دروس مجزرة النصيرات

11.06.2024
عماد الدين حسين
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

كتب عماد الدين حسين*

إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة، وقادة جيشه قد قتلوا وأصابوا أكثر من 600 فلسطيني ودمروا مربعات سكنية كاملة فى مخيم النصيرات بغزة الأسبوع الماضي من أجل إطلاق سراح 4 أسرى محتجزين في يد المقاومة الفلسطينية، فمعنى ذلك أنهم لن يتورعوا عن قتل كامل الشعب الفلسطيني لتخليص بقية الأسرى وعددهم حوالى 130 أسيرا.

بلغة الحسابات فإن نتنياهو مستعد لقتل وإصابة ٥٠ فلسطينيا مقابل كل أسير على الأقل.
وطبقا لهذا المنطق فعلينا ألا نستغرب إذا استمر العدوان الإسرائيلي بصور مختلفة مادام يتخلص كل يوم من أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين.
الموقف المصري الصلب ــ حتى الآن ــ أفشل وأجهض المخطط الإسرائيلي الأصلي الهادف إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم، ولكن يبدو أن قادة دولة الاحتلال قرروا أن يقتلوا أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين لدرجة أن عدد القتلى والمصابين يبلغ أكثر من 5٪ من عدد سكان قطاع غزة حتى الآن.
المنطق الإسرائيلي شديد الخطورة وينبغي دراسته بهدوء وتروٍّ لأنه يكشف لنا من دون مساحيق جوهر الفكر الصهيوني وكيف يتعامل مع العرب.
ما قبل اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 وما تلاها من اتفاقيات أوسلو 1993 مع الفلسطينيين و«وادى عربة» مع الأردنيين عام 1994 ثم العلاقات الرسمية مع البحرين والإمارات والسودان والمغرب بعد عام 2020، كان العرب يدركون بوضوح جوهر المشروع الصهيوني، لكن الأجيال الجديدة وفي غمرة التعتيم الإعلامي الممنهج عربيا نسيت حقيقة هذا الاحتلال وتصورت أن إسرائيل دولة ديمقراطية علمانية متحررة تؤمن فعلاً بالحريات وحقوق الإنسان.
العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 7 أكتوبر كارثي ومأساوي لكنه لا يخلو من فوائد أهمها أنه فضح جوهر السياسات الإسرائيلية للأجيال العربية الجديدة، بل وللشباب فى معظم بلدان العالم خصوصاً طلاب الجامعات الكبرى فى الغرب، وبالأخص فى الولايات المتحدة، التي انتفض طلابها ــ وفيهم بعض اليهود ــ ضد البربرية الإسرائيلية بحق سكان غزة.
مرة أخرى ما ارتكبته إسرائيل من مجازر متنوعة ضد الشعب الفلسطيني وآخرها في مخيم النصيرات بغزة يكشف لنا أن الرهان على إمكانية إقامة علاقات سلام مع هذا الكيان ضرب من الأمل الكاذب والسراب الخادع.
نتمنى أن تعترف إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني فى إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 لكن واقع الحال يؤكد كل لحظة أن هذه الحكومة التي تحظى بدعم أكثر من 50٪ من الشعب الإسرائيلي تنكر على الفلسطينيين، ليس فقط الحق فى إقامة دولتهم المستقلة، بل الحق فى الحياة نفسها.
أحد قادة هذه الحكومة وهو المتطرف بتسلئيل سموتريتس وزير المالية ورئيس حزب «الصهيونية الدينية» نشر دراسة مهمة قبل سنة كاملة، وقبل أربعة شهور من عملية «طوفان الأقصى»، خيّر فيها الفلسطينيين فى الضفة والقطاع بين ثلاثة خيارات لا رابع لها، وهي إما أن يقبلوا العيش كمواطنين درجة ثانية فى دولة إسرائيل الكبرى من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، أو يرحلوا تماماً خارجها، أو يتم قتلهم إذا أصروا على المقاومة.
أهمية هذه الدراسة التى نشرت أكثر من مرة آخرها فى يونيو 2023 أنها تكشف بوضوح أن الأهداف الصهيونية واضحة، وأنها لم تكن فى حاجة إلى عملية "طوفان الأقصى" لكي تقوم بهذا العدوان البربري الوحشي.
لو جاز لي أن أقترح على المفاوض العربي أن يسأل الإسرائيليين سؤالاً مفتاحياً أساسياً وهو: هل تؤمنون بأن الفلسطيني والعربي يستحق الحياة مثل الإسرائيلي؟ وهل هذا العربي من "الأغيار" له نفس المكانة الإنسانية التيتنظرون بها للإسرائيلي؟
هذه أسئلة شديدة الأهمية لأنه إذا كان غالبية الإسرائيليين يرون أن "العربي الميت هو العربى الجيد" وأن الفلسطينيين "حيوانات بشرية"، كما قال وزير دفاعهم يوآف جالانت، أو ينبغي محوهم من الأرض بالقنبلة النووية كما قال أميحاي إلياهو وزير تراثهم، وإذا كانت كل الأحزاب والقوى الإسرائيلية الصهيونية تعارض علناً إقامة دولة فلسطينية، فالسؤال البديهي هو: كيف يمكن أن نضع أيدينا فى أيدي هؤلاء القتلة الساديين، كيف نأمن على أيدينا؟! ليعترفوا أولاً أننا بشر متساوون في الحقوق والواجبات وبعدها يمكننا أن نناقش أي شيء.

*نقلاً عن صحيفة الشروق المصرية