لماذا أقدم الرئيس الفرنسي ماكرون على تعيين الشاب غبريال عتال "الوزير الأول"؟ سؤال يتردد في أكثر من جهة في فرنسا وخارجها، ذلك أن الوزير الأول الجديد لم يُعرف عنه حنكة سياسة سابقة أو خبرة اقتصادية كبيرة، فالرجل بالكاد تجاوز عمره العقد الثالث ومؤهلاته العلمية متواضعة قياساً بمن سبقه الى المنصب.
وعتال ليس خريج المدرسة الوطنية الفرنسية الوعاء الذي تأتي منه أغلب النخب السياسية والاقتصادية الفرنسية.
فما هو التفسير السياسي لهذه الخطوة التي قام بها الرئيس ماكرون؟
الواقع أن متتبعي الشأن السياسي الفرنسي يعتبرون أن العديد من العوامل السياسية والاجتماعية قد تفسر تعيين عتال على رأس الوزارة الأولى الفرنسية في هذا الظرف السياسي الفرنسي.
خطوة الرئيس الفرنسي خطوة سياسية بامتياز على اعتبار أن النخب السياسية في فرنسا تميل منذ سنوات عدة نحو اليمين واليمين المتطرف على وجه التحديد، وخير دليل على هذا، صعود خطاب رافض للمهاجرين وللعرب المسلمين.
وكل مراكز سبر الآراء الفرنسية تؤكد فرضية فوز مارين لوبن في حالة تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية.
وغبريال عتال الوزير الأول المعين والذي تعود أصوله من جهة والده إلى يهود تونس، تميز منذ ظهوره على الساحة بتبنيه خطاباً هجومياً تجاه العرب والمسلمين كما حدث في أزمة ما يُعرف بالعباءة في المدارس الفرنسية، والذي حرص الوزير الأول الجديد عند توليه وزارة التربية على حظرها في المدارس والثانويات الفرنسية، وهذا التوجه الذي يعرف بالدفاع عن النموذج الفرنسي القائم على فصل الدين عن الدولة، أعطى لعتال شهادة الفارس المدافع عن قيم فرنسا الحضارية في نظر العديد من الأوساط السياسية في فرنسا، والتي تعتبر أن العرب والمسلمين يشكلون خطراً وجودياً على مستقبل الدولة الفرنسية. وماكرون من خلال خطوة إظهار الشاب عتال على رأس الحكومة، يريد سحب البساط من قوى اليمين المتطرف الزاحف على السلطة في فرنسا.
على صعيد آخر، إن مسألة حداثة سن الوزير الأول الجديد لها أهمية بالغة في الظرف السياسي الذي تعيشه فرنسا على اعتبار أن المنافسين السياسيين لماكرون اختاروا أوجه شابة جديدة في ساحة فرنسا تميزت منذ سنوات عدة بعدم التجديد والشيخوخة في أحيان عديدة.
ورسالة الرئيس الفرنسي هنا هي أن الحزب الحاكم قادر على طرح أوجه شابة في مواجهة شباب المعارضة المتمثلة في جوردان بارديلا عن حزب مارين لوبان او ابنة اخ هذه الأخيرة ماريون مارشال لوبان عن حزب المتطرف أريك زمور والذي تعود اصوله الى يهود الجزائر.
وخطاب الساسة في الحزب الحاكم هو التموقع في خانة اليمين المتطرف وترديد مقولاته ذات الطابع العنصري المعادي للمسلمين والعرب، والوزير الأول الجديد أثبت أنه مستعد لتقمص هذا الدور السياسي ومن هنا جاء اختيار الرئيس ماكرون.
مسألة أخرى أثارتها الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية، وإن كان ذلك بصورة محتشمة نظراً لحساسية الموضوع في الغرب، ويتعلق الأمر هنا بكون الوزير الأول عتال أعلن في ما سبق أنه مثلي وهي المرة الأولى التي تتولى فيها شخصية من المثليين منصب رفيع في فرنسا، وترى بعض الأوساط الفرنسية أن ماكرون كسر أحد المحرمات التي كانت تحكم السياسة الفرنسية، أي أن الرئيس الفرنسي أراد التأكيد على أن الأقليات الجنسية لم تعد مهمشة والتسامح هو الذي يحكم الدولة الفرنسية.
أخيراً، من الضروري الإشارة إلى أن أسم عتال اسم شائع بين يهود المغرب العربي ويعني هذا الاسم حمَال. ولعل القول العربي الشهير لكل امرئ من اسمه نصيب يفسر صعود هذا الوزير الأول إلى سدة الحكومة على اعتبار أنه مكلف بحمل وزر توجه يميني يسعى إلى محاربة اليمين المتطرف الزاحف نحو الحكم.
