هل يعلم نوابنا؟

08.02.2023
موسى فريجي
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email


كتب المهندس موسى فريجي

لا شك ّ أنّ نوابنا الأكارم مدركون للحالة الاقتصادية المزرية الّتي وصل إليها لبنان خلال السنتين الفائتتين. كما أنّهم مدركون لعجز الّدولة عن حل هذه المشاكل وخاصّة أجور القطاع العام.

لعلّهم يلاحظون أن القطاع الخاص، أو ما تبقى منه، استطاع أن يتكيّف مع زيادة أسعار السلع المُنتجة محليًا أو المستوردة مع رفع الدعم عن المحروقات وبالتالي رفع أجور الموظفين والمستخدمين كي تتوافق، الى حدٍ ّ ما، مع الكلفة الجديدة للمعيشة.
لكن الدولة، العاجزة عن مجاراة القطاع الخاص،  تعثرت في القيام بذات الإجراء لموظفيها الأمر الذي دعا الى الإعتكاف عن العمل وبالتالي تعطيل مصالح الناس والقطاع الخاص في مقدمتهم.

ومن أجل توفير الأموال اللازمة لرفع أجور الموظفين من كافة الفئات، ما زالت الحكومة تفاوض صندوق النقد الدولي للإستدانة منه للقيام بذلك. لكن الشروط التعجيزيّة التي فرضها الصندوق وعدم قدرة الحكومة على تحقيقها حال دون الحصول على المال منه، وبالتالي عجزت الحكومة عن حل ّ معضلة تمنع القطاع العامّ عن العمل بإستثناء الخدمات القليلة الملحة المدفوع مقابلها من بعض أصحاب المصالح.

فمن أين للدولة العاجزة عن تحصيل الضرائب الواجبة وعن الدخل مقابل الخدمات التي كان من الواجب عن تحصيل تنفيذها على يد موظفي القطاع العام، المال الواجب لزيادة رواتب القطاع العام وبالتالي إنتظام العمل والإبقاء على الأمن الداخلي بحده الأدنى؟
الجواب على السؤال يكمن في رفع الدخل من المستوردات عن طريق فرض ضرائب مرتفعة على الكماليات وما أكثرها، وعلى السلع المستوردة التي ينتج أو يمكن أن ينتج مثيلها في لبنان كالمفروشات والألبسة والأحذية والألبان والأجبان واللحوم الحمراء والبيضاء والأزهار والمشروبات الكحولية وغيرها الكثير.
في دراسة تفصيليّة للبنود الجمركيّة الـ 98 تبين لي أن فرض الضرائب بالعملة الصعبة بمستويات مختلفة يمكن أن يؤدّي إلى حصول الدولة على ما يزيد عن ثلاثة مليارت دولار سنوياً تكفي لا لإنصاف القطاع العام بأكمله من جيش وأمن داخلي وقضاء ومعلمين وأساتذة جامعيّين وموظفين من كافة الفئات فحسب، بل يتعدّاه للقيام بالصيانة اللازمة للبُنى التحتيّة وغيرها.

إن هكذا إجراء يتطلب من مجلس النواب قانونًا يجمّد بموجبه العمل بإتفاقيات التبادل التجاري الحر، بسبب الظروف القاسية التي يمر بها لبنان، ومن ثم ّ إعطاء الحكومة حق ّ التشريع في تعديل مستوى الرسوم الجمركيّة وتحصيلها بالعملة الأجنبيّة بحيث تمكّنها من تحصيل الثلاثة مليارات دولار المشار إليها أعلاه.

من الجدير ذكره أن الدول الصناعيّة الكبرى وعلى رأسها الولايات المتّحدة الأميركيّة، نكست بإتفاقيّات منظمة التجارة العالمية منذ أن شعرت أن الزيادة الكبيرة في المستوردات المعفاة من الجمارك أدّت إلى زيادة البطالة وإقفال العديد من المصانع. وكذلك فإن المجموعة الأوروبيّة لجأت إلى وضع مواصفات قياسية تعجيزيّة للمنتجات المستوردة التي يمكن أن تؤثّر في مستوى إنتاجها. إذاً، فالدول الصناعية تلجأ إلى الإجراءات الحمائيّة، فكيف للدول النامية أن تنمو وهي تستورد منتجات مدعوم إنتاجها ومدعوم ٌ تصديرها من مصادرها عوضا ً من أن تلجأ الى الإنتاج أصلاً ، وذلك مخافة منع القروض عنها؟

إن ما يسمى بالهيئات الإقتصاديّة في لبنان، والتي تلجأ الحكومة لإستشارتها ومسايرتها، إنما تتألف من أصحاب الوكالات الحصريّة والتجار المستوردين ونقاباتهم والكارتلات المستوطنة منذ الإستقلال، جميعها تدافع بإستماتة لعدم تخفيض حجم الإستيراد بأي وسيلة من الوسائل ذلك لأن أرباحهم من رأس المال الموظف للإستيراد يتعدّى 60 %سنويًا. إن ّ مصدر الفساد الذي يتحدّث عنه القاسي والداني إنما مصدره المال، ومصدر المال هو التجار، والتجارة الرابحة هي من الإستيراد.

فليعلم القاسي والداني بأنه إذ لم يتجرأ النواب في معالجة الوضع الاقتصادي على النحو الذي ذكرناه، فإنهم يعتبرون أولا ً جاهلين في التشريع الذي يؤدّي إلى حل ّ المعضلة الاقتصاديّة في لبنان، وثانيًا هم مستفيدون من الإبقاء على مستوى الإستيراد بشكل ٍّ أو بآخر غير عابئين بمنع رفع شأن الإنتاج الوطني وبالإبقاء على تصدير كفاءاّتنا المتعلمة إلى أصقاع الدنيا بدل من خدمة وطنهم فيما لو توفرت لهم فرص العمل في لبنان. وهذه لن تتوفر إلا ّ بتحفيز الإستثمار في القطاعات الإنتاجيّة
والتي بدورها لن تحصل إلا بعد توفير الحماية الجمركيّة الفاعلة لها.

ربّ قائلٍّ بأنّ وضع الرسوم الجمركيّة المرتفعة سوف تزيد من كلفة المعيشة. لكن في الواقع كون معظم الجمارك المرتفعة تصيب الكماليات فإن المتأثّرين منها هم أصحاب الدخل المرتفع وليس معظم اللبنانيّين. إنّه تدبير يأخذ من الميسورين ليعطي المحتاجين من موظفي الدولة المضربين عن العمل والمعطلين خدمة الناس.

الجدير ذكره، أنّ ما رُوّج له مؤخراً حول رفع الدولار الجمركي من 1,500 ل.ل. إلى 15,000 ل.ل. يؤدّي إلى دخل يحلّ مشكلة توفير الزيادات المطلوبة لرواتب القطاع العامّ هو تدبير لا يؤدّي إلى النتيجة المرجوة .

- حيث أن المعدّل العام للرسوم الجمركيّة لا يتعدّى ال 5 % على مستوردات وصلت قيمتها الى 17 مليار دولار، مع سعر صرف 65,000 ل.ل. للدولار حالياً.

- أي أن المحصلة النهائيّة لهذا الإجراء هي 17 مليار د.أ. × 5 % × 15,000 ل.ل. ÷ 65,000 ل.ل. = 196 مليون دولار في السنة فقط، بينما المطلوب من زيادات لرواتب القطاع العام تصل إلى ملياري دولار كحد أدنى. وبالتالي فهو حل جزئي يغطي فقط 10 % من الحاجة .