مصر- صندوق النقد الدولي:
العقود السرية ودعم الطاقة

15.05.2024
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

القاهرة : محمود عبد العظيم

تنتظر الحكومة المصرية إنجاز المراجعتين الرابعة والخامسة من جانب الفرق الفنية لصندوق النقد الدولي والمقرر لهما شهري يونيو – حزيران – وسبتمبر – ايلول – المقبل للحصول على الشريحتين الجديدتين من برنامج التمويل الممدد والمقدرين بنحو مليار و 644 مليون دولار تدعم بهما مصر خطة الاستدامة المالية الرامية على المدى المتوسط – لخفض مخاطر التمويل الخارجي للاقتصاد المصري .

في المقابل يترقب صندوق النقد بجدية بالغة الإجراءات العملية التي تتخذها الحكومة المصرية لتنفيذ بقية بنود الاتفاق بعدما أعلن الصندوق في احدث تقرير له أن مصر نفذت 7 بنود فقط من بين 15 بنداً تم الاتفاق على إنجازها قبل التوقيع على الصفقة الأخيرة بين مصر والصندوق .

وتتراوح البنود الثمانية – التي تطرح الحكومة المصرية بأنها قيد خطط التنفيذ – بين تعزيز الشفافية المالية وخروج المؤسسات السيادية بشكل كامل من الاقتصاد وتمكين القطاع الخاص وتوحيد الموازنة والتحول إلى الدعم النقدي الكامل ضمن برامج مرن للحماية الاجتماعية.

وبرغم تنوع مطالب الصندوق تبقى قضيتا الدعم والشفافية المالية هما أبرز القضايا محل تباين في وجهات النظر بين مصر والصندوق حيث يرشح المراقبون هاتين القضيتين لتكونا محل معركة قادمة بين الطرفين نظراً للأبعاد الشائكة لكل قضية منهما وهي أبعاد تتنوع بين السياسة والاقتصاد والتأثيرات الاجتماعية.

دعم الوقود

على صعيد القضية الأولى الخاصة بالدعم يبرز ملف دعم الوقود والذي يرى صندوق النقد أنه قد يشكل أحد أهم معوقات البرنامج الإصلاحي وإعادة هيكلة الاقتصاد المصري في السنوات الثلاث المقبلة وأن حسم هذا الملف من شأنه أن يخفف من الضغوط المتوقعة على الموازنة العامة في هذه السنوات الثلاث حال ما استمرت الصيغة الراهنة لدعم الوقود والطاقة.

ويستند الصندوق في هذه الرؤية إلى أرقام الحساب الختامي من الموازنة المصرية خلال العام المالي الجاري 2023 – 2024 والتي سوف يتم اعلانها مع نهاية شهر يونيو – حزيران – المقبل والتي تشير إلى ارتفاع المبالغ المخصصة لدعم الوقود والكهرباء إلى نحو 256 مليار جنيه بنسبة ارتفاع قدره 116% مقارنة بالمبلغ المرصود في الموازنة والمقدر بنحو 125 مليار جنيه.

ولعب تحرير سعر صرف الجنيه المصري دوراً محورياً في هذا الارتفاع حيث قفز سعر الدولار الذي يتم شراء الوقود به من الخارج من 30,8 جنيه إلى نحو 48 جنيه حالياً ومن المنتظر – بحسب صندوق النقد – أن ترتفع المبالغ المخصصة لدعم الوقود في الموازنة الجديدة للعام المالي 2024-2025 إلى 315 مليار جنيه من نحو 150 مليار كان من المفترض أن تغطي هذا البند في فاتورة دعم اجمالية تقترب من 700 مليار من مجمل الانفاق العام في هذه الموازنة.

وتعزز هذه الأرقام - حسب رؤية الخبراء بالصندوق – عجز الموازنة بما يهدد قدرة مصر على خدمة الديون في السنوات الثلاث القادمة لا سيما على ضوء توقعات بضعف النمو في العامين الحالي والقادم وعدم زيادة الموارد المالية للبلاد بالقدر الذي يخدم فاتورة دعم تسجيل صعوداً متواصلاً.

إلغاء تدريجي

لذلك يصر صندوق النقد على ضرورة اتخاذ الحكومة المصرية قراراً حاسماً بإلغاء كامل لدعم الوقود حتى تتخلص الموازنة من هذا العبء وتمنح الحكومة حيزاً مالياً إضافياً لتعزيز برنامج الحماية الاجتماعية الموجه للطبقات الفقيرة لا سيما مع زيادة أعداد الفقراء في مصر حسب أرقام الحكومة من 29,7% من اجمالي عدد السكان في 2022 إلى 32% حالياً.

في المقابل ترى الحكومة العديد من المخاطر حال إقدامها على التحرير الكامل لأسعار الوقود وانه من الأفضل الخفض التدريجي لدعم الوقود عبر جدول زمني يمتد لنحو 4 سنوات متخذة من تجربة "الدعم التبادلي" لأسعار الكهرباء نموذجاً ناجحاً في التخلص من فاتورة دعم الكهرباء حيث نجحت الحكومة عبر جدول زمني مماثل من التخلص نهائياً من دعم الكهرباء وأصبح هذا الدعم صفر في الموازنة إعتماداً على رفع أسعار الكهرباء للشرائح الأعلى استهلاكاً بأعلى من تكلفة الإنتاج وتوجيه فارق الأسعار لدعم الشرائح الأقل استهلاكاً ومن ثم يمكن عبر آلية الدعم التبادلي الوصول بعد أربع سنوات إلى دعم صفر للوقود.

وتستند الحكومة في رؤيتها إلى أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية العامة في البلاد لا تحتمل هذا التحرير الكامل لأسعار الوقود في هذه المرحلة وأن ذلك من شأنه أن يشكل تهديداً لجهود البنك المركزي الرامية لمكافحة التضخم الذي يدور فوق 33% حالياً ويسعى المركزي للوصول به إلى أقل من 20% في غضون العام المالي القادم.

الشفافية المالية

وعلى صعيد الملف الثاني المتعلق بالشفافية المالية يطالب الصندوق بالتوقف عما اسماه "العقود السرية" وعمليات الإسناد بالأمر المباشر للمشاريع الحكومية على أطراف بعينها. ويطلب الإعلان الكامل عن أي مشاريع تزيد قيمتها عن 20 مليون جنيه عبر قانون المناقصات والمزايدات وإعلان أسماء الشركات الفائزة بهذه العقود في محاولة لتوسيع المجال أمام شركات القطاع الخاص للحصول على حصة مناسبة من هذه المشاريع المليارية سنوياً بعدما تحدد سقفاً للاستثمارات العامة بنحو 20 مليار دولار حيث يشكو تريليون جنيه سيشكو القطاع الخاص المصري وما دوماً من عدم مقدرته على المنافسة العادلة للحصول على بعض هذه المشاريع ويسعى الصندوق من وراء هذه المطلب تحديداً إلى "تحجيم" حصول الشركات التابعة للأجهزة السيادية على معظم عقود هذه المشاريع مثلما كان يحدث في السنوات الماضية وبالتالي العمل بطريقة غير مباشرة على الإخراج التدريجي لهذه الأجهزة من سوق المنافسة الاقتصادية.

ويواجه هذا المطلب تحديداً نوعاً من المقاومة الحكومية خاصة من الجهات المستفيدة وعناصر الدولة العميقة والفئات المرتبطة بها بدعوى أن لجوء الدولة المصرية للإعتماد على هذه المؤسسات في انجاز خططها التنموية في السنوات الأخيرة جاء بعدما أبدى القطاع الخاص المصري تخاذله وعدم رغبته في مساندة جهود الدولة في هذا المضمار.

ويبقى السؤال هل يهدد هذين المطلبين مستقبل الاتفاق بين الحكومة وصندوق النقد ويعرقل تنفيذ بقية مراحل الاتفاق البالغ قيمته 8 مليارات دولار إذا ما إتسع الخلاف في وجهات النظر بين الطرفين أو أصر صندوق النقد على موقفه؟!

الشهور المقبلة كفيلة بالإجابة على هذ السؤال.