اللبنانيون أمام منصة جديدة لتسعير الليرة
وسط أزمة اقتصادية حادة

06.10.2023
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

يترقّب اللبنانيون بحذر، الوضع النقدي في بلادهم بعد قرار الحكومة اتباع منصة جديدة لتحديد سعر صرف الدولار مقابل الليرة، بالتزامن مع تحديات مالية واقتصادية تواجهها البلاد.

وفي 6 سبتمبر/ أيلول الماضي، وافق مجلس الوزراء اللبناني على اقتراح البنك المركزي اعتماد منصة "بلومبرغ" العالمية بدلاً من منصة "صيرفة" المحلية، بسبب "افتقارها إلى مبادئ الشفافية والحوكمة".

ووفق تقرير لوكالة "الأناضول" للأنباء، فإن التوجه النقدي الجديد، يأتي في ظل تعثر الاتفاق بين بيروت وصندوق النقد الدولي حول برنامج استدانة، إذ يعتبر الصندوق أن لبنان لم يجر الإصلاحات الضرورية المطلوبة على الصعيد المصرفي والمالي.

ويريد صندوق النقد اتباع آلية صيرفة واضحة المعايير، ومحددات قادرة على تحديد عمليات غسل الأموال من عدمها، وأكثر شفافية في تحديد سعر الصرف. بينما منصة "صيرفة" الحالية، فقد أوجدها مصرف لبنان، ويحدد فيها سعر صرف الليرة أمام الدولار بشكل يومي، بناء على معايير لمصرف لبنان، ولا يعتمد فيها سعر الصرف على العرض والطلب.

ويعني ذلك، أن اتباع منصة "بلومبيرغ"، سيدفع المتعاملين معها من المصارف والتجار المرخصين، إبراز مصادر الدولارات الراغبين بصرفها، وإزالة الشكوك بشأنها.

ومنذ 2019 تعصف بلبنان، أزمة اقتصادية حادة صنفها البنك الدولي كواحدة من بين 3 أسوأ أزمات عرفها العالم، إذ أدت الى انهيار مالي وتدهور معيشي، وتراجع حاد في احتياطي العملات الأجنبية.

ويحتاج إطلاق المنصة، بحسب مراقبين في لبنان، قرابة شهرين من إعلان القرار، لحين تدريب طواقم المالية في البنك المركزي والبنوك والوزارات المعنية.

 

تخفيف حجم السيولة النقدية

 

قال عضو لجنة الاقتصاد البرلمانية النائب رازي الحاج إنه منذ بداية الأزمة الاقتصادية عام 2019 حتى اليوم، انخفض احتياطي المركزي بالعملات الأجنبية الذي يتألف من أموال المودعين من 34 مليار دولار الى 8.5 مليارات.

لفت الحاج، في مقابلة مع "الأناضول"، إلى أن الانخفاض كان سببه الاستمرار بتمويل نفقات الدولة ودعم سعر الصرف وتغطية عجز الموازنة من أموال المصرف المركزي، وهذا ما كان سائداً منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990.

وبعد استقرار دام أكثر من 25 عاماً لليرة اللبنانية، هبط سعر الصرف مقابل الدولار الواحد تدريجياً على مدى السنوات الأربع الماضية من 1500 ليرة إلى 140 ألفا في السوق الموازية، قبل ان يتحسن عند حدود 90 ألف ليرة.

 

حاجة إلى إصلاحات

وقال الحاج إن الاستقرار المالي الذي حصل أخيراً بحاجة إلى إصلاحات مالية، كما أنه في حال استمر العجز بالموازنة العامة المقبلة، واضطرار المصرف إلى تغطية هذا العجز، فسيؤدي ذلك إلى ضغط على سعر الصرف.

وأشار البرلماني اللبناني إلى أن لبنان يعاني أزمة إضافية، تتمثل بالتهرب الضريبي والجمركي والتهريب عبر الحدود مع سوريا، مشيراً إلى أن الخسائر المالية الناتجة عن ذلك، تقدر سنوياً بحوالي 3 مليارات دولار.

ولفت إلى أن إصلاح هذه الأزمة، يؤدي إلى زيادة الإيرادات ويعزز الاستقرار النقدي، "بالإضافة إلى إصلاحات أخرى تؤدي بالنهاية للتوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي".

وفي بيان أصدره منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلن صندوق النقد الدولي أن عدم اتخاذ لبنان إجراءات عاجلة وطارئة يلقي بثقله أكثر على الاقتصاد الذي سيعاني أكثر.

وأضاف أن لبنان يواجه تحديات اقتصادية هائلة، مع انهيار القطاع المصرفي، وتهالك الخدمات العامة، وتدهور البنية التحتية، وتفاقم ظروف الفقر والبطالة، واتساع فجوة عدم المساواة بين اللبنانيين.

 

تخفيف النفقات وزيادة الإيرادات

وبعكس منصة "صيرفة"، فإن المنصة الجديدة بحال عكست حقيقة العرض والطلب على الدولار في لبنان، وأوقفت المضاربة بالسوق الموازية، فسيؤدي ذلك إلى استقرار نقدي، بحسب البرلماني اللبناني.

"كما أن هذا الاستقرار، بحاجة أيضاً إلى إقرار الحكومة والبرلمان للإصلاحات الاقتصادية والنقدية المطلوبة، وتخفيف النفقات وزيادة الإيرادات، وفق المتحدث ذاته.

وفي أواخر يوليو/ تموز الماضي، غادر رياض سلامة منصبه كحاكم لمصرف لبنان المركزي الذي تبوأه طوال 30 عاماً منذ عام 1993 وجرى تمديد ولايته 4 مرات (1999 و2005 و2011 و2017).

وبسبب عجز الحكومة عن عقد جلسة لمجلس الوزراء في ظل الفراغ الرئاسي، لم يجر تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، إنما تولى نائب الحاكم الأول للمصرف وسيم منصوري هذه المسؤولية.

 

استقرار غير مستدام

ورأى الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، في حديث إلى "الأناضول"، أن المصرف المركزي يحاول منذ فترة الحفاظ على استقرار سعر صرف الدولار من خلال ضبط حجم النقد بالليرة اللبنانية في الأسواق.

وأوضح أن الانتقال إلى منصة جديدة، لن يؤثر سلبا أو ايجاباً على سعر الصرف، إنما التأثير على ذلك يكون حسب كمية ضخ الأموال بالليرة اللبنانية في الأسواق، مشيراً إلى أن المركزي يعتزم هذه الفترة، عدم ضخ أموال إضافية بالعملة المحلية.

لكن هذا الاستقرار غير مستدام، بحسب مارديني، مشيراً إلى وجود عجز في الموازنة العامة، ما سيدفع الحكومة إلى الطلب من مصرف لبنان لاحقاً تغطية هذا العجز عبر الاقتراض أو طبع الأموال، وهذا ما سيؤدي إلى انهيار سعر الصرف.

ولفت مارديني الى أن عدم التوصل لاتفاق مع صندوق النقد، يعكس عدم قيام لبنان بالإصلاحات المالية والمصرفية اللازمة، وينذر بتأخرها أكثر فأكثر، "وهذا سيؤثر على الاستقرار النقدي عموماً وثقة المجتمع الدولي بلبنان".

وختم مارديني أن عدم استرجاع الثقة الداخلية والخارجية، ستؤثر بدورها سلباً على الواقع الاقتصادي والمالي للبلاد.

وبحسب صندوق النقد الدولي، فإن لبنان يواجه أزمة مصرفية ونقدية سيادية غير مسبوقة، ومنذ بداية الأزمة شهد الاقتصاد انكماشاً ناهز 40 بالمئة، وفقدت الليرة اللبنانية 98 بالمئة من قيمتها، وسجل التضخم معدلات غير مسبوقة.