رحلة التحوّل نحو الاقتصاد الرقمي في الشرق الأوسط

27.12.2022
عمار طبا
Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
e-mail icon
شارك هذه الصفحة مع آخرين
Print Friendly, PDF & Email

بقلم عمار طبا*

يشهد الاقتصاد الرقمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي قد تصل قيمته إلى 40 مليار دولار بحلول العام 2030 وفقاً لآخر التوقعات، ازدهاراً ملحوظاً يتطلب مضاعفة جهود ترقية البنية التحتية الرقمية للأفراد والشركات. ولهذا تعمد بلدان المنطقة إلى تبنّي أحدث تقنيات قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات الذي بات من المقومات الرئيسية لتحقيق التحول الرقمي في مختلف القطاعات والصناعات.

وستسهم الاستخدامات التجارية للتقنيات المبتكرة الجديدة كالجيل الخامس والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، في إنجاز مزيد من مراحل التحول الرقمي. هذا الأمر سيوفر مزيداً من فرص التنمية الاجتماعية والاقتصادية ودعم ازدهار الاقتصادات الرقمية في دول المنطقة، لا سيما تلك التي كانت سباقة في مجال الاستفادة من التقنيات المتقدمة كالجيل الخامس والذكاء الاصطناعي. وسيكون ذلك ممكنا نتيجة التعاون والشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتكثيف جهود بناء النظام الإيكولوجي التقني.

وقد أدت الاستثمارات المتزايدة في الاقتصاد الرقمي والتقنيات الحديثة والأمن السيبراني، إلى تنامي حجم الاقتصاد القائم على المعرفة في منطقة الشرق الأوسط. وأشار تقرير نشره البنك الدولي مؤخرا إلى أن التحول الرقمي في المجال الاقتصادي في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يمكنه الإسهام في زيادة الناتج المحلي الإجمالي لكل فرد بنسبة تصل إلى 46 في المئة على مدار الـ 30 عاما المقبلة.

المنصات الرقمية

تعتبر المنصات الرقمية المتطورة من المقومات الأساسية لإنجاح رحلة التحول الرقمي، حيث يمكن لتقنيات المعلومات الحديثة المساهمة في تعزيز كفاءة المؤسسات من خلال إدارة الأصول المادية بطريقة ذكية سواء في المصانع أو خطوط الإنتاج والعقارات والمرافق وغيرها. ويمكن للابتكارات الرقمية في مجالات الاتصال والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي تغيير طريقة عمل المؤسسات وابتكار نماذج أعمال جديدة، وبالتالي توفير حلول وخدمات متطورة وسلسة ترتقي لجودة ومعايير العالم الرقمي الجديد.

وستؤدي التغيرات المتسارعة إلى زيادة متطلبات البنية التحتية الرقمية، ما يستوجب تكثيف جهود إطلاق المرحلة التالية من الاتصالات المتمثلة بتقنية الجيل الخامس والنصف 5.5G التي ستوفر ميزات هامة، أهمها: توفير تجربة سرعة الـ 10 جيغابت في الثانية، وفرص لوصل مئات المليارات من نقاط الاتصال لتعزيز الاعتماد على التقنيات الذكية، وزمن استجابة أعلى بكثير من الأجيال السابقة، ناهيك عن الفرص الأوفر لتناغم الجيل القادم من الشبكات مع التقنيات الثورية الأخرى.

النظام الإيكولوجي لتقنية المعلومات والاتصالات يُسهم في التغلب على التحديات التي تواجه التحول الرقمي بثلاثة طرق. أولا سيساهم في تعزيز البنية التحتية الرقمية بما في ذلك تحسين الاتصال وتعزيز كفاءة موارده وتنويعها. ثانياً، مساعدة المؤسسات لتعزيز اعتمادها على الحوسبة السحابية واغتنام الفرص التي توفرها مع التركيز على الخدمات التقنية الحديثة التي تسهم في دفع عجلة التطور التقني. ثالثاً، بناء الأنظمة الإيكولوجية الرقمية المحلية بما في ذلك دعم الشركاء وتنمية المواهب الرقمية ومساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة.

التكنولوجيا في خدمة البيئة

في خضم العمل على بناء الاقتصادات الرقمية، ينبغي عدم إهمال محور الحفاظ على البيئة وتوظيف التقنيات الحديثة لصالح  تحقيق أهداف الاستدامة في المنطقة. وكشف استطلاع أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي مؤخراً أن 40 في المئة من قادة الأعمال يعتقدون أن التقنيات الرقمية تسهم في تحقيق أهداف الاستدامة في شركاتهم. وتستهدف ابتكارات هواوي في مجال الطاقة الرقمية مساعدة شركاء الشركة وعملائها على الحد من البصمة الكربونية في عالم يزداد فيه استهلاك الطاقة. ومن خلال الاعتماد على التقنيات الرقمية وإلكترونيات الطاقة، يمكننا تطوير الطاقة النظيفة وتحقيق التحول الرقمي في قطاع الطاقة، والانتقال لتعميم الفوائد على القطاعات والصناعات الأخرى.

إعداد الكوادر التقنية

وفي خضم هذا كله، يشهد الطلب على مهارات تقنية المعلومات والاتصالات تزايداً كبيراً على ضوء نشر المزيد من التقنيات المبتكرة، ما يسلط الضوء على ضرورة تعزيز المعارف التقنية التي توفرها الجامعات في المنطقة بمهارات وخبرات عملية تتماشى مع واقع الرقمنة المتسارع ومستجدات متطلبات العمل في القطاع التقني. ولا شك أن إنجاز التحول الرقمي في الشرق الأوسط يتطلب بالدرجة الأولى تعزيز الاهتمام بمسارات تنمية المواهب التقنية لإعداد الجيل القيادي المستقبلي الذي ستولى مسؤولية توظيف التكنولوجيا لصالح أهداف التنمية والتطوير.

ويُسهم التعاون بين القطاعين العام والخاص في تنمية النظام الإيكولوجي للمواهب التقنية. ولن نتمكن من تلبية الاحتياجات الرقمية المتزايدة للأفراد والشركات وتعميم ميزات وفوائد التقنيات الحديثة على تطوير أعمال وخدمات سائر القطاعات والصناعات إذا لم نعتمد نهجاً عملياً مبني على الشراكة والتعاون المنفتح وتضافر الجهود لتوفير الفرص الملائمة للشباب الموهوبين.

الأمن أساس التقدم

مع ازدياد الاعتماد على الشبكات وتكامل العالم المادي مع الرقمي، نحتاج أكثر من أي وقت مضى للتركيز على أولوية توفير الاتصال الآمن والحفاظ على خصوصية المستخدمين. وتركز الحكومات من جميع أنحاء العالم على رفع مستويات ضمان الأمن الإلكتروني للمؤسسات والأفراد، حيث يتم اعتماد القوانين والأنظمة اللازمة لحوكمة الفضاء الإلكتروني وحماية البيانات الشخصية. ونظراً لتزايد الاعتماد على البيانات في جميع جوانب الحياة – لا سيما في مرحلة ما بعد الجائحة والتسارع الكبير في الاعتماد على الانترنت والحلول الرقمية – تزداد الحاجة لحماية البيانات واستخدامها بشكل ملائم.

ويعتبر توفير الفضاء الإلكتروني الآمن والمستقر من المقومات الرئيسية لتطور عالم المال والأعمال والمجتمعات. كما يعتبر الأمن السيبراني وحماية الخصوصية من المتطلبات الأساسية للعالم الرقمي. ويتطلب بناء الاقتصاد الرقمي اتخاذ إجراءات مدروسة وصارمة لتعزيز الأمن السيبراني. ويجب الالتزام بالتواصل والتعاون بين جميع الأطراف الفاعلة بطريقة منفتحة وشفافة من أجل تحسين الأمن الإلكتروني، وتعزيز قدرات حماية الخصوصية. إضافة إلى مواجهة التحديات بالابتكار التقني ومشاركة المعرفة وتطوير المعايير وأدوات التحقق وغيرها من الإجراءات التي تعتبر مسؤولية جماعية تقع على عاتق الطيف الكامل للجهات المعنية بالقطاع التقني.

مع تزايد قدرات مجرمي الإنترنت وهجماتهم الخطرة، يبقى التعاون اللبنة الأساسية على طريق تعزيز الأمن الإلكتروني من الناحية التقنية، ويجب أن يتم بطريقة تشاركية وشفافة تُسهم في رفع سقف الابتكارات، لتعود بالنفع والنجاحات المشتركة على جميع الأطراف ضمن النظام الإيكولوجي. ويجب أن يعمل الجميع على ضوء حقيقة أن الأمن السيبراني مسؤولية مشتركة ولا يجب ان يختزل في شركة او دولة معينة. وانه يجب مناقشته وفق الحقائق العلمية والمعايير الدولية المتفق عليها، بعيداً عن الأبعاد الجيو - سياسية.

فرص دمج التقنيات

ومن خلال الاستفادة من ميزات الدمج بين عدة تقنيات هامة كالذكاء الاصطناعي والطاقة الرقمية والحوسبة السحابية، يمكن ابتكار حلول جديدة تلائم سيناريوهات محددة ضمن قطاعات أو تخصصات تحتاج الاعتماد على التكاملية بين التقنيات بالاستفادة من تكاملية العمل ضمن النظام الإيكولوجي التقني. وخير مثال على ذلك الارتقاء بقدرات شبكات الاتصالات، بتعزيز فرص اقترانها بالتقنيات الأخرى كالذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية لتطوير منظومة عملها وناتج عملياتها ومستوى خدماتها. ويتوقع ان تشكل قدرات الدمج بين التقنيات، الحل بالنسبة للعديد من القطاعات الحيوية كالمؤسسات الحكومية والمرافق والنفط والغاز والنقل والخدمات المالية. 

إن تطور الاقتصاد الرقمي في دول الشرق الأوسط يعتمد على توفر منظومة عمل تقني تغذى بجسور تعاون منفتح بين أكبر عدد من شركاء النظام الإيكولوجي، كالشركات التقنية والمؤسسات الأكاديمية والهيئات التنظيمية وهيئات المعايير والمقاييس الدولية. ويجب الارتقاء بجهود الابتكار المشترك وتعزيز مساراتها لفتح آفاق جديدة لتقنيات جديدة تخدم مستقبل الأجيال القادمة.

 نائب رئيس هواوي للعلاقات العامة والإعلام في منطقة الشرق الأوسط*