لبنان: حرب الجنوب
تحدد اتجاهات البوصلة

05.06.2024
الرئيس بري والمفاوض هوكشتين
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

كتب: علي زين الدين

يستدل من المعلومات المتعدّدة المصادر والمداولات غير المعلنة في الصالونات الرسمية والخاصة على السواء، بان "بوصلة" حرب غزّة وسهامها الاقليمية من بيروت الى صنعاء ، لا تحظى فقط بأولوية مطلقة على مجمل المداخلات الخارجية الخاصة بلبنان، انما هي تحدّد، في الوقت عينه، معالم خريطة الطريق لمستقبل البلاد السياسي اولا، والاقتصادي تاليا وشاملا لملف النفط والغاز في الحقول البحرية، واستطرادا مسار الاتفاق "المعلّق" مع صندوق النقد الدولي وما يزخر به البلد من ازمات نظامية متشعبة ومتفاقمة.

وفي الأعمق، وفق قراءات ومعلومات متطابقة لدى مسؤولين كبار في القطاع المالي وخارجه، تحفل الأسابيع المقبلة بتطورات حاسمة من شأنها تحديد الوجهات المتشابكة. وفي الرؤية، ثمة كوة ضوء تلوح في أفق الظلام الدامس، يؤمل توسعتها لتسريع انضاج تسويات اقليمية مترابطة يكون للبنان حصة فيها وتنطلق حكما من معالجة الفراغ الرئاسي واعادة تكوين السلطات الدستورية، كمدخل رئيسي ورحب لاعادة وضع الاقتصاد على سكة النهوض والنمو.

 بذلك، قد ينفع قليلا، وليس أكثر، الحبر المتدفق ومعه حزمات الاستقصاءات والتحليلات التي رافقت وأعقبت الجولة الاستطلاعية "الأحدث" ودعوات الغداء والاحتفاء لبعثة الصندوق في بيروت خلال الشهر المنصرم، باضافة مشهد جانبي الى المسرح المحلي المقبل في "اليوم التالي" ما بعد الحرب، بينما ستنحو الفصول المحورية الى استحداث مرتكزات تحاكي فداحة الفجوات السياسية والمالية وسبل ردمها، وتراعي حتما، في بعديها الداخلي والخارجي،  مقولة "الغنم على قدر الغرم".

وبالفعل، لم يعد سرا، حسب المعنيين،  ان لبنان يتلقى مباشرة ومداورة، دفقا متواصلا من الرسائل الخارجية التي تجمع على مركزية الوضع الجنوبي ومآلات تمرجحه بين خياري توسعة المواجهات العسكرية او الانخراط في تسوية مرضية وقابلة للاستدامة، في تحديد وجهات المسائل السياسية والاقتصادية المعلّقة، وفي مقدمها اعادة انتظام السلطات بدءا من انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة مكتملة الصلاحيات، والتي تعدّ شرطا لازما للنهوض ولعقد اتفاقات خارجية، وبالأخص منها ذات المحتوى السيادي او الاستراتيجي.

واستطرادا، تفيد القراءات، بأولوية تتّبع حركة كبير مستشاري الرئيس الاميركي لشؤون الطاقة والاستثمار آموس هوكشتاين، لسبر مسارملفات لبنان العالقة سياسيا واقتصاديا، ومن ضمنها الاتفاق الموعود مع صندوق النقد. وبالتوازي، توقع "الأسوأ" في حال اجهاض محاولات التسويات، حيث يرجح زجّ البلد، كما المنطقة في مرحلة الانتظار الثقيل وكوابيسها الى ما بعد بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من نوفمبر\ تشرين الثاني المقبل.

خطة هوكشتاين

ومن طاقة التفاؤل بمنحى احداثيات البعد الجيوسياسي المنشود، لا يخفي الناظر الأميركي مندرجات التسوية"اللبنانية" التي عمل على اعدادها في الأشهر الماضية، ويترقب ساعة الصفر لوضعها على المسار، وفي عنوانها العريض "إن اتفاقا للحدود البرية بين إسرائيل ولبنان يتم تنفيذه على مراحل، قد يخفف من الصراع المحتدم والدامي بين البلدين".

وفي المندرجات التنفيذية التي افصح عنها عبر منصة  مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي:

● السماح لسكان المجتمعات الشمالية في إسرائيل بالعودة إلى منازلهم ولسكان المجتمعات الجنوبية في لبنان بالعودة إلى منازلهم.

● سيتطلب تعزيز القوات المسلحة اللبنانية، بما في ذلك التجنيد وتدريب وتجهيز القوات.

● تشمل المرحلة الثانية حزمة دعم اقتصادية للبنان وتأكيد استجابة المجتمع الدولي للنهوض.

● المساعدة على توفير الكهرباء العامة لمدة 12 ساعة يوميا في فترة زمنية قصيرة.

●عقد اتفاق الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل في المرحلة الأخيرة.

والى حين رؤية الخيط الأبيض لهذا السيناريو ووضعه موضع التنفيذ، ستظل ادارة صندوق النقد ، تفترض بأن لبنان محكوم بنهاية المطاف، بالاستجابة لحزمة الشروط الاجرائية والتشريعية الآيلة الى ابرام الاتفاق النهائي معها، بغية الفوز ب "جزرة" سيولة نقدية تناهز 3 مليارات دولار، وتكفل، في الوقت عينه، فتح نوافذ تدفق المنح والقروض الدولية الى البلد المنكوب.

ومن المؤكد، وفق مسؤول معني ومنخرط في حيثيات الملف، ، وحتى اشعارأميركي مستمد من احتمالات التقدم صوب تسوية مرضية، ان الافتقار الى الارادة السياسية يحول دون احداث اي اختراق نوعي يعوّل عليه في الانتقال الى ابرام اتفاق ناجز ومبني على معطيات الاتفاق الأولي الذي تم توقيعه قبل سنتين وشهرين بين الطرفين، وربما تعزيزه بجوائز مغرية تشمل زيادات في جرعات برنامج التمويل والمساعدات التقنية في ميادين استدامة الاستقرار النقدي وادارة المالية العامة. 

ومع التوافق الضمني على تثمير تفاوضي اعمق مع بعثة الصندوق المنوطة بالملف اللبناني، يمكن ان ينضج خلال الجولة القادمة في الخريف، يؤمل ان يفضي الى تحديث اكثر ايجابية للمعطيات التي سيخلص اليها التقرير الدوري بموجب مهمة المادة الرابعة ، لم يكن مستغربا ان يقتصر المستجد في التفاوض المباشر على تأكيد مشترك لحرص الطرفين على حيوية خطوط التواصل ، ولا سيما ان بعثة الصندوق المكلفة بالملف اللبناني اختارت في جولتها الدورية الأخيرة، والتي شهدت عقد اجتماعات مبرمجة مع اركان السلطتين التشريعية والتنفيذية وكبار المسؤولين في القطاع المالي، وبالأخص البنك المركزي والجهاز المصرفي، الاستطلاع الميداني وسماع الأراء والرؤى، ولم تحمل في جعبتها اي مقترحات محدثة او لافتة.

البرنامج التمويلي

ولاحظ مسؤول مالي كبير ومعني شارك في جانب من الاجتماعات، انه وعلى رغم الطابع البروتوكولي لجولة الوفد الدولي، فقد ساهمت بتعزيز القناعة لدى الطرفين بالفعالية المحدودة للمعالجات القانونية والتقنية التي يشترطها الصندوق للموافقة على عقد اتفاق ناجز ومعزّز ببرنامج تمويلي بقيمة 3 مليارات دولار، ما لم يتم مقاربتها من ضمن سلة واحدة تكفل وضع الملفات الشائكة حدودياً وداخلياً على مسار واحد للاقتراحات الآيلة الى استعادة النهوض والنمو الايجابي للناتج المحلي عبر تهيئة مناخات ملائمة لتعافي قطاعات الاقتصاد.

ويدرك فريق الصندوق المكلف بالملف اللبناني، ان معظم مندرجات الاتفاق الأولي الذي تم ابرامه قبل سنتين، وجدول المطالب التشريعية والاجرائية المرفق بالاتفاق، تفقد فعاليتها المنشودة ولم تعد قابلة للاستجابة المكتملة من قبل السلطات المعنية في ظل المستجدات والتداعيات المستمرة لحرب غزة، وما تفرزه من خسائر هائلة في ميدان المواجهات وعلى مؤشرات الاقتصاد الكلي والناتج المحلي.

 وبرزت هذه المعطيات بصورة واضحة خلال لقاء  رئيس مجلس النواب نبيه بري، مع رئيس بعثة الصندوق أرنستو راميريز ريغو وفريقه، حيث جرى عرض لمسار ملف الاتفاق العالق والتداعيات الناجمة عن الأزمات المتراكمة على الوضعين المالي والاقتصادي، والاشارة خصوصا الى إستمرار الفراغ في موقع رئاسة الجمهوريه ومواصلة إسرائيل عدوانها على لبنان وأزمة النازحين السوريين.

 ومع التنويه بتطرق النقاش الى ما هو المطلوب إنجازه تشريعياً من المجلس النيابي وتحديداً قانون السرية المصرفية وهيكلة المصارف، جدد بري تأكيده للوفد بأن المدخل لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي و بالنظام المالي العام في لبنان يكون "بضمان إعادة الودائع كاملة لأصحابها مهما تطلب ذلك من وقت".

المركزي: الودائع أولاً

ولم يفت حاكم البنك المركزي بالانابة الدكتور وسيم منصوري ابلاغ البعثة بمرتكزات القناعة الجامعة لدى مكونات الحاكمية والسلطة النقدية التي تصارح بها مرجعيات السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومنطلقها التشديد على أهمية الإسراع في وضع خطة واقعية وعلمية، لإعادة هيكلة وإصلاح النظام المصرفي والمالي وإقرار القوانين الخاصة بها والبدء بالتفاوض مع الدائنين مع التأكيد مجدداً على ان مصرف لبنان على أتم الاستعداد للقيام بكل ما تفرضه عليه القوانين المرعية الاجراء لإتمام هذه المهمات.

بالتالي، فان استمرار التأخر في إنجاز القوانين الإصلاحية، وفي ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها لبنان، من شأنه ان يُضعف المكانة المالية للدولة اللبنانية ومصرف لبنان والمصارف. وهذا الوضع في حال استمراره، "يأتي بالضرر على المودعين اللذين تنأكل حقوقهم مع مرور الزمن". كذلك فإن استمرار التأخير في معالجة الأزمة المصرفية له تبعات جسيمة على المجتمع اللبناني ككل وعلى الاقتصاد الوطني.

وقد رصد الوفد خلال لقاءته، بوادر تبدلات نوعية وجامعة الى حد ما، في المقاربات الآيلة الى تحديد خريطة الطريق الانقاذية، يمكن ان تفضي لاحقا الى صوغ مشروع متكامل يراعي نسبيا عدالة توزيع احمال الفجوة المالية بين ثلاثي الأطراف المعنية، اي الدولة والبنك المركزي والقطاع المصرفي، وارساء موجبات الحماية المطلقة قانونيا وماديا لجزء من المخرات العالقة دفتريا ولحدود معينة لا تهبط عن مئة الف دولار بالحد الأدنى، وعززة ببرامج متوسطة وطويلة الآجال تفضي الى ايفاء الحقوق بمنأى عن استسهال نظريات "الشطب".

القرار القضائي

 وقد شكل الحزم القضائي، النواة القانونية الصلبة للتحولات الطارئة، بعدما حكم القرار التاريخي الصادر عن مجلس شورى الدولة، ومن دون اي التباس بمسؤولية الدولة عن خسائر مصرفها المركزي والأموال التي اودعتها المصارف لديه. كما اكد شطب الدولة لهذه الموجبات يتعارض مع القوانين، ومع الدستور الذي يحمي الملكية الخاصة، وكذلك يتعارض مع المعاهدات الدولية التي تحمي الاستثمار.

كما ظهرت، اشارات لتبدّل جوهري يعاكس الفشل المشهود للمقاربات الحكومية الخاصة باصلاح اصول المصارف ومطلوباتها، بحيث رصد كبار المعنيين في القطاع المالي توجهات محدثة لدى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تتوخى التشاركية في اعداد التعديلات المنشودة على الخطة الأخيرة والجامعة لعدد من مشاريع القوانين المالية والمصرفية و"الكابيتال كونترول" في بوتقة واحدة.

وتم رصد، تبرؤ السلطة النقدية ضمنياً من مجمل الخطط الانقاذية التي طرحتها الحكومة عبر حزمة من مشاريع القوانين المنفردة والمجمعة، والتي تعثرت تشريعياً بفعل  الرفض السياسي والنيابي لارتكازها بالمجمل على تحميل القطاع المالي وحده مسؤولية فجوة الخسائر واقتراح "شطب" توظيفات قائمة لصالح المصارف لدى البنك المركزي تناهز 80 مليار دولار، بما يؤول الى تعذر ايفاء حقوق المودعين البالغة نحو 90 مليار دولار.

وحتى قبل الجولة الحالية، لمس الفريق خلال لقاءاته، على هامش اجتماعات الربيع للصندوق والبنك الدوليين، مع وفود نيابية ومالية لبنانية زارت واشنطن الشهر الماضي، الصعوبة البالغة والتي تقارب حد الاستحالة، في تمرير اي مشاريع قوانين مجحفة بحق المواطنين الذين يقاسون اساسا من ازمة معيشية عاتية واعباء متراكمة جراء انهيار سعر الصرف وتآكل المداخيل ، ولا سيما المحاولات الفاشلة لتحييد مالية الدولة عن موجبات شراكتها بالمسؤولية المادية والسياسية في السعي لردم فجوة الخسائر المقدرة حكوميا بنحو 73 مليار دولار، والرفض الجامع بالمقابل، لمحاولات متكررة تفضي الى "شطب" معظم قيود او جزء من الودائع في البنوك.