هل يساعد مؤتمر ابوظبي على حل العقد
المستعصية في منظمة التجارة العالمية ؟

27.02.2024
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

إلتقى ممثلون عن 164 دولة من مسؤولين حكوميين ومهتمين في شؤون التجارة في الاجتماع الوزاري الثالث عشر (MC13) لمنظمة التجارة العالمية الذي بدأ اعماله في أبوظبي العاصمة الاماراتية يوم الاثنين، الواقع فيه 26 شباط\ فبراير، وذلك للشروع بمفاوضات "عسيرة" في محاولة للبت بمواضيع حيوية تهدد فعالية هذه المنظمة، التي يتم من خلالها تطوير وتطبيق قواعد التجارة العالمية، وكذلك البت في النزاعات الناشئة نتيجة تطبيق هذه القواعد أو عدمه.

تضمنت أجندة أعمال الاجتماع مواضيع عالقة مثل إصلاح الدعم الزراعي وآلية تسوية النزاعات وهيئة الاستئناف المعطلة عن العمل نتيجة فقدانها النصاب، وكذلك إصلاح عمليات المنظمة لتصبح أكثر فعالية وسهولة في التعامل اليومي معها، هذا بالاضافة إلى مواضيع مستجدة مثل التجارة الرقمية وكيفية التعامل معها ضريبياً وجمركياً وتنظيم انسياب البيانات وحماية الخصوصية. وحملت المنظمة الاعباء الثقيلة لهذه المواضيع منذ فشل دورة مفاوضات الدوحة في العام 2001 في التوصل إلى اتفاق نهائي حولها. 

وفي الوقت الذي يستعجل البعض نعي دور المنظمة كمنظم للتجارة العالمية، ويشكك بقدرتها على إيجاد الحلول للتحديات الجمة التي تواجهه، يعتقد بعض آخر أن دور المنظمة لا يزال مطلوباً أكثر من أي وقت مضى لتوفير مرجعية أساسية لقواعد التجارة ولحسم المنازعات التجارية ومنع تحولها إلى حروب، وتفادي تشرذم التجارة العالمية وتعدد وتضارب المعايير والمرجعيات في ظل مناخ عالمي ضاغط.

يأتي هذا كله على خلفية توترات جيوسياسية وجيواقتصادية عميقة بين الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة من جهة، والصين ومعها عدد من البلدان النامية من جهة أخرى. وما يجري من محاولات لاعادة تشكيل التدفقات التجارية العالمية ومعها سلاسل القيمة والإمداد ولاسيما بين ما يمكن تسميته بالممرات التجارية العالمية الرئيسية (Trade Corridors) والتي يرافقها تبني سياسات نشطة جديدة لدعم بناء سلاسل امداد صديقة جغرافياً وجيوسياسياً تقتضيها اولويات الأمن القومي أكثر منه الجدوى الاقتصادية. وتثير هذه التوجهات المخاوف من شرذمة التجارة والقواعد التي تعمل عليها من خلال منظمة التجارة العالمية، ولاسيما في ظل تكاثر اتفاقات التجارة الحرة بين الدول، ومحاولة إيجاد حلول مؤقتة لبعض العقد التي تواجه التوصل إلى اتفاقات شاملة قد تقر بالإجماع وتصبح نافذة بعد تبنيها من ثلثي الاعضاء، كما إن العديد من البلدان النامية واالبلدان الاقل تنمية (Least-Developing Countries) تبدي تشدداً في المفاوضات الحالية لاعتقادها بأن نتائج جولة الاورغواي والتي انطلقت على اساسها منظمة التجارة العالمية، كانت بالمجمل لمصلحة البلدان المتقدمة. 

عصرنة المنظمة وتسوية المنازعات 

هناك دعوات متصاعدة لضرورة ادخال إصلاحات على طريقة عمل المنظمة اليومي بهدف جعل مشاركة الأعضاء أسهل وأكثر فعالية من دون تغيير ميزان الحقوق والواجبات بين الاعضاء. وتتضمن الاقتراحات التي سيناقشها الاجتماع الوزاري الثالث عشر تحسين العمل اللوجيستي لاجتماعات المنظمة وتسهيل عملية الإبلاغ عن التغييرات الحاصلة في سياسات وقوانين الأعضاء التي تؤثر على التجارة بهدف تحسين الشفافية وكذلك تسهيل وتسريع النقاش حول القضايا التي تثار عن السياسات التجارية للبلدان الاعضاء. وفي الوقت التي تكتسب هذه الاصلاحات اهمية في تحسين عمليات المنظمة وافادة الاعضاء منها، فإن الاصلاح الاكبر هو في نظام تسوية المنازعات والتي ابدى الاعضاء بخصوصه التزاماً بايجاد نظام متكامل يعمل بشكل جيد لصالح الاعضاء كافة قبل نهاية 2024. ومن الواضح أن هناك عملية تفاوض حثيثة دون اتضاح طبيعتها ومدى تقدمها. وتكمن المشكلة الأكبر في هيئة الاستئناف التي توقفت عن العمل منذ 2019 نتيجة افتقارها للنصاب بسبب التعطيل الأميركي لتعيين أعضاء جدد لخلافة الأعضاء المنتهية ولايتهم ما ادى إلى فراغ كامل في عضوية الهيئة. وفي الوقت الذي أظهرت فيه إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تشدداً كبيراً تجاه المنظمة وعطلت تعيين أي عضو جديد في الهيئة، فإن التغيير في الموقف الأميركي من الهيئة بدأ مع إدارة الرئيس الأسبق باراك اوباما وهو مستمر مع عهد الرئيس جو بايدن، وفيما لم تطرح الولايات المتحدة أي اقتراحات محددة لمعالجة النقاط التي اثارتها ضد نظام تسوية المنازعات، تتمحور الشكاوى الاميركية حول النقاط التالية:

  1. اعتماد تقارير الهيئة كسوابق مستقبلية
  2.  عدم الخروج عن تفويضها الاساسي وهو تفسير قواعد المنظمة والبت بالتقارير المرفوعة اليها نتيجة الاستئنافات
  3.   اصدار اراء استشارية في قضايا ثانوية ليست في صلب القضايا المستأنفة
  4.  اعادة النظر في حيثيات تقارير اللجان وبخاصة بما يخص تفسير القوانين المحلية
  5. تجاوز الهيئة مدة الـ 90 يوماً المنصوص عليها في نظام المنظمة للبت في القضايا المطروحة امامها
  6.  استمرار عمل الاعضاء المنتهية ولاياتهم على القضايا التي يتولونها.

وبينما من المتوقع أن تعالج المقترحات المطروحة هذه الجوانب او بعضها، يعتمد بعض الدول على آليات أخرى للمساهمة في حل النزاعات الناشئة وأهمها ترتيب التحكيم المؤقت المتعدد الاطراف للاستئناف (Multi-Party Interim Appeal Arbitration Arrangement) الذي يمكنه تأمين استمرارية عمل نظام تسوية المنازعات دون القدرة على الاستئناف إلى حين الوصول لاتفاق حول هيئة الاستئناف. ويبلغ حالياً عدد الاطراف المنضويين تحت هذا الترتيب الاختياري 50 بلداً، وهناك حالياً العشرات من الاقتراحات المطروحة للتوصل الى تسوية في هذا المجال وإعادة تفعيل هيئة الاستئناف. 

الزراعة: العقدة المستعصية

ساهمت قضايا عدة في افشال المفاوضات المعقدة التي جرت خلال دورة الدوحة، لكن الزراعة كانت الموضوع الرئيسي الذي حال دون التوصل الى الاتفاق المرجو من تلك الدورة. وبالتحديد تمحور الخلاف حول الدعم المقدم للقطاع الزراعي وللصادرات الزراعية والعوائق امام النفاذ الى الاسواق (Market Access) والأمن الغذائي وحق الدول في دعم الانتاج الزراعي لغرض تأمين المخزون الضروري للأمن الغذائي. وتمثل انظمة الدعم المختلف الاشكال للقطاع الزراعي موضع خلاف رئيسي بين الدول الاعضاء التي يزال القطاع الزراعي يكتسب اهمية خاصة فيها إن كان من حيث مساهمته في الأمن الغذائي وفرص العمل والناتج المحلي أو من حيث التأثير الذي يمارسه المزارعون في العملية الانتخابية والمجتمعات المحلية. ويشهد معظم البلدان الاوروبية تظاهرات متواصلة منذ عام لمزارعيها تهدف الى ضررة استمرار الدعم وتخفيف القيود البيئية المتصاعدة على القطاع، وكذلك درجة الالتزام بالمعايير التي حددتها السياسة الزراعية المشتركة للاتحاد الاوروبي. وتشير معلومات منظمة التجارة العالمية إلى أن حجم تجارة المنتجات الزراعية وصل الى اكثر من 1.48 تريليون دولار اميركي في نهاية العام 2022، في حين بلغت قيمة الدعم المقدم للمنتجين بحدود 630 مليار دولار سنوياً ما بين العامين 2020 و 2022. وبحسب المعلومات المتوافرة حالياً، فإن الاجتماع الوزاري الثالث عشر كما الاجتماع الذي سبقه سيواجه صعوبات كبيرة في التوصل الى اي اتفاق نهائي في المفاوضات حول الزراعة نتيجة المصالح والمواقف المتضاربة والمتداخلة بين الدول الاعضاء من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. 

من يصنّف الدول؟

وفق نظام منظمة التجارة العالمية، فإن للدول الأعضاء الحق في تصنيف نفسها كدول متقدمة، أو نامية أو أقل تنمية من دون أن يكون هناك معايير ومتطلبات محددة للالتزام بها. وفي الوقت الذي يفترض فيه أن تتمتع الدول الاعضاء بالحقوق والواجبات نفسها، فإن الانتماء إلى تصنيف البلدان النامية والاقل تقدماً يحمل معه معاملات خاصة وتفضيلية (Special and Differential Treatment) وفق قواعد منظمة التجارة العالمية، وهو ما تعترض عليه البلدان المتقدمة ولاسيما بما يخص تصنيف الصين لنفسها كدولة نامية. وليس من الواضح كيف يمكن التوصل إلى اتفاق بخصوص إعادة النظر في نظام التصنيف الحالي وأي معايير اقتصادية واجتماعية وبشرية جديدة يمكن اعتمادها ومن الجهة أو الجهات المخولة باقتراح هذه المعايير الجديدة. ولا تبدو هذه المسألة قابلة للحل في الوقت القريب، خصوصاً في ظل حالة الاستقطاب السائدة في العالم حالياً، وتصاعد حدة الاحتكاك السياسي والاقتصادي والتجاري بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، والحرب في أوكرانيا، وكذلك الحرب على غزة وإصرار البلدان النامية الحفاظ على العلاقة بين تصنيفها والمعاملة التفضيلية والخاصة التي تحظى بها. ويطرح هذا الموضوع ايضاً مدى مساهمة التجارة في التنمية وهي من القضايا الأساسية على اجندة الاجتماع الثالث عشر. فالكثير من البلدان النامية تشعر بأنها لا تستفيد بما فيه الكفاية من فتح اسواقها وأنها بحاجة إلى انواع متعددة من الدعم لتطوير بناها التحتية وأنظمتها وطاقاتها المؤسساتية والبشرية للاستفادة مما تقدمه العضوية في المنظمة. 

هل يمكن المواءمة بين تنمية التجارة ومكافحة التغير المناخي وسياسات الدعم النشطة؟

يوماً بعد يوم تتصدر أجندة مكافحة التغير المناخي أولويات النقاش في المحافل والمنظمات الدولية مع جنوح العديد من الدول والمنظمات إلى التطرف في مطالبها، ولا سيما لناحية التخلي عن استخدام الوقود الأحفوري والفحم الحجري والانتقال بالكامل إلى الطاقات النظيفة المتوافرة حالياً من دون الأخذ في الاعتبار الواقع الحالي للعرض والطلب وكيفية تأمين انتقال عادل ومنظم وتدريجي. وبما ان الانتقال الى عالم متدني الانبعاثات يتطلب جهوداً كبيرة في الانتاج والتوزيع والاستهلاك ونقل البضائع، فإن إدخال معايير مناخية الى التجارة أصبح هدفاً اساسياً للقوى الاقتصادية التي تقود عجلة مكافحة التغير المناخي، ويمكن لقطاع التجارة أن يساهم بشكل كبير في الحد من الانبعاثات ولاسيما في قطاع النقل البحري والبري والجوي عبر الاعتماد على مصادر طاقة جديدة مثل الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر والوقود الحيوي وغيرها. لكن الشأن المناخي في التجارة لا يقتصر على مسألة تخفيض الانبعاثات بل يتعداها إلى السياسات الصناعية وعمليات الدعم النشط التي بدأت تقدمها الكثير من الدول لقطاع الطاقات الخضراء والصناعات والتقنيات المرتبطة بها وأصبح هناك تخوف حقيقي من تصنيف بعض الدول لهذه السياسات النشطة كغطاء لسياسات حمائية جديدة لبعض القطاعات مثل السيارات الكهربائية وانظمة توليد الطاقة الشمسية في حالة الولايات المتحدة والصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب والالمنيوم في حالة اوروبا. فمثلاً يسعى نظام خفض التضخم (Inflation Reduction Act) الذي أقرته ادارة الرئيس بايدن إلى تقديم انواع مختلفة من الدعم بقيمة 400 مليار دولار لتشجيع عملية الانتقال الى الطاقات الخضراء، ويركز بشكل اساسي على منح دعم لشراء السيارات الكهربائية المصنعة بالغالب في السوق الأميركية او في الدول التي تتمتع باتفاقات تجارة حرة مع اميركا، كما يوفر القانون انواعاً من الدعم للمصنعين في حال قيامهم باستثمارات جديدة في هذا المجال. وتعتبر الصين، وهي المصنع الاكبر للسيارات الكهربائية والبطاريات والالواح الشمسية، ان هذا القانون يهدف بجزء اساسي منه الى ابعادها عن السوق الاميركية قدر الامكان في هذه المجالات، وتكوين سلاسل امداد جديدة داخل الولايات المتحدة وبعض الدول الصديقة لها، كما ان الاتحاد الاوروبي طور اخيراً عدداً من السياسات لتشجيع التحول عن الطاقات الجديدة وكان ضمنها أخيراً آلية تعديل الكربون على الحدود (Carbon Border Adjustment Mechanism CBAM)، والذي يسعى الى الحد من دخول البضائع ذات الانبعاثات العالية والمتدنية الأسعار مثل الحديد والالمنيوم إلى الاسواق الاوروبية عبر فرض رسوم عليها ومساواتها بالصناعات المحلية ذات الانبعاثات المنخفضة. ويعتقد البعض أن هذه الآلية ستفسر كأحد الاجراءات الحمائية التي قد تخالف قواعد منظمة التجارة العالمية، وقد تستجلب إجراءات مضادة من بعض الدول المتأثرة. وتطرح كل هذه التطورات الحاجة إلى تعديل بعض قواعد المنظمة المرتبطة بالاعانات والامن القومي والعلاقة بين التجارة والبيئة. 

التجارة الرقمية: اي ضريبة وكيف؟ 

تشهد التجارة الرقمية نمواً متسارعاً منذ أكثر من عقدين. وتم الاتفاق في منظمة التجارة العالمية في العام 1998 على تجميد فرض أية رسوم او تعرفات جمركية على هذا النوع من التجارة (Electronic Transmissions) في انتظار التوصل الى فهم أفضل لكيفية التعامل الضريبي مع هذه المعاملات الضخمة، التي لا تتضمن اية تبادلات سلعية. وتم تجديد هذا الالتزام خلال الاجتماع الاثني عشر، ويتوقع الاستمرار في عملية التجميد هذه خلال الاجتماع الثالث عشر وذلك على الرغم من الاعتراض الذي تبديه بعض الدول النامية وعلى رأسها الهند وجنوب افريقيا واندونيسيا. ونظراً إلى هيمنة البلدان المتقدمة عبر شركاتها العملاقة على هذه التجارة وسيطرتها على انتاج البرامج والمعدات ومعظم مكونات الاقتصاد الرقمي والتقنيات المرتبطة به، فهي تسعى الى الابقاء على هذا الإجراء الى اطول مدى ممكن. وقد تشاركها الصين في هذا الموقف نظراً إلى نمو صادراتها الرقمية. وفي المقابل، فإن معظم البلدان النامية تفتقر الى المنظومات الرقمية القادرة على انتاج خدمات قابلة للتصدير، ولا يزال العديد منها يعاني من ضعف البنى التحتية للاتصالات والانترنت وحتى الطاقة الكهربائية، ناهيك عن النقص في الاستثمارات والبنى القانونية والموارد البشرية، كما ان التجارة الرقمية بحاجة الى ايجاد قواعد وقوانين متناسقة وعادلة وشفافة تنظم تدفق البيانات وتوازن بينها وبين خصوصية الافراد، وتسعى كل دولة حالياً إلى تنظيم هذه التجارة وفق مصالحها. ويبدو الاتحاد الاوروبي سباقاً في هذا المجال عبر القوانين التي اصدرها في الاعوام الاخيرة لتنظيم الخدمات والاسواق الرقمية والبيانات، في حين تعيش الولايات المتحدة في مقلب آخر ولاسيما في ما يتعلق بالخصوصية، كما بدأت الصين تظهر تشدداً في موضوع انتقال البيانات ما دفع الكثير من الشركات الاجنبية المتواجدة في الصين الى فصل بيانات الصين عن بياناتها في بقية العالم.

ومن هنا، فإن نجاح منظمة التجارة العالمية في إيجاد قاعد جديدة للتجارة الالكترونية والرقمية، قد يتطلب نظرة شاملة تتضمن معاملة تفضيلية للبلدان النامية لتطوير إنتاجها وصادراتها الرقمية عبر استقطاب الاستثمارات وتطوير البنى التحتية والقدرات المؤسساتية والقانونية والبشرية المطلوبة للمشاركة في الصناعات الرقمية. 

اين تقف الدول العربية؟

تصنّف جميع الدول العربية الأعضاء في منظمة التجارة العالمية كدول نامية واقل تنمية، وهي بالتالي تستفيد من المعاملة التفضيلية والخاصة التي تنطوي عليها قواعد المنظمة. ويمكن للدول العربية أن تستفيد من معظم الإصلاحات المطروحة على أجندة المنظمة الحالية. وبالتحديد يمكنها الاستفادة من اي تخفيض للدعم المقدم للمنتجات الزراعية كونها بين أكبر مستوردي السلع والمواد الغذائية في العالم، وذلك في حال ادى هذا التخفيض الى تراجع الاسعار عالمياً، كما يمكن للبلدان العربية الاستفادة من الاتفاق على تحديد قواعد جديدة للرسوم والضرائب التي يمكن فرضها على تجارة المنتجات الرقمية كون البلدان العربية هي مستورد صافي لهذه المنتجات ولا تصدر الكثير منها. ويمكن للدول العربية المنتجة للنفط ان تتأثر بأي توجهات جديدة للمواءمة بين قواعد التجارة وأجندة مكافحة التغير المناخي.

وفي الوقت الذي يزخر فيه جدول الاجتماع الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمي بالمواضيع الصعبة والمعقدة، فإن مقاييس النجاح تكمن في تحقيق إنجازات جزئية تراكمية، وفي تأمين استمرار عمل المنظمة في أداء دورها الأساسي في تطبيق قواعد التجارة المتفق عليها ومحاولة تطوير هذه القواعد وإيجاد قواعد جديدة في المجالات الطارئة، وتفادي تشرذم التجارة العالمية وتداخل وتضارب المعايير تحت ضغط التنافس الجيوسياسي والجيواقتصادي المتصاعد بين الولايات المتحدة الأميركية، والذي يلقي بظلاله الثقيلة على عمل التجارة العالمية وعمل معظم المنظمات الدولية. ويبقى القول إن دولة الإمارات العربية المتحدة التي ترأس وتستضيف الاجتماع الوزاري الحالي ومعها المجموعة العربية التي تتولى المملكة العربية السعودية تنسيق أعمالها، قد تنجح في بث روح جديدة في المفاوضات الصعبة التي نتجت عن فشل دورة الدوحة في تحقيق اهدافها المنشودة آنذاك، كما فعلت في قمة المناخ الأخيرة (COP28) التي عقدت في دبي ونتج عنها اعلان الامارات والتي تضمن لغة جديدة في مجال التعامل مع الوقود الاحفوري ومضاعفة انتاج الطاقة البديلة ثلاث مرات وزيادة كفاءة استخدام الطاقة وتوفير الأموال للاستثمار في الانتقال الطاقوي والتعويض عن الاضرار.