أقيم في معهد قوى الأمن الداخلي - ثكنة الرائد الشهيد وسام عيد، حفل توقيع بروتوكول تعاوُن بين المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وعائلة السفير اللواء أحمد الحاج ممثلة بالدكتورة غادة الحاج فليحان، وإطلاق جائزة السفير للتميز الأكاديمي، حضر الحفل مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان والوزراء السابقون مروان شربل ونعمه طعمة وعادل حميه إضافة إلى شخصيات دبلوماسية وعسكرية.
بعد تعريف من العميد جوزف مسلم وعرض فيديو وثائقي عن اللواء الحاج وأبرز إنجازاته تحدث اللواء عماد عثمان وما قاله:
كلمة اللّواء عثمان:
الركيزة الأساس في بناء التاريخ لا يصنعه إلا قلّةٌ من الرجال والشخصيات.
ومن هؤلاء الشخصيات الذين سجّلهم تاريخ لبنان العسكري والدبلوماسي والوطني سعادة السفير اللواء الركن أحمد الحاج، الذي ضاقت به الألقاب والمناصب التي كانت تُسنَد إليه والتي كان يُغنيها بحضوره وأدائه وأفكاره. بدءاً من ضابط الارتباط في عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب تولّيه منصب مدير عام لقوى الأمن الداخلي ما بين العامين 1977 و 1982 وما حملتها تلك السّنوات من صعوبات إبّان الحروب التي كانت دائرة على ربوع الوطن، وختاماً تمثيله الدبلوماسي للبنان في دول اوروبية مرموقة حيث لمع نجمه في السّياسة الدوليّة.
إن حكمته وخبرته وحنكته التي اعتمدها في قوى الامن الداخلي ونجاحه في إدارتها والحفاظ عليها والعمل على تطويرها عبر إصدار تعليمات تنظيمية وإدارية كان من شأنها وضع المؤسسة على سكّة حضارية مُنتظمة.
عادل حميه:
وبإسم مؤسسة فؤاد شهاب تحدّث الوزير السابق عادل حميه فقال:
الإحتفال يحمل عنوانين هما: تكريم اللواء أحمد الحاج أولاً، والعمل على تطوير التمييز الأكاديمي في قوى الأمن الداخلي ثانياً. إننا إذ نعوّل كثيراً على هذه المؤسسة لحفظ الأمن في هذا الوطن بخاصة في هذه الظروف العصيبة التي يمرّ بها وتمرّ بها المؤسسة رغم الجهود الجبارة التي يبذلها مديرها العام اللواء عماد عثمان .
إن اسم اللواء الحاج ملتصق بمؤسسة فؤاد شهاب حيث بادر إلى إنشائها مع نخبة من رجالات عملت في الحقل العام وإلى جانب الرئيس شهاب، أو من الذين آمنوا بأعماله وخاصة بجهوده لإعادة الاستقرار للبلاد عقب ثورة 1958، ووضع أسس الدولة الحديثة من خلال العديد من التشريعات التي مكّنته من إنشاء مؤسسات الدولة، ما ساهم في تحقيق التطور والاصلاح والعدالة الاجتماعية على كامل مساحة الوطن بشكل عادل ومتوازن، آخذا بالاعتبار خصوصية كافة المكونات الاجتماعية. وقد أنشأت مؤسسة فؤاد شهاب بتاريخ 5/2/1998. وقامت منذ تأسيسها بإصدار كتب قيمة عن الرئيس شهاب، كما قامت منفردة أو بمشاركة مؤسسة علمية عريقة هي معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية بوضع دراسات عدة متعلقة بالشأن العام والحوكمة، وأقامت عددا من الندوات، وأصدرت عدداً من البيانات تناولت بموجبها الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من النشاطات. وتمكّنت المؤسّسة من إيقاف عملية بيع منزل الرئيس شهاب في جونيه وعملت على إصدار مرسوم باستملاكه، لكن ولعدم توفر المبلغ اللازم لهذا الاستملاك، قامت الرهبانية المارونية مشكورة بشرائه وحولته إلى متحف. وحتى أيامه الأخيرة لم يتوقف اللواء الحاج عن العمل على إنجاح المؤسّسة وتطويرها، فتبوأ لفترة طويلة رئاستها غير أنه لم يقبل ليطيل فترة رئاسته لها أكثر بالرغم من إصرار الأعضاء على ذلك، مؤمناً بمبدأ المداورة، لكن تم انتخابه بالإجماع رئيسا فخرياً لها. وكان تعلقه بالمؤسّسة نابعاً من تعلقه بالرئيس شهاب وعلاقته به التي بدأت فعلياً في العام 1955. فبعد أن زار قائد الجيش فؤاد شهاب المدرسة الحربية وحضر تمريناً كان يديره اللواء الحاج، أعجب به واستدعاه وأخبره أنه بسبب حالة الطوارئ سيتم فرض رقابة على الصحف ووسائل الاعلام، وأنه يكلفه بهذه المهمّة بعد أن تحرّى عنه وعن كفاءته وعلم أنه حاصل على إجازة في العلوم السياسية والاقتصادية، وبعد أن شاهد ما كان يقوم به خلال زيارته للمدرسة الحربية سابقاً. ومن توجيهات الرئيس شهاب التي أبلغها إلى اللواء الحاج، عدم المسّ بمعنويات القوى الأمنية والحفاظ على علاقات جيّدة مع الدّول العربية وعدم التّعرض لرؤسائها وصيانة الوحدة الوطنيّة وعدم إثارة النّعرات الطّائفية. وفي 18 آذار 1959، استدعاه الرئيس شهاب وكلّفه بالتّوجه إلى دمشق لتحضير اجتماع الخيمة الشّهير مع الرئيس جمال عبد النّاصر مع إصراره على أن يكون مكان الاجتماع على الحدود الفاصلة بين لبنان وسوريا.
إن الحديث عن اللواء أحمد الحاج يطول ويطول كثيراً نظراً لما تركه من بصمات مشرقة كمديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي، وقائداً لقوات الردع العربية، وسفيراً أحسن تمثيل لبنان في بريطانيا وأيرلندا ثم في إيطاليا.
الدكتورة غادة الحاج:
ثمّ تحدثت الدكتورة غادة الحاج فقالت: «هذه الكلمة عن لسان عائلتنا المصغرة ومنها الأحفاد: عندما يصمتُ الصوتْ يبقى الصدى وعندما يتوقف عقربُ الحياة،
تبدأ الذكرى، وعندما تضمحل مسافات الوجود، يبقى المدى، يجمعنا في هذه الامسية الذكرى والصدى والمدى ويجمعنا حضورُ الاوفياءْ والمحبين والمخلصين لمن كان وفياً، ومحباً، ومخلصاً كما تجمعنا مجموعةً متفوقةً من رعيل هذه المؤسسة الرائدة.
السفير اللواء الركن احمد الحاج أضفى على نجومه؛ الشرف والشهامة والوطنية خطى على طريق قائده، الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب، يبني من اجل الوطن، مرسخاً تعاليمهُ: أن الاستقلال لا يؤخذ، ولا يعطى، بل يبنى.
رؤيتهُ وطموحهُ أن يكون لبنان مستقلاً سيادياً مزدهراً، فكرسَ حياته لبناءِ وقيادة المؤسسات المتفوقة بقدراتها وراسُ مالها البشري.
سيرتهُ الغنية مترسخة في محطات مفصلية من تاريخ لبنان. بصماتهُ متواجدة في بناء المؤسسات في الجيش وقوى الامن الداخلي والسلك الديبلوماسي. عرفناهُ متميزاً بشرفهِ ونزاهتهِ، عادلاً في مواقفهِ، حاسماً في قرارهِ، وموضوعياً وشفافاً في تحليلاته،
متواضعاً في مجالسهِ، موحيًا الثقة، وفارضاً الاحترام. في مسيرته رأينا العزم والحزم، التفهم والتفاني، الحكمة والحنكة، فكان القدوة، الراشد والمرشد، الصخرة وشاطئُ الامان. ألهمنا ان العلم بلا تفًوق يبقى ناقصاً، وأن المثابرة الهادفة مفتاحُ النجاح.
علمنا أهمية المبادئ لا المصالح، الاخلاصُ للعائلة والمهنة والوطن. أضاء في عائلتنا نور المحبة والاحترام، وادخل في نفوسنا حبّ الطبيعة، الرياضة، الموسيقى، الادب والفنون. وكان للأحفاد جزء كبير من قلبه، فهو مدربهم ومشجعهم في رياضة كرة المضرب، وفي الحياة. جمعه القدر بشريكةِ ورفيقةِ عمره، التي خلال انصرافهِ الكلي للقيام بمهامهِ، كانت و لا تزال كما كان يقول: «هي القبطانُ الشجاع وسنديانة العائلة». أكرمنا الله والقدر ان يكون هو والدنا وربُ اسرتنا؛ كل الشكر والمحبة والشوق يا والدنا الحبيب. ستبقى روحكَ وطيفكَ وتعاليمك تملأُ حياتنا. وما نقومُ به اليوم هو جزءٌ من هذه التعاليم. السفير اللواء الركن احمد الحاج هو الصلب وهو المرن الذي صهر أفراد العائلة القريبة والبعيدة، العسكرية والمدنية، فطالما كانوا ولا يزالون يلتفون بحماس وإخلاص مؤمنين برؤيته وإكمال مسيرته.
د. غادة الحاج فليحان
كل ما كنت أرغب قوله في المغفور له اللواء أحمد الحاج قالته ابنته الدكتورة غادة الحاج فليحان، وقاله ممن تحدثوا في المناسبة لاسيما الوزير الصديق عادل حميه. وما قيل في المكرم هو تشخيص دقيق لصفاته المميزة ولم تكن فيه أية مبالغة، بل يبقى الكثير الكثير مما يمكن أن يقال. فالراحل مدرسة قيم ومحبة وانضباط ومسؤولية. ما أريد أن أضيفه بالمناسبة هو الحديث عن ابنته الدكتورة غادة والتي كانت وراء الحفل والجوائز، وكانت وراء هذا العمل الذي أقل ما يقال فيه أنه استمرار حي لمدرسة أحمد الحاج. مدرسة قيم الوفاء والولاء والصدق في العمل والتعامل.
تعرفت على الدكتورة غادة صدفة في مسبح موفنبيك في صباح يوم كانت تسبح إلى جانب والدها التسعيني. وأبديت لها إعجابي بوالدها وفي مهارته في السباحة وفي مهارتها هي وفي حرصها الشديد عليه، إذ كانت لا تفارقه لحظة في المسبح بل تبقى إلى جانبه خوفاً عليه. وعندما قلت لها أنني أعرف والدها وأكن له كل الاحترام والتقدير، بادرت الدكتورة في اليوم التالي بإهدائي كتاب والدها. وما قالته لي أن مهارتها الفنية في السباحة تعود إلى والدها الذي كان يصطحبها وهي صغيرة إلى المسبح في السادسة صباحاً ويعلمها فنون البحر.
وعندما إلتقيتها قبل فترة في المسبح أبلغتني عن حفل التكريم والجوائز واعتذرت عن تأمين بطاقة لمشاركتي في الحفل، لكنني شددت عليها ضرورة موافاتي بالخبر والصور فوعدت ومن باب تقديري لوالدها ولها بالنشر وإن كانت حرصت على القول أنه لا يهمها النشر وحب الظهور وكل ما كان يهمها هو تخليد ذكرى والدها مدرسة انضباط وولاء ووفاء. فإزداد تقديري لها وقلت آمل أن أنال التقدير نفسه من أبنائي في الحياة وبعد الممات. ووفت الدكتورة غادة بوعدها وكانت المفارقة الصعبة أنني كنت في المستشفى يوم الحفل، لكنني قرأت الكلمات وبالتحديد كلمة الإبنة الدكتورة غادة. كلمة تفيض بالمشاعر والإحساس وتجمع بين عواطف الإبنة وقيم مهنة الطبابة التي تمارسها وقوامها الأساسي التشخيص الدقيق. كل حرف في كلمتها يفيض بالترفُع والشعور الصادق والإحساس العميق ويفيض بالمسؤولية الرفيعة ويتحمل مسؤولية استمرار قيم الوالد الشخصية والمهنية والمسلكية. ولمن لا يعرف فإن الدكتورة غادة الحاج فليحان (مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت) هي طبيبة متخصصة في الغدد ومتميزة في اختصاصها، كما أنها صادقة في قولها والإحساس.
كذلك تربطني علاقة وطيدة بزوجها الصديق د. نبيل فليحان، وهو رجل فكر وخدمات واختصاص مميز في الطب، ولكن قيم الدكتورة غادة من ذاتها وقيمها من مدرسة والدها اللواء أحمد. رحم الله أحمد الحاج وأطال الله في عمر الأوفياء الأنقياء.
رحم الله اللواء أحمد الحاج والذي سيبقى منارة قيم وأخلاق وسلوك، وأطال الله في أعمار عائلته الصغرى والكبرى وفي طليعتهم الدكتورة غادة التي تسنى لي التعرف عليها عن كثب.
(ر.أ.ز)