كيف يساعد الإعلام على الفهم ؟

31.05.2023
محمد المختار الفال
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

كتب محمد المختار الفال*

تمهيد:  تشير نسبة التصويت  المرتفعة في الانتخابات التركية إلى رغبة الشعب التركي في التمسك بالديمقراطية وترسيخها والاحتكام إلى صناديق الاقتراع لتحديد من تسند إليه المسؤولية العامة، كما يعبر  اعتراف المعارضة بالنتيجة والالتزام بها عن حرص الجميع على المضي في طريق تمتين الوسائل الديمقراطية.

انتهى ضجيج التغطية الإعلامية وعرف المتابعون ما انتهت إليه الانتخابات، بغض النظر عن موافقتها أو مخالفتها لما قيل قبلها من آراء وتحليلات. وبقي سؤال في أذهان البعض: هل ساعدت وسائل الإعلام العربية الجمهور المتابع على الفهم العميق  لهذا الحدث الذي اهتم به الغرب كما اهتمت به المنطقة العربية؟

بدا لي أن التغطية الإعلامية وما صاحبها وتخللها من معلومات وتحليلات يمكن تصنيفها في اتجاهات :

- تحليل الكارهين للتيار الحاكم في تركيا، قبل الانتخابات وبعدها، وهذا الاتجاه يستغرق الجهد في جمع النقائص والأخطاء والإخفاقات، بمعزل عن ظرفها ودواعيها، ويعممها على التجربة كلها مستخلصاً نتائج تدعو إلى نهايتها وتخلص الشعب التركي منها.

- تيار محبي النظام، ومن يدور في فلكهم ويتعاطف معهم، وهو الوجه الآخر لتحليل الكارهين، يتفق معه في المنهج وإن اختلفت الأهداف والنتائج. هذا الاتجاه همه وسعيه تقديم الصورة البراقة وتعظيم المنجز وتأثيره في حياة الناس. لا يتردد في خلط الأصيل من الانجازات بالزائف والدعائي.

- تيار وقراء " الطقس" والمزاج السائد، في الدول والشعوب المؤثر في السياسة الدولية. وهذا الاتجاه يلتقي مع الكارهين والمحبين في "الاختزال" والتقاط ما يدعم وجهة نظره، وإن افترق عنهما في الأسلوب، فغالبية ممثليه يميلون إلى الهدوء والنقاش، الذي يخدم أهدافهم، وعدم الوقوع في الفجاجة المباشرة.

- وهناك تحليل" المنتفعين" وهؤلاء مشاربهم شتى وغاياتهم مختلف لكن تجمعهم "مهمة" التعبير عن وجهة نظر أرباب نعمتهم التي لا يريدون التعبير عنها مباشرة أو من خلال من ينتمون إليهم بصورة واضحة. وهذا الاتجاه "النفعي" من أعلى أصوات ممثليه الذين يخدمون سياسة الدول الكبرى ، قناعةً أو عمالةً، وغالبا ما يغلِّفون منطقهم بعقلانية تسفه من يعارض سياسات الدول الكبرى أو يحاول أن يتحرر منها، ولو جزئيا، وأنه يعمل لغير صالح بلده، ويكثرون من استدعاء الشواهد من الماضي القريب والبعيد.

هذه "الخريطة" من التغطية والتحليل الإعلامي  تجلت، في تغطية القنوات العربية للانتخابات التركية حيث انقسمت إلى اتجاهين رئيسيين:

- محبي النظام الحاكم (طيب أردوغان) وإن اختلفت أسباب هذا الحب والتعاطف.

- كارهي النظام ورئيسه، وإن تعددت دواعي عدم الرضا ( حتى لا نقول الكراهية).

ومنهج وأسلوب هذين التيارين لا يساعدان على الفهم العميق لـ"جذر" الصراع، والعوامل الأساسية التي أدت إلى "انقسام" الشعب التركي، وهنا يأتي دور مراكز الأبحاث لتعنى بالبحث الذي يتجاوز السطح ولا يقف عند خطاب الدعاية الانتخابية بل يبحث في الجذور ويفحص أسباب ومظاهر التحول الاجتماعي والفكري والمؤثرات التي تنشطه وتضعفه، ثم الانتهاء إلى "خلاصات" يمكن أن تشكل أساساً للفهم السليم.

تركيا بلد مؤثر في هذا الجزء من العالم وارتباطه بالمجموعة العربية، جغرافياً وثقافياً واقتصادياً وأمنياً ، ليس طارئاً ولا آنياً  وفهم ما يجري فيه يساعد على التعامل معه بوعي قادر على فرز المواقف الاستراتيجية عن التحركات التكتيكية التي تفرضها مرونة السياسة حركتيها .

*رئيس تحرير صحيفة عكاظ سابقاً