نظمت مجموعة "الاقتصاد والأعمال" بالشراكة مع الحكومة التركية ممثلة بوزارتي المالية والخارجية، الدورة الـ 14 من الملتقى الاقتصادي التركي-العربي الذي عقد في فندق "شيرهان كمبنسكي " اسطنبول تحت شعار "عصر جديد للشراكة". وانعقد الملتقى بالاشتراك مع اتحاد الغرف وتبادُل السلع التركية (TOBB) وبالتعاون مع جامعة الدول العربية واتحاد الغرف العربية.
محورية الحدث
واكتسب الملتقى أهمية خاصة من حيث توقيت انعقاده، سواء بالنظر إلى الحضور الوزاري العربي والتركي، إلى جانب عدد من قيادات الشركات وممثلين عن القطاع الخاص العربي والتركي. كما أن الملتقى اكتسب زخماً كبيراً في ظل التقارب الحاصل في العلاقات العربية - التركية والسعي لتعميقها سواء على المستوى الاقتصادي والاستثمارات واستقطاب القطاع الخاص في الاتجاهين. وجاء الملتقى ليعمق دوره كمنصة رئيسية للتلاقي والتفاعل بهدف تطوير العلاقات بين الدول العربية وتركيا خصوصاً وأن تنظيمه بدأ في العام 2005. وشارك في المُلتقى نحو 500 مشارك على رأسهم وزراء وقيادات تركية وعربية وممثلي اتحادات الأعمال والغرف التركية والعربية.
تعزيز التجارة البينية
انعقدت الجلسة الأولى تحت عنوان:" مواجهة التحديات العالمية، واغتنام الفرص الجديدة"، وأدارها وزير الخزانة والمالية في تركيا محمد شمشك، وتحدث فيها كل مننائب رئيس مجلس الوزراء وزير النفط وزير الدولة للشؤون الاقتصادية د.سعد البراك، وزير الدولة ورئيس مجلس إدارة هيئة المناطق الحرة القطري أحمد بن محمد السيد، ووزير المالية المصري د.محمد معيط. وركزت الجلسة على كيفية تعزيز التجارة البينية، والخطوات المتخذة من قبل الدول الثلاث على مستوى التحولات الاقتصادية والمبادرات المتخذة على هذا الصعيد.
وخلُص المتحدثون في هذه الجلسة إلى التأكيد على أن تركيا والدول العربية مطالبة بالعمل عن قرب بصورة أعمق لتعزيز التجارة البينية فيما بينها كمقدمة لتعميق العلاقات الاقتصادية والاستثمارية. وشدد الوزير شمشك خلالها على أن الظروف الحالية الحاصلة في غزة، تؤكد أن دول المنطقة بما فيها تركيا، مطالبة بتعاون أعمق في مواجهة التحديات السياسية والمخاطر الجيوسياسية.
ولفت الوزير شمشك إلى أن التجارة البينية بين تركيا والبلدان العربية ما زالت متواضعة مقارنة بالإمكانات المتوفرة، مشيراً إلى أن نسبة التجارة البينية على مستوى دول المنطقة وشمال إفريقيا بلغت نحو 14 في المئة في العام 2021، في حين أن هذه النسبة تصل إلى 68 في المئة في أوروبا و50 في المئة في وسط آسيا.
واعتبر أن الارتقاء بها إلى مرحلة جديدة من النمو والتطور، يقضي بتوقيع وتفعيل اتفاقيات تجارة حرة بين الجانبين، مقدماً على ذلك مثالاً من خلال اتفاقية التجارة الحرة التركية - المصرية ومساهمتها في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، إلى جانب إعادة النظر ببعض الإجراءات بما يساهم في معالجة التحديات التي تقف في وجه تطور التجارة البينية واستقطاب الاستثمارات.
تعميق الشراكات
بعدها تحدث نائب رئيس مجلس الوزراء وزير النفط وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار الكويتي د.سعد البراك. فرأى أنه لا بد من الارتقاء بمفهوم التنمية الشاملة للإنسانية، مشيراً إلى أن شعار التنمية الاقتصادية هو المؤسسة الحرة. وأضاف أن دور الدول يمكن في الجانب المنظم للنشاط الاقتصادي مع ضرورة العمل على تبني الحوكمة في الأعمال التجارية. وخلص إلى التأكيد على أن النموذج الذي تدير فيه الدولة النشاط الاقتصادي يترك تداعيات على التنمية الاقتصادية والحرية الاقتصادية.
واستعرض البراك المقومات التي تملكها دولة الكويت، من بينها أنها تملك واحدة من أقدم الصناديق السيادية في العالم، ويدير أصولاً بقيمة نحو 740 مليار دولار. وتناول خطة التنمية الاقتصادية في الكويت رؤية 2035 والتي جرى تحديثها تحت مسمى رؤية 2040، تتبنى الانفتاح الاقتصادي وتطوير مناخ الاستثمار وتحديث القوانين بما فيها قانون الشركات، مركزاً على ان هذه الرؤية تركز على تعزيز نمو الإيرادات واستخدامها في تطوير الاقتصاد غير النفطي. وتناول البراك مشروع تطوير ميناء مبارك الكبير، ويستهدف الارتقاء بعدد الحاويات إلى نحو 8 مليارات حاوية حتى العام 2035، في حين أن تطوير الصناعة النفطية سواء على مستوى الاستكشاف والإنتاج يتطلب استثمار نحو 300 مليار دولار لغاية العام 2040.
ورأى أن الكويت تتطلع إلى الاستفادة من الإيرادات الضخمة في القطاع النفطي، لبناء شراكات مع مستثمرين والقطاع الخاص في قطاعات محددة، كما هو الحال مع الصحة والتعليم وغيرها بما يدعم الاقتصاد غير النفطي.
مؤسسات متخصصة
أما وزير المالية المصري محمد معيط، فأكد أن هناك أدوات عدة من شأن استخدامها، الارتقاء بالتجارة البينية، مشيراً إلى أنه يأتي في مقدمها تعزيز دور القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية ومنحه دوراً قيادياً، والعمل على تسهيل الإجراءات الاستثمارية أمامه وفق أهداف واضحة، بما يعزز دوره في الناتج المحلي. ورأى معيط أن دول المنطقة تملك كافة المقومات لتعميق التجارة البينية في ما بينها، سواء بتوفر التمويل والكوادر البشرية، مشيراً إلى أهمية تسهيل الإجراءات لاستقطاب القطاع الخاص إلى المشاريع الحيوية، بما يساهم في نقل المعرفة وتوطين التكنولوجية.
وطالب معيط بضرورة العمل على تطوير مناخ الاستثمار وتحسين بيئة الأعمال في المنطقة، متناولاً الدور الذي لعبته مصر على مدى السنوات السابقة في سياق السعي لتوفير مناخ استثماري ملائم، حيث جرى العمل على تطوير بنية تحتية متطورة في كافة المجالات إلى جانب تسهيل الإجراءات أمام المستثمرين، ومن بينها على سبيل المثال إعداد إطار عمل الرخصة الذهبية، واستخدام التكنولوجيا في استصدار الرخص.
وقال معيط إن مصر تزخر بالفرص الاستثمارية في قطاعات حيوية، إلى جانب وجود كوادر بشرية، حيث يشكل الشباب النسبة الأكبر في التركيبة السكانية، لافتاً إلى أن مصر يمكن أن تلعب دوراً حيوياً من موقعها الجغرافي في تعزيز التجارة البينية، سواء كونها تقع بين الدول العربية، وقربها من جنوب أوروبا، والأهم باعتبارها مدخل إلى الأسواق الإفريقية. وخلُص معيط إلى المطالبة بضرورة وجود مؤسسات معنية متخصصة تشرف على تطوير التجارة البينية بين دول المنطقة وتركيا.
من جهته، رحب وزير الدولة ورئيس مجلس إدارة هيئة المناطق الحرة القطري أحمد بن محمد السيد بأي استثمارات أجنبية محتملة في قطر، ليس فقط على مستوى المناطق الحرة، مشيراً إلى العلاقات الوثيقة التي تملكها قطر مع الدول المحيطة وباقي دول العالم. وقال إن دول المنطقة تملك كافة مقومات الموارد ورأس المال البشري والقوة المالية والخبرات بما يمكنها من تعزيز التجارة البينية في ما بينها.
واقترح الوزير السيد وضع قائمة بالمشاريع المحتملة التي ستكون مفيدة للقطاع الخاص بشكل أساسي لدفع عملية الاستثمار، معتبراً أن القطاع الخاص يعد المفتاح الأساسي في دول المنطقة، سواء من مستثمرين محليين أو دوليين، بما يوفر مزيجاً من القطاع الخاص الإقليمي والمحلي مع المعرفة الدولية، بما يساهم في نقل التكنولوجيا، معتبراً أنه ولتحقيق هذا الهدف، لا بد من خطة واضحة تعزز سهولة ممارسة الأعمال.
ولفت الوزير السيد إلى أن دولة قطر يمكن أن تلعب دور بوابة عبور الدول العربية إلى الأسواق الآسيوية، بالنظر إلى ما تملك من بنية تحتية متطور كالمرفأ والمطار، إلى جانب وجود شركات قيادية كما هو الحال مع الخطوط الجوية القطرية، التي تؤدي دوراً مهماً في خدمات الشحن.
وأضاف الوزير السيد أن هذه الوقائع يكملها وجود بيئة تنظيمية متطورة وجهات ناظمة حريصة على مواكبة متطلبات المستثمرين ومعالجة التحديات، في حين أن القطاعات الاقتصادية المختلفة مفتوحة أمام المستثمرين الأجانب.
كما تناول الوزير السيد التحولات الاقتصادية الحاصلة في قطر، مشيراً إلى أن دور مركز قطر المالي، ودور المؤسسات التعليمية في قطر في تطوير المواهب والارتقاء بمستوى الكوادر البشرية، متناولاً الخطوات المتخذة على صعيد التحول في قطاع الطاقة، إلى جانب الجهود الهادفة للتنويع الاقتصادي، وسط خطة طموحة لمضاعفة حجم الاقتصاد في العام 2030. ولفت إلى وجود أدوات لتعزيز الاستفادة من الوقود الاحفوري في دعم الطاقة المتجددة، عبر تعميق استخدام التكنولوجية والأبحاث والتطوير. وخلُص الوزير السيد إلى التأكيد أن حالة عدم الاستقرار في العلاقات الأميركية - الصينية تشكل فرصة مهمة لدول المنطقة.
نجاح الملتقى
وتحدث المدير التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال وليد أبوزكي فقال إن انعقاد "ملتقانا يأتي في ظروف مأساوية يعيشها قطاع غزة في فلسطين المحتلة، حيث تستمر الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل المحتلة منذ أكثر من شهر. ونطلب من على هذا المنبر بالوقف الفوري للإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني، وبإعادة مقومات الحياة إلى مواطني غزة والدخول في مسار سياسي مدعوم دولياً لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس".
وأضاف أبوزكي مذكّراً بالتحديات الكبيرة "التي لا نزال نعيشها في ظل التوترات الجيوسياسية، والتقلبات الاقتصادية وتراجع وتيرة النمو، مما يفرض علينا البحث عن حلول وشراكات هادفة وعميقة".
وشدّد على أن "انعقاد الملتقى الاقتصادي التركي - العربي في هذه الظروف يؤكد نجاحه في توفير منصّة للتلاقي والحوار، وتبادل التجارب والمصالح وبناء الشراكات بين تركيا والبلدان العربية"، منوّها بالمشاركة "الرفيعة المستوى في هذه الدورة على الرغم من الظروف الصعبة إقليمياً وعالمياً"، مما يدلّ "على أن الملتقى أصبح واحد من أهم منصات الشراكة الاقتصادية بين تركيا والبلدان العربية على مستوى الحكومات وكذلك على مستوى القطاع الخاص. وهو يأتي في الوقت الذي تعمل تركيا والبلدان العربية على تعميق الإصلاحات وإعادة صياغة استراتيجياتها الاقتصادية باتجاه تحقيق المزيد من التنويع، والريادة، وتعزيز بيئة الأعمال والاستثمار وبناء تواجد أكثر رسوخا على خريطة الاقتصاد العالمي.
وإذ أشار إلى أن "مجرد انعقاد هذا الملتقى هو نجاح يعكس التطور النوعي في العلاقات التركية - العربية والتبادل التجاري والاستثماري بين تركيا والبدان العربية، قال إن "الشركات التركية توسّع حضورها في معظم الأسواق العربية، كما تتزايد أهمية تركيا كمقصد مهم للاستثمار والسياحة العربية"، مشدّداً على وجود "الإرادة والمصالح ولا ينقصها إلّا المزيد من المبادرات والآليات والشراكات".
وأعلن أبوزكي "عن التحضير لإطلاق شبكة الأعمال التركية - العربية لإكمال دور الملتقى الاقتصادي التركي- العربي، وتوفير منصّة للتفاعل المباشر والوثيق بين الشركات، وتأمين المعلومات ومساعدة الشركات والمستثمرين على الاستفادة من الفرص والتعامل مع المخاطر".
وكشف عن استضافة دولة الكويت العام المقبل للدورة التاسعة والعشرين من منتدى الاقتصاد العربي "بعد أن درج عقده في بيروت طوال السنوات الماضية، آملاً "أن يكون محطة أخرى من التواصل والتعاون العربي- التركي".
تحرير التجارة
تطرق رئيس اتحاد رئيس اتحاد الغرف وتبادل السلع التركية (TOBB) رفعت هسارجيك لي اوغلو لأهمية تطوير العلاقات التجارية بين دول المنطقة لأنها السبيل إلى إثراء الشعوب والدول، مبديا استعداد الشركات التركية للمساهمة في نقل الخبرات والمعرفة، كما الصناعات التي تتميز بها تركيا. وأضاف "أننا أخوة والأخوة لا يحتاجون إلى تأشيرات لزيارة أحدهم الآخر، ولا إلى قوانين تحد من التبادل التجاري بينهم ، فلنعمل على اتفاقات التجارة الحرة ولنحرر التجارة".
تركيا شريك حقيقي
وانطلق الأمين العام لاتحاد الغرف العربية د.خالد حنفي من أهمية دور القطاع الخاص العربي الذي يقود الاستثمار ويوظف النسبة الأكبر من العمالة في المنطقة العربية، لافتاً إلى أن الملتقى يؤكد "أن العلاقات العربية التركية مستمرة ودائمة التقدّم. والأرقام خير دليل على الشراكة بين تركيا والمنطقة العربية إذ تدل على أن "تركيا شريك كبير من الناحية الاقتصادية للعالم العربي، إذ يقدر حجم التجارة البينية العربية التركية بنحو 55 مليار دولار. وتسجل الصادرات التركية إلى البلدان العربية تزايداً مستمراً بنحو 10 في المئة سنوياً، وكذلك تدفق الاستثمارات التركية نحو العالم العربي باتجاه تركيا، بالإضافة إلى حركة السياحة النشطة باتجاه تركيا التي يقصدها نحو 10 ملايين سائح عربي سنوياً".
وإذ شدّد د.حنفي على أهمية الأرقام، إلا أن الطموح أكبر بكثير، فالمطلوب هو شراكة استراتيجية بين تركيا والمنطقة العربية"، انطلاقاً من أهمية القطاع الخاص ودوره في الاستثمار وعملية التنمية"، ومشدّداً على أن "تغيير أو تطوير في شكل العلاقات، يمكن أن يحدث من دون القطاع الخاص".
وتطرّق د.حنفي إلى الاتفاقات التجارية الحرّة الموجودة بين الجانبين العربي والتركي، "إلا أن المطلوب هو التغيير في نمط التعامل، إذ نسعى إلى شراكة استراتيجية أقوى بكثير. ونسعى لخلق منصّات محورية لدى الطرفين. وأضاف: "إن الظروف الراهنة فرصة للتعاون الإقليمي، والمقومات متوفرة نظراً للقرب الجغرافي والثقافي".
ودعا د.حنفي إلى ضرورة استغلال الفرص التي توفرها الثورة الصناعية الرابعة والرقمنة، قبل أن يختم مذكّراً بالتباين بين اقتصادات دول المنطقة العربية، "مما يستوجب العمل لإحداث تكامل بين هذه الدول".