زياد بهاء الدين *
كأن العالم لم يُعد فيه إلا الرئيس الأمريكي «ترامب» والجمارك التي أعلن فرضها الأسبوع الماضي على الدول التي لن تنصاع لطلباته وأوامره، ثم ضاعفها بالأمس على الصين حتى تجاوزت 100٪.
الموضوع لاشك خطير، لأن آثاره وتداعياته سوف تتجاوز خسائر وقتية واضطرابًا عابرًا في أسواق العالم إلى التهديد بدخول الاقتصاد العالمي في مرحلة من الركود الطويل والتضخم وربما نهاية عصر العولمة الذي ساد لعقود طويلة. وفي تقديرى أن أفضل ما كُتب بالعربية في وصف المخاطر والتداعيات هو سلسلة مقالات وأحاديث الدكتور محمود محيي الدين خلال الأسابيع الماضية. كذلك أحسنت الدكتورة عبلة عبداللطيف، مديرة المركز المصري للدراسات الاقتصادية، بعقد ندوة عاجلة أمس الأول حول التأثير المحتمل للقرارات الأمريكية على الاقتصاد المصري، وقدمت خلالها عرضًا تضمن بعض الأرقام والتحليلات المبدئية والهامة. ثم هناك، من جانب آخر، سلسلة طويلة من الكتابات والتحليلات التي اتجهت إلى إبراز «الفرصة السانحة» التي تمثلها هذه القرارات لمصر، حيث لم يفرض علينا إلا جمارك نسبتها 10٪ فقط (مقارنة بنسب 104٪ للصين، و47٪ لفيتنام، و24٪ لكوريا، و20٪ لأوروبا) ما يعني أن لدينا فرصة لاجتذاب استثمارات كبيرة من البلدان التي سيبحث مستثمروها عن مناطق إنتاج بديلة تتمتع بمعاملة جمركية أفضل.
شخصيًا فإنني أميل عادة إلى التفاؤل والبحث عن الفرص التي تأتي مع التحديات. ولكن أخشى أن يكون حديث الفرص السانحة والتفاؤل غير مناسب هذه المرة.
الواقع أن حجم المساهمة المصرية في التجارة العالمية صغير جدًا ولا يزيد- بحساب المركز المصري- عن 0.25٪ من التبادل التجاري العالمي، نعم ربع في المائة! وهذا قد يبدو مطمئنًا من ناحية عدم تأثرنا بالجمارك الأمريكية، ولكنه في الحقيقة ليس مما يبعث على السعادة لأنه يشبه حالة من ينجح في تجنب خسارة السباق لأنه لا يشارك فيه أصلًا.
الخطر على مصر إذن ليس زيادة الجمارك الأمريكية في حد ذاتها بل ما يمكن وصفه بالأثر «الثانوي»، أي ما يترتب على الركود العالمي القادم والتضخم وانخفاض توقعات النمو والربحية من تداعيات غير مباشرة وخطيرة على الجميع. وهذا هو ما يجب التفكير فيه والاستعداد له بجدية وسرعة بدلًا من الانشغال بالأثر الجمركي المباشر الذي لا يعنينا كثيرًا.
ماذا عن السيناريو المتفائل؟ أن تكون هناك «فرصة سانحة» لمصر في جذب الاستثمار الأجنبى الباحث عن موطن بديل يتمتع بجمارك أمريكية منخفضة؟ الواقع أن هذا كلام مشجع ولكنه يصطدم بمشكلتين: الأولى أن مصر لم تستفد من معاملتها الجمركية التفضيلية طوال السنوات الماضية، بل ظلت مساهمتها في التجارة العالمية متواضعة للغاية، والثانية أن الاستثمار الأجنبي لن يندفع نحو بلد لمجرد تمتعه بمعاملة جمركية أفضل، فهذا مجرد عنصر واحد في حزمة كبيرة من العناصر التي تمثل المناخ الاستثماري عمومًا. حزمة فيها سهولة الإجراءات، والتنافس مع الدولة، والسياسات النقدية والمالية، والتكلفة الفعلية للنشاط، والبنية التحتية، وتوافر العمالة المدربة، والأراضي، والشفافية في التعامل، واحترام العقود، والأمن والسلامة، وحسن معاملة المستثمرين الوطنيين قبل الأجانب. وإذا كنا تقدمنا في بعض هذه المجالات فإننا لا نحقق التقدم المطلوب بعدُ في كثير منها.
الفرصة قد تكون سانحة فعلًا، وعلينا بالتأكيد أن نسعى لاقتناصها. ولكنها فرصة لن تتحقق بمجرد الترويج لميزة جمركية، بل بإصلاح عميق ومستمر للمناخ الاستثمارى وإعادة توجيه دفة المسار الإقتصادي كي لا تكون الأحداث الراهنة فرصة أخرى ضائعة.
*نشر في صحيفة المصري اليوم