الجزائر أين والى أين؟

06.01.2023
الرئيس عبد المجيد تبون
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بقلم:رؤوف أبو زكي

هل تغيرت الجزائر بعد ثلاث سنوات من تولي الرئيس عبد المجيد تبون سدة الرئاسة؟ هل حقق الرئيس وعوده عند ترشحه  في جزائر كانت تشهد غلياناً شعبياً غير مسبوق؟

الحكم على هذه الفترة القصيرة صعب لان الجزائر التي ورثها تبون كانت تعاني من مشاكل متعددة الأوجه ناجمة بالأساس عن ممارسات اقتصادية وسياسية جعلت الكل يحبس أنفاسه ويتساءل بقلق عن مصير الجزائر في سؤال شهير يعرفه كل جزائري: الجزائر الى أين؟

جاء تبون الى الرئاسة في جزائر ممزقة اقتصادياً ومنهكة سياسياً منهارة اجتماعياً والكل يجمع على أن الرجل لم يعد بحل المشاكل المتراكمة منذ عدة أعوام وكان شعاره الأول والوحيد: يجب إعادة الأمل، أمل الجزائري في بلده.

 من أين بدأ؟ هل بدأ؟ هل نجح؟ اين وصل؟

هذه الأسئلة هي الأدوات التي يمكن من خلالها تقييم مدى التغير والتحول الذي عرفته الجزائر منذ بداية فترة حكم الرئيس عبد المجيد تبون.  

في البداية وحتى يكون الحكم عادلاً يمكن الجزم أن الرئيس تبون بدأ من نقطة لم يعد للجزائر فيها اقتصاد بمعنى الكلمة بل كان هناك بازار اقتصادي يقوم على منطق التجارة في كل شيء والفساد على كافة الاصعدة. وهنا فإن الكلمات ربما عاجزة عن وصف الحالة الاقتصادية التي وجدها الرئيس عبد المجيد تبون في اليوم الأول لوصوله الى قصر المرادية وهناك اجماع داخلي وخارجي على أن الرجل نجح إلى حد بعيد في إعادة الاعتبار للشأن الاقتصادي في الجزائر رغم الظروف التي أحاطت بالجزائر وليس أسهلها طبعاً تداعيات الازمة الصحية المرتبطة بكورونا.

السلطات الجزائرية ومنذ اليوم الأول لوصول الرئيس تبون الى الرئاسة عملت على تحييد الزمر ومراكز القوى التي سيطرت على عصب الحياة الاقتصادية وظهر هذا المسعى بصورة جلية في قطاع السيارات حيث تم توقيف هذا القطاع بصورة تكاد تكون كاملة حتى وأن كانت نتائج هذا التوجه هو أزمة خانقة في سوق السيارات فإن المسعى نجم عنه بالأساس انتزاع السلطة والمبادرة الاقتصادية التي حكمت الاقتصاد الجزائري في العهد السابق عن طريق النفوذ المالي والإعلامي في الداخل والخارج.

انتزاع المبادرة الاقتصادية وعودة سلطة القانون الى الحياة الاقتصادية والذي كان أحد الأهداف المعلنة للرئيس تبون، مكن الدولة من العودة بقوة الى الساحة الاقتصادية من خلال إعادة النظر في سياسة التجارة الخارجية عن طريق تخفيض واسع وشامل للواردات من السلع والتي كانت تعرف توجهاً تصاعدياً سرعان ما أصبح توجهاً تنازلياً حيث تراجعت الواردات الجزائرية بأكثر من 18 في المئة في السنة الأولى لتولي الرئيس تبون السلطة. وانعكس هذا الانخفاض بصورة واضحة على وضعية الميزان التجاري الجزائري والذي انخفض عجزه على الرغم من انخفاض الصادرات بعد تراجع حاد لأسعار النفط في السنة الأولى لبداية الفترة الرئاسية للرئيس عبد المجيد تبون.

التحكم في مسار التجارة الخارجية من جهة الواردات كان من اهم الأهداف المعلنة للسلطات الجزائرية ذلك أن تحليل بينة الواردات بصورة دقيقة يوضح أن ارتفاعها المستمر في السنوات العشرين الأخيرة مرده بالأساس الى ظاهرة تضخيم الفواتير وتعتبر هذه الوسائل من اهم الأساليب التي تستعمل لتهريب رؤوس الأموال وقد عملت الجزائر منذ 2020 للتحكم العقلاني في فواتير التجارة الخارجية من جهة الواردات.

عودة الدولة الى ممارسة دورها كضابط إيقاع فعال مع بداية الرئاسة مكن الصادرات الجزائرية خارج المحروقات من تحقيق قفزة نوعية غير مسبوقة فقد وصلت الصادرات خارج المحروقات الى حوالي 7 مليار دولار بعد ان كانت لسنوات عديدة لا تتجـــاوز 2 مليار علماً أن الهدف المعلن  هو الوصول ال 10 مليار دولار سنوياً مطلع 2023 أي مع بداية السنة الاخيرة لولاية تبون الرئاسية.

الأوساط الاقتصادية والمالية سجلت بارتياح كبير معتبرة المسعى خطوة أساسية نحو اصلاح الساحة الاقتصادية الجزائرية ويتعلق الأمر هنا بقرار الرئيس تبون استبعاد بصورة نهائية مسألة اللجوء الى ما يعرف في الجزائر بالتمويل غير التقليدي للحياة الاقتصادية أي اللجوء الى طبع النقود وهو المسعى الذي دأبت عليه السلطات الجزائرية خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. قرار الرئيس تبون بعدم الاعتماد على هذا الشكل من التمويل اعتبرته الأوساط المالية والنقدية الدولية كصندوق النقد الدولي رسالة قوية من لدن السلطات الجزائرية بالعودة الى الآليات الاقتصادية والمالية المعتمدة من قِبل الهيئات المالية الدولية.

عودة الدولة بقوة الى الساحة الاقتصادية باستعمال مختلف الوسائل المتاحة مكن السلطات الجزائرية في هذه المرحلة من صياغة تشريعات وقوانين تستجيب لطبيعة المرحلة التي يعيشها العالم. بعبارة أخرى القوانين التي اعتمدت في بداية رئاسة تبون تقوم على إدراك عميق لعيوب الاقتصاد الجزائري التي يعرفها كل متعامل مع الجزائر على المستوى الاقتصادي. وخير مثال على هذا التوجه مسار قانون الاستثمار الجديد الذي اقرته السلطات مؤخراً وهو القانون الذي حرص الرئيس على أن يكون في جوهره بعيداً عن هيمنة الإدارة والتي مازالت تتصرف وفق المنطق القديم القائم على البيروقراطية الاقتصادية والتي أضرت كثيراً بأداء الاقتصاد الجزائري وأفضل مثال على رغبة السلطات في إحداث تغيرات عميقة في بنية الاقتصاد هو اعلان الرئاسة في مناسبات عديدة عن رفع التجميد عن مئات المشاريع والتي كانت تقبع في دهاليز الإدارة.

السلطات الجزائرية أصرت على أن يشكل قانون الاستثمار الجديد رسالة قوية تحمل في جوهرها الشعار الذي جاء به برنامج الرئيس تبون وهو الجزائر الجديدة.

على مستوى الأرقام والمؤشرات فإن هذه السياسة الجديدة من قبل السلطات تظهر بصورة جلية في توقف الناتج الداخلي الخام الجزائري عن التراجع وعودة النمو إلى الاقتصاد رغم شدة الصدمة الناجمة عن تداعيات أزمة كورونا العالمية.

على صعيد آخر وعلى مستوى الخطاب السياسي والاقتصادي تعتبر عدة أوساط أن اللغة المستعملة من قبل الرئيس تبون تختلف عما كان على اعتبار ان الحكومة الجزائرية مع تولي الرئيس تسعى الى اعتماد لغة الصراحة ولا تخفي حقيقة التعقيدات الإدارية التي تصاحب العملية الاقتصادية في الجزائر وتسعى من خلال الحوار والنقاش الى تذليل العقبات التي تواجه المستثمر.

تبون وجزائر بعد 2019 محاولة لإعادة قطار الاقتصاد الجزائري الى مسار صحيح من خلال أولاً إدراك الواقع والبناء عليه لا ترديد خطابات تتجاهل حقيقة الوضع في الجزائر وهو وضع مازال عملياً يعاني من إرث سنوات النموذج الاشتراكي وإرث عشرين سنة من حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وهي السنوات التي عرفت تطوراً لافتاً للجزائر صاحبه فساد فاحش وتسلط اداري رهيب.

في منتصف فترة حكم تبون او يزيد بقليل يقول العارفون بالشأن الاقتصادي الجزائري أن الرجل بدأ من نقطة أساسية وهي ضرورة أن تلعب الدولة دورها كضابط إيقاع أساسي في العملية الاقتصادية وقد نجح الى حد كبير في هذه النقطة والتي تشكل أرضية هامة لإعادة البناء الاقتصادي ولكن هذا لايكفي بالنسبة للجزائر والتي مازالت ورغم القدرات الكامنة بعيدة عن المعايير الدولية في عدة مجالات.

فمناخ الأعمال وإن تحسن، مازال في منطقة تقع تحت سندان الإدارة والتي لا تنظر الى العملية الاقتصادية من زاوية اقتصادية و مالية بل من زاوية أخرى تخلط السياسي بالاقتصادي بالاستراتيجي والسلطات الجزائرية وعلى رأسها تبون تدرك أن خلاص الجزائر يمر بتحييد الإدارة تماماً وإخراجها من دائرة الاقتصاد بصورة عامة.

تبون وقبل بداية عامه الرابع نجح الى حد بعيد في تحييد العصب ومراكز القوى الاقتصادية التي سيطرت على الاقتصاد الجزائري في العشرين سنة الأخيرة والتحدي في السنتين الأخيرتين من فترته الرئاسية هو تحييد الإدارة والبيروقراطية وإخراجها هي الأخرى من الحياة الاقتصادية، والرجل من خلال مختلف تصريحاته وطبيعة المسعى المتبع من لدنه يعرف ان نجاح فترته الرئاسية الحالية مرهون برفع التحدي .... عملياً الرئيس تبون بدأ وهو في الطريق الى بناء اقتصاد عصري قائم على انتاج القيمة، هو لم يصل بعد إنما هو في الطريق الى المستوى الذي يليق بالجزائر.