حاوره: رؤوف أبو زكي
مهمة وزير الخارجية في أي بلد هي مهمّة شاقة. بسبب كثرة الأسفار وحساسيات المواضيع الموكلة إليهم إلا أن محبة الوزير لمهنته وإخلاصه لبلده وتمرسه في حقل الدبلوماسية يجعل من الصعوبات متعة.
وهذا ما ينطبق على وزير الخارجية في جمهورية مصر العربية الدكتور بدر عبد العاطي. يساعده على ذلك نشأته الدبلوماسية وقبلها الإعلامية وقبل ذلك نشأته العائلية والاجتماعية.
من إحدى قرى صعيد مصر بمحافظة أسيوط ومن أسرة بسيطة جاء الطالب بدر عبد العاطي إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة متفوقاً على أقرانه وحاملاً معه حلمه الكبير.
ومن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الذى بدأ فيه أولى خطواته العملية بعد تخرجه من الجامعة مباشرة إلى أروقة وزارة الخارجية دبلوماسياً شاباً ثم متدرجاً في مراكزها الحساسة بفضل كفاءه مهنية ورؤيه فكرية وطنية متماسكة وواضحة .
من هنا يمثل بدر عبد العاطي تياراً جديداً في مدرسة الدبلوماسية المصرية العريقة التي اعتادت – تاريخياً – تصعيد أبناء العائلات الأرستقراطية التقليدية إلى منصب وزير الخارجية فهو أول وزير خارجية من أبناء " الفلاحين " معتمداً في رحلة صعوده على قدراته المهنية وإخلاصه العميق للمصالح الوطنية العليا ولا شيء أخر .
فالوزير عبد العاطي رجل التواضع والثقة والايجابية بامتياز. ومن هنا كان اختياره على رأس وزارة الخارجية وفي بلد استراتيجي ومحوري على المستوى الإقليمي والدولي.
رئيس مجموعة " الاقتصاد والأعمال " زار معالي الوزير عبد العاطي وأجرى معه مقابلة في لحظة تاريخية فارقة تمر بها المنطقة العربية وفى ظل تحديات سياسية واستراتيجية واقتصادية غير مسبوقة وهى المقابلة التي عرضت الكثير من الرؤى المصرية حول هذه التحديات
فالوزير عبد العاطي يؤكد أن ثلاثية السياسة الخارجية المصرية فى هذه المرحلة تقوم على الاتزان الاستراتيجي والانفتاح الخارجي وتعزيز أدوات القوة الناعمة مشيراً إلى أن الدبلوماسية أصبحت أداة رئيسيه لدعم الاقتصاد المصري عبر سياسة تنويع الشركاء الاقتصاديين.
وفي ما يتعلق بقضية الأمن المائي التي تؤرق المصريين بسبب سد النهضة الأثيوبي قال الوزير عبد العاطي أن قضية الأمن المائي هي أبرز ركائز الأمن القومي المصري وسيظل ملف سد النهضة في مقدمه أولويات السياسة الخارجية المصرية النشطة في دول حوض النيل وأن مصر ستظل متابعة عن كثب للتطورات في النيل الأزرق وقادره على اتخاذ كافة التدابير المكفولة بموجب ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن وجودها ومقدرات شعبها .
وهنا الأسئلة والأجوبة:
الاتزان الاستراتيجي
● مع تطورات الأوضاع الإقليمية والدّولية ومع التهاب المشهد في دول الجوار، من الطبيعي أن تتغير فلسفة واستراتيجية الدبلوماسية المصرية للتعامل مع هذه الأوضاع الطارئة، ماذا جرى لهذه الفلسفة، وما هي المتغيرات والثّوابت الّتي تستند إليها في هذه المرحلة؟
- تستند السياسة الخارجية المصرية في هذه المرحلة الدقيقة، إلى مبدأ الاتزان الاستراتيجي الذي ارساه السيد رئيس الجمهورية والذي أصبح من مرتكزات النهج الدبلوماسي المصري، حيث تبتعد الدولة عن الانخراط في أية محاور أو استقطابات، وتحرص على بناء علاقات متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل وتحقيق المصالح المشتركة، مع الحفاظ الدائم على استقلالية القرار الوطني. كما تظل مباديء احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شئونها الداخلية والتمسك بالشرعية الدولية، ركيزة أصيلة لا تحيد عنها مصر في تعاملها مع القضايا الإقليمية والدولية.
وفي إطار هذه الثوابت، حرصت السياسة الخارجية على توسيع دوائر الانفتاح الخارجي، بما يعزز من قدرة مصر على التعاطي مع عالم متعدد الأقطاب. فإلى جانب شراكاتها التقليدية، عمدت إلى تطوير علاقات استراتيجية مع قوى دولية صاعدة، إدراكاً لأهمية تنويع مصادر القوة والدعم في بيئة دولية متغيرة. كما أصبح البُعد الاقتصادي عنصراً محورياً في العمل الدبلوماسي، من خلال الدفع بجهود جذب الاستثمار ودعم جهود التنمية وتعزيز التبادل التجاري مع الدول.
وفي سياق موازٍ، تعمل مصر على تعزيز أدوات قوتها الناعمة، عبر ترسيخ حضورها الثقافي والعلمي والفني على الساحة الدولية، فضلاً عن دعم مواطنيها بالخارج وتوسيع مجالات التواصل معهم باعتبارهم امتداداً طبيعياً للوطن. كما أولت الدبلوماسية المصرية عناية بالغة بإعداد كوادر شبابية مؤهلة، قادرة على مواكبة طبيعة العمل الدبلوماسي المعاصر، بما يضمن استدامة الأداء الوطني الفاعل في مختلف المحافل الدولية.
ومن ثم، يمكن التأكيد على أن الدبلوماسية المصرية قد نجحت في أن تمزج بين صلابة المبادئ ومرونة التحرك، وأن تتبنى نهجاً رشيداً يجمع بين الحفاظ على الثوابت والانفتاح الواعي على متطلبات المستقبل، بما يعزز من قدرة مصر على التعامل مع بيئة دولية تتسم بالتغير الدائم.
الدبلوماسية الاقتصادية
● من الملاحظ منذ تولى الرئيس السيسى المسؤولية في مصر أن الدبلوماسية المصرية باتت تلعب دورًا اقتصاديًا سواء للترويج وجذب الاستثمار الأجنبي أو على صعيد التعاون الدّولي وجلب التمويلات الخارجية، هل يمكن أن تحدثنا عن هذا الدور خاصة وأنت لعبت شخصيا دورًا ملموسًا في هذا الملف مع الاتحاد الأوروبي؟
- شهدت الدبلوماسية الاقتصادية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي نقلة نوعية وتحولاً استراتيجيًا في دور السياسة الخارجية المصرية، حيث لم تعد تقتصر على الجوانب السياسية التقليدية، بل أصبحت أداة رئيسية لدعم الاقتصاد الوطني، وتعزيز التنمية المستدامة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وفتح أسواق جديدة للمنتجات المصرية. وقد تبلورت رؤية الدولة في هذا المجال من خلال الدمج بين التحرك الدبلوماسي والتخطيط الاقتصادي، بما يخدم أهداف "رؤية مصر 2030".
من أبرز ملامح هذه الدبلوماسية الاقتصادية هو تنويع الشركاء الاقتصاديين، إذ تبنت مصر سياسة خارجية متوازنة تقوم على الانفتاح على مختلف القوى الاقتصادية العالمية. وشهدت علاقاتها الاقتصادية توسعًا كبيرًا مع دول مثل الصين وروسيا والهند، إلى جانب تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلي المشاركة النشطة والفعالة في اجتماعات مجموعة العشرين والتي تشارك بها مصر بدعوة من جنوب أفريقيا التي تتولي رئاسة المجموعة للعام الجاري، وهي المشاركة المصرية الخامسة إجمالا في أعمال المجموعة والثالثة علي التوالي، وهو ما يبرز مكانة الدور المصري علي الساحة الاقتصادية الدولية، وكذلك تعزيز انخراطنا النشط في منظمة الثماني النامية D8 التي تتولي مصر رئاستها الآن ، مما وفر فرصًا واسعة للنمو والتعاون.
كما عملت الدولة على تفعيل الاتفاقيات التجارية والاستفادة القصوى منها، حيث ركزت على اتفاقيات مثل اتفاقية الكوميسا، والميركوسور، والشراكة مع الاتحاد الأوروبي، واتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية. وقد ساهم ذلك في تسهيل دخول الصادرات المصرية إلى عدد كبير من الأسواق، وزيادة تنافسيتها، وتشجيع الشركات المصرية على التوسع خارجياً.
كما كان جذب الاستثمار الأجنبي المباشر أيضًا من أولويات الدبلوماسية الاقتصادية، حيث تقوم الدولة بإصلاحات مستمرة في البيئة التشريعية وتقديم حوافز جاذبة للمستثمرين، مع تحسين بيئة الأعمال، وتوفير البنية التحتية متطورة، وتقوم بعثاتنا في الخارج القيام بدور كبير في جذب الاستثمارات للسوق المصرية.
أفريقيا والاتحاد الأوروبي
أما على الصعيد الإفريقي، فقد أولى الرئيس السيسي أهمية خاصة لتعزيز التعاون الاقتصادي مع دول القارة، من منطلق دور مصر المحوري في إفريقيا. وقد شهدت السنوات الماضية تنفيذ مشروعات مشتركة، وتكثيف الزيارات الرسمية، وتفعيل مبادرات لدعم التكامل الاقتصادي، والربط بين الدول، مما عزز من مكانة مصر كجسر للتواصل بين إفريقيا وبقية العالم.
وفي إطار التوجه نحو الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة، برزت مصر كدولة رائدة في مجالات الطاقة المتجددة، خاصة بعد استضافتها لمؤتمر المناخ COP27 وتسعى الدولة إلى أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر، وهو ما يعزز من جاذبيتها الاستثمارية ويضعها في موقع متقدم على خريطة الاقتصاد العالمي المستقبلي.
وفيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، فيمثل الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء أحد أهم الشركاء الاقتصاديين لمصر، وقد شهدت الأعوام الأخيرة نمواً ملحوظاً في العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين الجانبين لاسيما بعد ترفيع العلاقات إلى الشراكة الاستراتيجية والشاملة في مارس 2024 والتي تضمنت 6 محاور ومن بينها المحور الاقتصادي والذى تضمن الاتفاق على حزمة مالية بقيمة 7,4 مليار يورو لتعزيز الاستثمارات الأوروبية في مصر، ومساندة الاقتصاد المصري، حيث نعمل حالياً مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي على إنهاء الإجراءات الخاصة بصرف الشريحة الثانية من الحزمة المالية بقيمة ٤ مليار يورو والتي اعتمدها البرلمان الأوروبي بشكل مبدئي في الأول من إبريل.
جدير بالذكر أنه تم عقد مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي في نهاية يونيو 2024 كأحد أول الفعاليات الرئيسية للشراكة الاستراتيجية بين الجانبين والذي ساهم في تشجيع القطاع الخاص الأوروبي بالاستثمار في مصر وهو ما انعكس في التوقيع على 29 اتفاقية بقيمة 49 مليار يورو مع الشركات التابعة للاتحاد الأوروبي، إلى جانب توقيع 6 اتفاقيات ومذكرات تفاهم بقيمة 18,7مليار يورو مع تحالفات وشركات أخرى.
التعاون العربي
● تتعرض المنطقة العربية لضغوط متزايدة في هذه المرحلة وفي المقابل تزداد مؤسسات العمل العربي المشترك ضعفًا كيف يمكن استعادة دور هذه المؤسسات في دعم القوة العربية التفاوضية الشّاملة مع العالم الخارجي؟
- تاريخيًا، أخذت مصر على عاتقها رفع شأن التعاون والتنسيق والتكامل الإقليمي العربي في شتى المجالات، والحفاظ على سيادة الدول العربية واستقلالها، إلى أن أفضت الجهود المصرية إلى لم شمل الدول العربية تحت مظلة جامعة الدول العربية. ولذا، تظل جامعة الدول العربية هي الإطار الأمثل لتعزيز التعاون العربي المشترك في شتى المجالات، لكونها الإطار الجامع للدول العربية، والقادر على لم الشمل العربي، ودعم التنسيق والتكامل العربي من خلال آليات الجامعة المختلفة. وباعتبار أن مصر إحدى الدول المؤسسة للجامعة، وانطلاقًا من إيمان مصر الدائم بأهمية دفع التكامل العربي، تستمر مصر بالتعاون مع الدول العربية في تطوير دور جامعة الدول العربية لتحقق أهدافها، وتلبي طموحات وآمال الشعوب العربية، وذلك من خلال العمل على تطوير هياكل وآليات العمل العربي لتتواكب مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في منطقتنا العربية، وتفعيل العمل العربي المشترك، وإيجاد آليات جديدة في إطار جامعة الدول العربية تستهدف تحقيق القدر الكافي من التنسيق بين هيئات ومؤسسات العمل العربي المشترك.
كما تؤمن مصر بأن السبيل الوحيد لتعزيز قدرة الدول العربية على مجابهة التحديات التي تعصف بالمنطقة ومواجهة الضغوط المتزايدة هو الارتقاء بالعمل العربي المشترك لتحقيق هدف حماية وصيانة وحدة وسيادة الدول العربية، وتحقيق الاندماج العربي على كافة الأصعدة، فضلًا عن تعزيز التعاون العربي في شتى المجالات. وبناء على تلك الرؤية، تسعى مصر إلى اقتراح ودعم المبادرات التي من شأنها تعزيز التكامل الاقتصادي العربي، والمضي قدماً في تبنى السياسات والاستراتيجيات بشأن تحرير رؤوس الأموال والأفراد والتكنولوجيا فيما بين الدول العربية، فضلًا عن تحسين مناخ الاستثمار بين الدول العربية، وتنويع هياكل الإنتاج، ولذلك لتعزيز حركة التجارة البينية بين الدول العربية من خلال اتفاقيات التجارة الحرة بين الدول العربية.
غزة والأمن القومي
● تمثل الحرب على غزة تهديدًا مباشرًا وحقيقيًا على الأمن القومي المصري، ماذا في جعبة وزير الخارجية الجديد للتعامل مع هذا الملف المرشح للمزيد من الانفجار والتدهور على نطاق واسع؟
- دعت مصر منذ اليوم الأول للحرب على غزة إلى ضرورة العمل على وقف إطلاق النار والسماح الكامل بنفاذ المساعدات الإنسانية للقطاع والتوقف عن استهداف المدنيين، كما اضطلعت بجهود حثيثة للوساطة بالشراكة مع كل من قطر والولايات المتحدة، وهو ما أسفر عن التوصل لوقف لإطلاق النار. وتعمل مصر حالياً على استئناف الاتفاق وضمان التنفيذ الكامل لكافة بنوده ومراحله، كما اضطلعت مصر بالجهد الرئيسي في توفير المساعدات الإنسانية للمدنيين بالقطاع، حيث وفرت مصر وحدها أكثر من 70 % من المساعدات الإنسانية.
وقد أعربت مصر عن رفضها القاطع لتهجير للأشقاء الفلسطينيين من أرضهم، كما قدمت خطة متعددة المراحل لإعادة إعمار قطاع غزة، والتي حظيت بدعم عربي وإسلامي ودولي، ونعتز تنظيم مؤتمر لإعادة إعمار غزة بالتعاون مع الأمم المتحدة والحكومة الفلسطينية.
مصر والقارة الأفريقية
● شهدت الفترة الماضية انخراطا أكبر لمصر في محيطها الإفريقي، ما هو رأيك في هذه النقطة، وكيف يمكن البناء على ذلك وتعزيز هذا الدور مستقبلا؟
- مصر كانت وستظل دولة محورية في القارة الأفريقية، بحكم التاريخ والجغرافيا والانتماء. خلال السنوات الماضية، حرصت مصر بقيادة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي على تعزيز حضورها الفاعل في القارة، سواء عبر تولي رئاسة الاتحاد الأفريقي عام 2019، أو من خلال المبادرات التنموية، ومشروعات البنية التحتية، ودعم جهود حفظ السلام، ومساندة الدول الأفريقية في مواجهة التحديات الصحية والأمنية والاقتصادية. القيادة السياسية وضعت القارة الأفريقية في قلب أولويات السياسة الخارجية المصرية، إدراكًا لدور مصر ومسؤولياتها تجاه أشقائها الأفارقة.
وعلى المستوى القاري، تواصل مصر القيام بدور قيادي بارز، حيث يتولى السيد رئيس الجمهورية ريادة ملف إعادة الإعمار والتنمية فيما بعد النزاعات بالاتحاد الأفريقي، فضلًا عن رئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي للجنة التوجيهية لرؤساء دول وحكومات الوكالة الأفريقية للتنمية (نيباد)، ولقد أقرت قمة الاتحاد الأفريقي الأخيرة في دورتها العادية الثامنة والثلاثين تمديد الرئاسة لعام إضافي، في خطوة تعد نجاحاً جديداً يضاف لسجل نجاحات مصر على الساحة الأفريقية وتعكس ثقة الدول الأفريقية الشقيقة في مصر. ويضاف إلى ما سبق، عضويتها الفاعلة والمتعاقبة في مجلس السلم والأمن الأفريقي. وتأكيدًا على التزامها بدعم العمل الأفريقي المشترك، استضافت مصر مقر وكالة الفضاء الأفريقية ومركز دول الساحل والصحراء لمكافحة الإرهاب.
كما أطلقت مصر منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين الذي أصبح منصة إقليمية مهمة لمناقشة قضايا السلم والأمن والتنمية. كما يلعب مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام في افريقيا دورًا محوريًا في بناء القدرات الأفريقية ودعم جهود إحلال السلم والأمن وإعادة الإعمار وبناء السلام. إلى جانب جهود الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية – الذراع التنموي لمصر- والتي قامت بتدريب وبناء قدرات آلاف الكوادر الأفريقية وتنفيذ مشروعات تنموية في العديد من المجالات في مقدمتها مجالات الصحة والطاقة، ومنها إنشاء محطات للطاقة الشمسية ومستشفيات مصرية في عدد من دول القارة.
لقد حرصت مصر على تكثيف حضورها السياسي والأمني والاقتصادي والتنموي في أفريقيا، ولم تقتصر جهودها على القضايا التنموية فحسب، بل امتدت إلى مجالات مكافحة الإرهاب وحرصت على نقل خبراتها الممتدة في هذا المجال إلى الدول الأفريقية الشقيقة من خلال تبادل الخبرات او تقديم الدعم الفني لها، فضلاً عن تقديم الدعم في مجالات مكافحة الجرائم المنظمة، والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية. وحرصت على دعم التكامل الاقتصادي والتجاري القاري، بما في ذلك المساهمة الفعالة في إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية، كما أطلقت عدد من المبادرات والآليات، من أبرزها آلية لتمويل المشروعات في دول حوض النيل الجنوبي ووكالة ضمان الصادرات والاستثمار في افريقيا، مما يعزز التنمية المستدامة في هذه الدول الشقيقة..
سد النهضة
● ملف سد النهضة لايزال عالقًا ولم تحقق مصر أهدافها في هذا الملف حتى الآن، ما هو مستقبل العملية التّفاوضية مع إثيوبيا، وماذا لو قررت الأخيرة إنشاء المزيد من السدود على النيل الأزرق مثلما يعلن بعض مسؤوليها؟
- يأتي الأمن المائي ضمن ركائز الأمن القومي المصري، وسيظل إحدى أولويات سياستنا الخارجية النشطة في دول حوض النيل، وقبل التطرق لتطورات السد الإثيوبي، أود التأكيد على أن مصر لطالما دعمت أشقائها بدول حوض النيل، فنحن مقتنعون بأن نهر النيل رباط أزلي وملكية مشتركة، ويتعين أن نحسن إدارته واستخدامه لتحقيق المنفعة والتنمية للجميع دون الإضرار بمصالح أي من دول الحوض، وهو الامر الممكن تحقيقه إذا ما تم إتباع القانون الدولي، وقد شهدت الشهور الستة الماضية حراكاً مكثفاً مع الأشقاء فتوالت الزيارات المتبادلة على المستويات الرئاسية والوزارية مع السودان وكينيا وأوغندا ورواندا والكونغو الديمقراطية وتنزانيا.
وفي تاريخ التعاون الممتدة مع الأشقاء بدول حوض النيل، لم تعرقل مصر أية مشروعات سدود، بل دعمنا هذه المشروعات ومولنا بعضها، لاسيما بحوض النيل الجنوبي، وقد وجه السيد رئيس الجمهورية مؤخراً بإطلاق آلية تمويل جديدة لهذا الغرض بقيمة 100 مليون دولار، وهو الأمر الذي لمست الترحيب البالغ به من قبل الأشقاء من دول حوض النيل الجنوبي خلال زياراتي واتصالاتي المتكررة معهم.
أما اتصالا بالمسلك الإثيوبي في النيل الأزرق، فقد سعينا بنوايا صادقة لأكثر 13 عاماً للتوصل لاتفاق مُلزم حول السد الإثيوبي يحقق المصلحة للجميع وفقاً للقانون الدولي، إلا أن إثيوبيا أثبتت أنها لا ترغب في التوصل لحلول وتستمر في التسويف في ظل أوهام السيطرة على النيل الأزرق – وهو النهر الذي يشكل ملكية مشتركة لدوله – وبعدما تأكد للجميع حقيقة النوايا الإثيوبية، انتهت المفاوضات في ديسمبر 2023، وأعلنت مصر انها ستظل متابعة عن كثب للتطورات في النيل الأزرق، وقادرة على اتخاذ كافة التدابير المكفولة بموجب ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن وجودها ومقدرات شعبها.