هل ما يجري في السودان
بعيد عن الجزائر والمغرب العربي

04.05.2023
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

يبدو الهَم الدموي السوداني بعيداً عن يوميات الجزائري. طبعاً الاحداث الجارية حاضرة في الساحة الإعلامية ويشعر كل جزائري بحجم المأساة السودانية خاصة أن الجزائر خبرت اهوال الاقتتال الداخلي وما يخلفه من دمار في الهياكل والأنفس. ولكننا لا نلمس شعوراً بإن لظى النيران قد يصل الى منطقة المغرب العربي ذلك أن الجزائري لا يعرف كثيراً عن السودان وازماته الداخلية المعقدة وما يمكن أن تخلقه من تعقيدات على المستوى الإقليمي والافريقي.

 العلاقات الجزائرية السودانية على المستوى الاقتصادي والتجاري تكاد تكون منعدمة باستثناء حديث هامشي عن احتمال استيراد الجزائر اللحوم من السودان دون ان يعرف الحديث تجسيداً عملياً في بينة التجارة للبلدين.

بالنسبة للجزائر، السودان كانت أكبر بلداً عربياً قبل ظهور دولة جنوب السودان وبعد هذا التقسيم أصبحت الجزائر الاكبر افريقياً وعربياً من حيث المساحة. مسألة أخرى يعرفها كل جزائري وهي أم درمان لإنها كانت مسرحاً لمقابلة كروية بين الجزائر والاشقاء المصريين قبل أكثر من عقد من الزمن.

هذه المعرفة البسيطة بالسودان بالنسبة للجزائريين يجعل أن الأغلبية من سكان الجزائر يعتقدون ان ما يجري في الخرطوم ويجري في أم درمان بعيد مسافة عن الجزائر لأن بين الجزائر والسودان، صحراء مترامية الأطراف.

ولكن هل فعلاً ما يجري في السودان بعيد عن المغرب العربي؟ هل عدم الاستقرار الناجم عن الاقتتال بين الاشقاء في السودان لن يمس الجزائر في المطلق؟

قد نقول رمال الصحراء الكبرى تشكل جداراً جغرافياً منيعاً يحمي المنطقة من لظى نيران الصراع الداخلي في السودان.

عالم اليوم متشابك إنسانياً وثقافياً، والجغرافيا التي يرى فيها البعض جداراً واقياً قد تكون هي الفتيل الذي يشعل كل المنطقة ويعمق ازمة كيانات سياسية هشة.

إن عالم اليوم يتميز بإن حركة جناح فراشة في اقصى الشرق قد يؤدي الى إعصار مدمر في اقصى الغرب فيما يعرف بأثر الفراشة ..... أثر الفراشة لا يُرى، أثر الفراشة  لا يزول، هو جاذبية غامض، يستدرج المعنى ويرحل حين يتضح السبيل كما يقول الشاعر الفلسطيني محمود درويش.

عندما دخل معارضو القذافي باب العزازية في طرابلس الغرب انهارت مالي على بعد مئات الكيلومترات ودخلت منظومة الأمن والاستقرار الإقليمي في الساحل في أزمة عميقة مازالت اثارها بارزة من خلال ظهور كائنات عسكرية وارهابية تتخذ من الأوضاع الاجتماعية والتناقضات القبلية وقوداً سياسياً يأكل كل المنطقة ويهدد الكيانات السياسية في الساحل في كل من مالي والنيجر والتشاد وبوركينا فاسو والتي عادت اليها آفة الانقلابات العسكرية وهي احدى اهم مظاهر عدم الاستقرار السياسي، أنه أثر الفراشة الذي لا يُرى.. فكل طلق ناري في شوارع بحري والخرطوم قد يصبح بركاناً في المنطقة العربية.

ما يجري في السودان بين الفرقاء قد ينجم عنه ضرب استقرار المنطقة كلها، وإذا كان البعض يراهن على الصحراء كجدار عازل فإن التكنولوجيات الحديثة تختزل المسافات وتجعلها دون قيمة تذكر بل أكثر من ذلك أن عدم استقرار السودان من المحتمل جداً أن يضرب كل المنطقة الصحراوية الكبرى منطقة تعيش ازمة مناخية رهيبة و فيها من المشاكل القبلية والاثنية ما يجعلها تنتظر فتيلاً للاشتعال وما يحدث في الخرطوم هو الوقود الذي يؤجج الصراع من جديد في التشاد ودارفور وفي كل الساحل الافريقي الهش سياسياً والمثقل بالهموم والمشاكل ذات الطبيعة المعقدة.

عالم القرن الواحد والعشرين هو عالم أثر الفراشة حيث إن الكل مرتبط بالكل وكل اختلال في السودان ينجم عنه حتماً عدم الاستقرار في كل المنطقة التي تعرف بالصحراء الكبرى. وفي عالم اليوم لا يوجد فيه هَم داخلي، بل الهموم مترابطة عضوياً ولا يجب أن ننسى أن الصراع بين جوبا والخرطوم كانت في البداية صراعاً سودانياً داخلياً نجم عنه أن السودان لم يعد أكبر الدول العربية مساحة.

هل السودان بعيد فعلاً عن الجزائر وعن المغرب العربي؟

التاريخ والجغرافيا والسياسة يجعل أن الهم الداخلي بات هما مشتركاً عاماً وعلى الكل السعي لإطفاء النيران لأن أثر الفراشة إن كان لا يرى فإنه يحرق الكل ولا حواجز طبيعية.

فارس مارسيلي