علاقات الصين بدول شمال افريقيا
ثنائية الإستثمار والتبادل التجاري

27.04.2023
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

في النظام العالمي الجديد والذي تتجسد معالمه أمام أنظار الجميع، الكل يخطب ود الصين او يتوجس منها في آن، وهذا الحكم ينطبق على العلاقات الصينية بدول شمال افريقيا العربية.

من الضروري الإشارة الى أن الصين من خلال تعاملاتها الاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية مع دول شمال افريقيا العربية تمكنت، بل نجحت في الحد من تأثير التناقضات التي تحكم العلاقات البينية بين العديد من الدول العربية.

 والمثال الواضح على هذا، متانة العلاقات الصينية الجزائرية والعلاقات الصينية المغربية على الرغم من التوتر المستمر في العلاقات بين الجزائر والمغرب. فتصويت الصين في مجلس الامن حول النزاع في الصحراء الغربية تميز تاريخيا بالامتناع.

الصين في هذه المرحلة تسعى الى التواجد والانتشار بقوة في الدول العربية في شمال افريقيا ويتخذ هذا المسعى أشكالاً اقتصادية ومالية وثقافية متعددة.

 فتارة نجد التبادل التجاري هو المفضل وتارة أخرى يكون الاستثمار الخارجي المباشر هو الأداة الأساسية للانتشار الصيني في الدول العربية الواقعة في شمال افريقيا.

الولوج الصيني الى الشمال الافريقي العربي يتم عن طريق الأداة الصينية الاستراتيجية التي أعلنتها الصين منذ عدة سنوات والمسماة بمبادرة "الحزام والطريق" والمعروفة اصطلاحاً بطريق الحرير حيث أعلنت كل دول شمال افريقيا العربية انضمامها الى مسعى طريق الحرير الصيني.

وتقوم  استراتيجية الحزام والطريق على ثنائية الوصول الى مناطق عدة من العالم بإقامة هياكل قاعدية كالطرق والجسور والموانئ والمطارات من جهة وتكثيف التبادل التجاري من جهة أخرى. 

وهذه الاستراتيجية الصينية تظهر بصورة جلية في تعاملها مع الجزائر ومصر والمغرب وتونس. فتحليل الانتشار الصيني في هذه الدول يبين ان بكين حرصت خاصة في السنوات العشرة الأخيرة على التواجد بقوة في اقتصادات هذه الدول من خلال ثنائية التجارة والاستثمار.

مع الجزائر

 ففي الجزائر نلمس رغبة صينية واضحة في تدعيم تواجدها في أكبر قطر عربي مساحة، من خلال التجارة الخارجية حيث تمكنت الصين من أن تصبح في اقل من عشرة سنوات الشريك الأساسي للجزائر وتمكنت من إزاحة فرنسا من مكانتها التاريخية في الاقتصاد الجزائري (تمثل الصادرات الصينية نحو الجزائر 17 في المئة من التجارة الجزائرية في حين لا تتجاوز الصادرات الفرنسية 9 في المئة، بعد أن كانت هي المهيمنة لسنوات طويلة) ولكن الصين لا تريد الاقتصار على التجارة بل شهدت العلاقات بين الطرفين نقلة نوعية في اطار مبادرة طريق الحرير و انتقال الصين الى الاستثمار المباشر في الجزائر في مجالات عديدة كالإنشاءات والهياكل القاعدية ذات الطابع الهيكلي على غرار مشروع ميناء تنس العملاق الى الغرب من العاصمة الجزائرية أو المشاركة في بناء المساكن ذات الطابع الشعبي والمشاركة في إقامة مشاريع ذات طابع ثقافي/ ديني كجامع الجزائر واوبرا الجزائر.

 وتتجسد المشاركة الصينية على عدة مستويات مالية او بتقديم خبرات او تجسيد المشروع برمته كما حدث مع كل من اوبرا الجزائر وجامع الجزائر. مع الإشارة الى أن الصين في تعاملها مع دول شمال افريقيا العربية تحرص على تنويع مصادر التمويل فإذا كان تمويل جامع الجزائر تم بأموال جزائرية فإن تمويل أوبرا الجزائر كان هبة من الصين.

التعامل الاقتصادي والمالي مع الجزائر نشهد معالمه البارزة في تعامل بكين مع كل من المغرب ومصر وتونس، أي ثنائية التجارة والاستثمار المباشر اعتماداً على مبادرة طريق الحرير الصينية.

...ومع المغرب

مع المغرب نشهد تطوراً لافتاً في العلاقات مع الصين إذ فقد وصلت المبادلات التجارية بين الطرفين الى أكثر من 6.5 مليار دولار مما يعني زيادة المبادلات بين الطرفين بأكثر من 50 في المئة في اقل من خمس سنوات. وعلى غرار التعامل مع الجزائر حرصت الصين على الاستثمار المباشر في الاقتصاد المغربي من خلال شراء أسهم شركات مغربية كما حصل مع مؤسسة صناعة إطارات السيارات والتي قامت بشراء 35 في المئة من أسهمها.

الانتشار الصيني في الاقتصاد المغربي  لم يقتصر على المشاركة في شركات مغربية، بل الانتقال الى المساهمة الفعالة في مشروع مغربي هيكلي ومستقبلي والمتمثل في مشروع مدينة "محمد السادس تيك" والذي يعتبر من أهم وأكبر المشاريع في المغرب لارتباطه بالتحولات التكنولوجية الرقمية الجارية بالإضافة الى ان المشروع  من المنتظر أن يوفر 100 ألف فرصة عمل في بلد عربي يعرف بطالة مزمنة هيكلية كما هو الحال في العديد من الدول العربية الأخرى والتي تشكل البطالة فيها هماً وهاجساً جماعياً.

أما مع مصر

العلاقات الصينية مع مصر أكبر الدول الافريقية سكاناً يتم على نفس الأسس، التجارة والاستثمار مع إضافة مسألة أخرى مهمة في مسار العلاقات بين القاهرة وبكين والمتمثلة في أن الصين في تعاملها مع مصر تعتبر أن هذه الأخيرة  بوابة الصين الى العمق الافريقي. أي أن طريق الحرير الصيني يمر عبر مصر للدخول الى القارة السمراء في نظر قادة الصين خاصة في ظل الرهان على افريقيا في المستقبل على أكثر من صعيد  زراعي تجاري ومالي، وتسعى بكين  لتدعيم علاقاتها مع الدول الافريقية وهذا عبر البوابة المصرية.

على المستوى الثنائي المباشر فأن تحليل العلاقات الصينية المصرية يؤكد ما تمت الإشارة اليه عند الحديث عن العلاقات الصينية مع كل من المغرب والجزائر وتونس أي ثنائية التجارة والاستثمار.

فقد وصل حجم التبادل بين مصر والصين الى حوالي  11  مليار دولار مع ملاحظة ان حجم التبادل في زيادة مستمرة منذ إقامة العلاقات بين الطرفين في خمسينات القرن الماضي. وقد سجل المراقبون سعياً صينياً في السنوات الأخيرة للتواجد المكثف في الاقتصاد المصري من خلال المساهمة والاستثمار في الشركات المصرية بصورة مباشرة أو المساهمة الفعالة في المشاريع المصرية ذات الطابع الهيكلي كالمشاركة بقوة في المسعى المصري لإقامة سلسلة من المدن الجديدة.

الخلاصة

في الأخير، فأن ما يقال عن العلاقات الصينية مع دول شمال افريقيا يمكن ان يسحب على باقي الدول العربية  فإرتفاع حجم التجارة الصينية مع الدول العربية في اقل من عشر سنوات من 36.7 مليار دولار الى 250 مليار دولار وكذلك بالنسبة للاستثمارات المباشرة التي عرفت ارتفاعاً ملحوظاً من 2014 الى 2023 حيث انتقلت من اقل من 10 مليارات دولار الى 23 ملياراً وهو رقم مرشح للارتفاع في السنوات المقبلة بالنظر الى التحولات العميقة في البيئة الاقتصادية العلمية والانخراط القوي والمتزايد للدول العربية في مبادرة الحزام والطريق، حتى ولو أن اختلفت أسباب سعي كل الدول العربية في الانضمام الى طريق الحرير.

فارس مارسيلي