2025: الإقتصاد المصري على طريق
"التحديات" و "التحولات" الكبرى

03.01.2025
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

القاهرة: محمود عبد العظيم

يدخل الاقتصاد المصري العام الجديد 2025 محملاً بالعديد من التحديات التي تفرض تحولات كبرى تشمل السياسات والتوجهات وأليات العمل وهي التحولات التي كشفت عنها رسائل حكومية كان أكثرها وضوحاً ما صدر عن د. مصطفى مدبولي رئيس الوزراء وما تضمنته كلمات متناثرة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في مناسبات مختلفة حول  مراجعة لبعض السياسات الاقتصادية تعتزم الحكومة المصرية إجراءها في المرحلة القادمة.

ويعتقد الكثيرون – لاسيما في أوساط دوائرالأعمال – أن التحولات المرتقبة ترتبط إلى حد كبير بطبيعة التحديات والمشكلات التي يعاني منها الإقتصاد  المصري في السنوات الثلاث الأخيرة والتي فشلت معظم الحلول التي جرى تطبيقها في الوصول إلى معالجة جذرية لها على الرغم من تدفق التمويل الخارجي – قروضاً وإستثمارات – وتسريع عجلة بيع الأصول العامة وشراكة مع صندوق النقد الدولي في الإشراف على برنامج إصلاح متكامل لجوانب الخلل في الهيكل الاقتصادي للبلاد، لم تسفر حتى الآن عن نتائج ملموسة بإستثناء بعض النجاحات على صعيد المالية العامة التي يتقلص عجزها الكلي بشكل طفيف وتحقق فائضاً أولياً في حدود 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وهو الفائض الذي سرعان ما يتحول إلى عجز كبير بمجرد إدخال رقم خدمة المديونية العامة على بند إلتزامات الموازنة.

لقاء كاشف

لذلك كله جاء اللقاء الذى عقده رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولي مع مجموعة بارزة من رجال الأعمال ومسؤولي مؤسسات مالية كبرى قبل أن يسدل العام 2024 الستار الأخير على أيامه المنقضية ليكشف وعلى نحو جلي طبيعة التحديات التي تواجه الإقتصاد المصري والتحولات المطلوبة للتعامل مع هذه التحديات لاسيما وأن لغة المصارحة والمكاشفة سادت هذا اللقاء على الرغم من إرتباط معظم الحاضرين بشبكات مصالح مع الدولة ومشروعاتها الكبرى.

فقد تناول الحاضرون مشكلات سعر الصرف وشح الدولار وتراجع نصيب القطاع الخاص من الإستثمارات وتدهور أوضاع بيئة العمل مما دفع 2360 شركة مصرية إلى نقل أعمالها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة خلال النصف الأول من العام 2024 فقط إلى جانب الأثار السلبية لتضخم المديونية العامة بشقيها الخارجي والداخلي على معدل النمو العام وقدرة الحكومة على تمويل وتحسين أداء الخدمات العامة  - خدمات الصحة والتعليم على وجه الخصوص - وتأثر بعض القطاعات الأنتاجية بقرارات إدارية ومنها تراجع إستهلاك حديد التسليح بسبب وقف البناء العشوائي في معظم مناطق الجمهورية حيث تراجع الرقم من نحو عشرة ملايين طن سنوياً في العام 2010 إلى نحو 6,5 مليون في السنوات الثلاثة الأخيرة كمتوسط على الرغم من حجم المشروعات الحكومية الكبرى في مجالات البناء والتشييد .

لأن التحديات التي تكبل حركة الأقتصاد المصري واضحة ومحددة فإن معالجتها تقتضي قدراً كبيراً من الشجاعه السياسية وإتخاذ قرارات قد تكون مؤلمة لبعض الأطراف في العملية الأقتصادية وتدفع بإتجاه تغيير أولويات الإنفاق العام وهو أمر ليس بالسهولة التي يتصورها الكثيرون فى ظل وجود العشرات من مشروعات البنيه الأساسيه تحت التنفيذ حالياً وجرى تمويل بعضها عبر قروض خارجية – مثل مشروعي القطار الكهربائى السريع والمونوريل على سبيل المثال – ومن ثم ليس من الممكن أو من الجدوى الاقتصادية وقفها ومن ثم تجد الحكومة نفسها مضطره لإستكمال هذه المشروعات حتى تدخل مرحلة التشغيل الفعلي .

مشكلة التضخم

أيضا فإن معالجة قضية التضخم المنفلت – يرتفع فوق 25% حالياً – وضخ المزيد من الأموال في حزمة برامج جديده للحماية الأجتماعية – حسبما طلب صندوق النقد في المراجعة الأخيرة للبرنامج الإصلاحي – سوف يترتب عليه المزيد من العجز المالي خاصة وأن الحكومة تتجه إلى إلغاء الدعم العيني وإستبداله بالدعم النقدي المباشر للأسر الأكثر إحتياجاً وهو تحول يستلزم المزيد من التمويل حيث سيتم ربط زيادة سنوية لمستحقي هذا الدعم تعادل نسبة التضخم المعلنة من البنك المركزي، الأمر الذي من شأنه أن يحول الدعم النقدي المباشر إلى بند رئيسي في الموازنة العامة يتضخم بمرور الزمن لاسيما في ظل تقديرات دولية تشير إلى أن نحو 60 مليون مواطن مصري هم فقراء أو مهددون بالفقر – حسب تعبير البنك الدولي – يستحق نحو 80 في المئة من هؤلاء أن تمتد لهم مظلة الحماية الأجتماعية وبالتالى يدخلون دائرة المتلقين للدعم النقدي المباشر.

المديونية ومعاناة القطاع الخاص

أما قضيتا المديونية الكبيرة ومعاناة القطاع الخاص من ضيق الفرص فتمثلان التحدي الأكبر أمام الاقتصاد المصري في العام الجديد .

على صعيد قضية المديونية فإن أحدث الأرقام تشير إلى عوده المسار التصاعدي لمجمل الدين الخارجي ليسجل 155,3 مليار دولار بنهاية سبتمبر – أيلول – 2024 بعد ما كان قد تراجع إلى 152 مليار دولار عقب إتمام صفقة رأس الحكمة نزولاً من 168 مليار دولار.

هذه العودة لارتفاع الدين الخارجي من شأنها أن تهدد الخطة الحكومية الراميهة لخفض هذه  المديونية تدريجياً ومن ثم تلقي بمزيد من الأعباء المستقبلية على موارد البلاد الدولارية .

أيضاً تشير الأرقام المعلنة إلى أن مجمل التزامات مصر التي يتعين عليها سدادها لخدمة المديونية الخارجية يدور حول 22,4 مليار دولار في العام 2025 مقابل 38,7 مليار دولار تم بالفعل سدادها في العام السابق. وعلى الرغم من تراجع إلتزامات جدول السداد إلا أن الموارد  الدولارية التي شهدها العام الماضي تعد موارد غير متكررة – صفقة رأس الحكمة – ومن ثم ربما يشهد العام الجاري "إختنافات دولارية" متكررة عندما تحين مواعيد سداد الأقساط المستحقة لاسيما وأن السوق بدأ يعاني بالفعل من شح دولاري واضح إلى جانب عودة خفية للسوق الموازية وإن كانت على إستحياء .

الجنيه والمديونية المحلية

لذلك يتوقع مراقبون أن يشهد سعر صرف الدولار فى مصر تغيراً على مدار شهور العام 2025 وتشير توقعات مؤسسات مالية محلية ودولية إلى أن سعر صرف الدولار سوف يكسر حاجز الـ 55 جنيها في كل الأحوال لاسيما وان شهر مارس/اذار القادم سوف يشهد المزيد من الضغوط على سوق الصرف مع موعد استحقاق مبالغ دولارية ضخمة في شكل أذون وسندات خزانة تعود لمستثمرين أجانب ومن المرجح ألا يعيد  هؤلاء المستثمرون ضخ هذه الأموال فى أدوات دين حكومية جديدة خاصة إذا ما أقدم البنك المركزي على خفض اسعار الفائدة وبالتالي سوف تجد الكثير من هذه الأموال طريقها إلى الخروج من السوق المصرية لتمثل عامل ضغط إضافي على الحكومة والبنك المركزي خلال النصف الأول من العام .

أما على صعيد المديونية المحلية التي تدورحالياً حول 9,5 تريليون جنيه ومرشحة للوصول إلى عشرة تريليون جنيه خلال شهور حيث يتم تمويل عجز الموازنة عبر الإقتراض الداخلي المستمر فإن عبء خدمة هذه المديونية – التي تتراوح بين 2,5 إلى 3 تريليون جنيه سنوياً حسب تعبير حسن هيكل في لقائه مع رئيس الحكومة – من شأنه أن يعوق قدرة الحكومة على تمويل التنمية أو تنفيذ خطتها الرامية لوضع الدين الداخلي على مسار نزولي لاسيما وأن الإقتراض الحكومي من الجهاز المصرفي يؤدي تلقائياً إلى تراجع فرص القطاع الخاص فى الوصول إلى التمويل بتكلفة مقبولة .

القطاع الخاص

هنا تقفز أزمه القطاع الخاص المصرى ومفتاحها الرئيسى يتمثل فى نقطتين الأولى المنافسه غير العادله التي تعانى منها الشركات الخاصه فى معظم القطاعات الأنتاجيه والخدميه والثانيه وتتمثل حسبما اشار هشام طلعت مصطفى خلال اللقاء فى إرتفاع تكلفه التمويل وعدم قدرة القطاع الخاص على تحمل فائدة في حدود 30% وهي النقطة التي أكد عليها أيضاً رجل الأعمال المهندس نجيب ساويرس حينما أشار إلى أن عملية تسعير المنتجات تضع في إعتبارها الفائدة المرتفعة وهو الأمر الذي يغذي التضخم باستمرار والذي يعد – حسب رؤية العديد من رجال الأعمال البارزين "صناعة حكومية".

وبالنسبة لقضية المنافسة غير العادلة فى السوق المصرية فلا تزال تشكل هاجساً لمؤسسات الأعمال وعلى نطاق واسع على الرغم من أن تقريراً صدر حديثاً عن وزارة التخطيط والتنمية الإقتصادية يشير إلى إرتفاع حصة القطاع الخاص من الإستثمارات العامة في الربع الأول من العام الجاري لتبلغ 64 في المئة وبإجمالي استثمارات 133 مليار جنيه .

لكن استمرار الحكومة في تأسيس وإطلاق العديد من الشركات الجديدة في مجالات عدة – سواء بطريقه مباشرة أو عبر مؤسسات تابعة للدولة وتمتلك اذرعاً أقتصادية فى السوق – يعطى إشارات سلبية للقطاع الخاص وأن عملية تخارج الدولة من الأقتصاد تخضع لبعض "المناورات" التي تعكس تردداً واضحاً في أتخاذ قرارحاسم في هذا الملف الشائك.

هنا تصبح التحولات " ضرورة لمواجهة التحديات لكن السؤال المطروح هو، هل هناك رغبة حقيقية فى إنجاز التحولات المطلوبة ومتى يتم ذلك ومتى تتحول الإشارات والتصريحات الإيجابية إلى فعل وممارسة على الأرض.

بإختصار الوقت ينفذ والضغوط الإقتصادية تزداد حدتها ولامفرعن المواجهة الحكومية الشجاعة لتلك التحديات.