هل بلغ لبنان
مرحلة الارتطام الكبير؟

26.01.2023
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

كل شيء متوقع في لبنان، في ظل الغرق المتواصل في منحدر الانهيار ، وفي ظل تحلل الدولة وتفكك مؤسساتها وتفشي الفساد وانعدام الاخلاق واختلال القيم وإصرار المسؤولين على انكار الوقائع وتمتعهم بالعيش الرغيد في ابراجهم العاجية وإدارة الاذن الطرشاء لانين الناس من اوجاع الفاقة المعيشية والفقر واليأس والإحباط وفقدان الثقة بكل شيء. ومع ذلك لم يكن ليخطر على بال أي لبناني ان يشاهد بذهول وخيبة  القضاة الكبار على حلبة المصارعة يعرضون على الملأ عوراتهم، ويتقاتلون بين بعضهم البعض لينفجر القضاء وتتشظى معه السلطة القضائية، مدمرا الامل الأخير باستعادة هيبة الدولة واعادة الاعتبار لحكم القانون وإقرار العدالة.

من نكبات لبنان، ان اهل السلطة فيه اعتادوا على دوس القوانين والدساتير والاعراف والمؤسسات والاخلاق. وكان القضاء مطيعا للسياسيين ولايطاع . وجاء مشهد المهزلة الأخيرة مهينا الى اقصى الحدود. لقد اطلق القضاء النار على نفسه واعدم معه العدالة وحكم القانون. وغيب بالكامل الرمق الأخير للرهط الصغير من القضاء النزيهين الذين لايزالون يقاومون الطاعة والاغراءات. وهذا "الجنون القضائي" اللا متوقع والغريب من نوعه والذي يرتقي الى مرتبة افظع الكوارث، يكرس واقعيا حقيقة اننا لانعيش في دولة بل في عصفورية. وأي تكن أسباب المناكفات والدوافع والاجتهادات والتأويلات القانونية او الإدارية التي يسوقها هذا القاضي او ذاك، فلا شيء يبرر هذا الجنون الذي يدمر البقية الباقية من هذا البلد ويدفع باللبنانيين الى الندم بانهم ولدوا هنا وليس هناك. وما يزيد الطين بلة، فقدان وسائل اللجم والردع والمحاسبة . والاسوأ من ذلك هو تماهي القطعان اللبنانية مع الخطا وانقسامها كالعادة الى فريقين ، فريق مع هذا وفريق مع ذاك، مايزيد الانقسامات العشائرية في الشوارع المتقابلة، الامر الذي يزيد من خطورة الوضع الى الحدود غير المتوقعة ويوحي بان ماهو آت قد يكون أعظم.

ازمة القضاء هي الفصل ما قبل الأخير من الارتطام الكبير وانهيار الدولة وانهيار النظام العام. هذا النظام يترنّح ويفشل سياسياً في انتخاب رئيس للجمهورية، ويعجز في الاتفاق حول شكل إدارة العمل الحكومي الموقت، ويفشل في التصدي لاسوا انهيار معيشي واقتصادي، والنظام الذي ينهار على رؤوس اللبنانيين لن ينتج لهم سوى هذا القضاء الذي يأكل اليوم نفسه.

واذا كان لابد من استعادة الدولة وبنائها وإعادة ثقة الناس بمؤسساتها واداراتها، لابد ان يكون من أولويات أي خطة للنهوض الوطني، إعادة بناء القضاء، على ان يكون قضاء فاعلاً وعادلاً ونزيهاً ضمن شروط علمية واخلاقية ومهنية وإدارية، في مقدمها ان تكون السلطة القضائية المستقلة.