية المصرية ثم تداول معلومات في أوساط الأعمال عن مفاوضات تجري مع عدد من الشركات الإماراتية والسعودية الكبرى سواء الحكومية أو الخاصة حول بعض الصفقات الكبرى التي تتوزع على مجالات عدة ومن المتوقع الكشف عن هذه الصفقات خلال فترة الربع الأخير من العام الجاري .

تحسن المؤشرات

ومثلمأ تشير تقارير دولية إلى ثمة تحسن مضطرد يجري بشأن المؤشرات الرئيسية للاقتصاد المصري خلال الشهور الأخيرة فإن هذه التقارير ذاتها تؤكد أن الاستثمارات الخليجية المتدفقة علي البلاد لعبت دوراً مهماً في إقدام مؤسسات التصنيف الدولية علي رفع توقعاتها لمعدلات النمو المستقبلية للاقتصاد المصري لاسيما في السنوات الثلاث القادمة لتدور هذه المعدلات المتوقعة فوق مستوى الـ 4 في المئة سنوياً وحتى العام 2027 .

كما أن تحسن المؤشرات العامة للاقتصاد المصري يعزز من فرص جذب المزيد من الأستثمارات الخليجية للبلاد .

 على الجانب الأخر تلعب إجراءات حكومية داعمة دوراً محورياً في إجتذاب الأستثمار الخليجي خاصة العائد للقطاع الخاص وهي إجراءات يأتي في مقدمتها منح " الرخصة الذهبية " للمشروعات من الحجم الكبير نسبياً ووجود لجنة تابعة لمجلس الوزراء تعقد بشكل دوري لفحص وبحث المشكلات الإدارية التي تواجه تأسيس وإطلاق المشروعات الجديدة والعمل علي حلها عبر التواصل مع الوزارات المختلفة .

أيضاً جاءت حزمة التيسيرات الضرييبة الأخيرة لتضع حداً للمشكلات المتفاقمة بين وزارة المالية ومجمع الأعمال بصفة عامة عبر إغلاق الملفات الضريبية المتنازع عليها ووضع أسس محاسبية أكثر شفافية وعداله وخاضعة لمنظومة حوكمة كفوءة إلي حد ما تسمح بتحديد مبالغ ضريبية واقعية على الممولين .

هذا المناخ العام المواتي لبدء أعمال جديدة أو توسيع أعمال قائمة بالفعل في السوق المصرية ساهم في تعزيز جاذبية العديد من القطاعات الإنتاجية والخدمية على خريطة الاقتصاد المصري ومن ثم يبدي المستثمرون الخليجيون اهتماماً خاصاً بالعديد من القطاعات لاسيما القطاعات الخدمية سريعه العائد والمدرة للدخل والأرباح المتواصلة في سوق يتجاوز عدد المستهلكين فيه المئة مليون مستهلك .

تشمل هذه القطاعات كلاً من خدمات الصحه والتعليم والنقل والإتصالات إلى جانب الخدمات المالية سواء علي مستوي أعمال البنوك أو على مستوى الخدمات المالية غير المصرفية التي تشهد نمواً هائلاً في مصر على مدار السنوات الماضية. وتكاد تقترب حجم التمويلات العائدة لهذه الخدمات غير المصرفية من التريليون جنيه موزعة على التمويل العقاري والتوريق والتمويل الاستهلاكي ومتناهي الصغر والتأجير التمويلي والتخصيم والتأمين بكافة أنواعه وهي محفظة ضخمة وباتت مغريه للعديد من جهات الأستثمار الأجنبية وهو الأمر الذي يفسر إقدام مؤسسة مثل البنك الأوربي لإعادة الإعمار على الإستحواذ على بعض الشركات العاملة في هذا القطاع. وكان احدث صفقاته في هذا الشأن الإستحواذ على شركة " تمويلي "  للمشروعات متناهية الصغر في الربع الأخير من العام الماضي وهي الشركة التي كانت ملكيتها شبه حكومية .

موضع جدال شعبي

تركز الاهتمام الخليجي بهذه القطاعات الخدمية ذات الطابع الجماهيري والمتعلقة بحياة المواطنين اليومية – إلى جانب الإهتمام بقطاع التشييد والعقار بالطبع – هو ما يقف وراء جدل على المستوى الشعبي " في مصر تجاه هذا التوسع الأستثماري وهي الموجه التي يمكن أن يرصدها بسهولة أي متابع للمشهد الاقتصادي والاجتماعي في مصر هذه الأيام .

هذا الحذر ينطلق بدرجة أساسية من مخاوف مشروعة من إمكانية حدوث نوع من التحرير الكامل لتكلفة وأسعار هذه الخدمات الصحية والتعليمية والنقل بصفة خاصة – وإنسحاب الدولة تدريجياً من هذه المجالات الخدمية الحيوية مما يعني – في مخيلة الجماهير – ظهور إحتكارات إستثمارية تفرض أسعارها وشروطها على ملايين المستهلكين اللذين تتراجع قدراتهم الشرائية يوماً بعد يوم في ظل ظروف إقتصادية عامة ضاغطه وتضخم غير مسبوق أطاح بقدرات الطبقة الوسطي المصريه  فما بالنا بالطبقات الأدنى في السلم الإجتماعي .

هذا الجدل الشعبي من الطبيعي أن يلقي صدى لدي صانع السياسة الأقتصادية وهو ماعبرت عنه بعض التصريحات الحكومية التي صاحبت صفقة منح إمتيازات منطقة صناعية شرق بورسعيد لشركة موانيء أبو ظبي لمدّة خمسين عاماً حيث سارعت هذه التصريحات بتبديد المخاوف الجماهيرية غير الدقيقة حول علاقة الصفقة – التي تقع ضمن خطط أعمال المنطقة الأقتصادية لقناة السويس – بأعمال ومستقبل الممر الملاحي الأكثر أهمية للتجارة العالمية.

ويعزز من هذه المخاوف ما حدث خلال السنوات القليلة الماضية من إرتفاع كبير في أسعار بعض الخدمات الصحية عقب إستحواذ شركة " أبراج كابيتال " الإماراتية علي سلسلة معامل تحاليل ومستشفيات مصرية وهو الإرتفاع الناتج عن إرتفاع التكاليف وتحرير سعر الصرف وليس ناتجاً عن أيه ممارسات إحتكارية .

وإذا كانت الحكومة المصرية ترحّب بالأستثمار الخليجي وتذلل أمامه العقبات فإن مهمتها الكبرى في المرحلة القادمة تتمثل في تخفيف حدة هذا التحفظات تجاه التوسع الاستثماري الخليجي وتحويل هذه التحفظات إلى " حاضنة شعبية " لهذه الأستثمارات بإعتبارها تحقق مصالح جميع الأطراف .